بشكل سيء، يشبه البيع الأخير لحصة صغيرة في شركة أرامكو السعودية، شركة النفط التي تتخذ من “الظهران” مقرا لها، صفقة مماثلة قبل 3 أعوام شملت شركة “روسنفت الروسية”. و عندما تعذر العثور على مشترٍ أجنبي بسعر مقبول للرئيس “فلاديمير بوتين”، تم التوصل إلى عملية بيع مزيفة، أثارت جدلا بعد ذلك. ولم تنجز الصفقة سوى القليل لتعزيز هدف “بوتين” لإظهار أن روسيا قد تخطت العقوبات، وأنها أصبحت مغرية للمستثمرين الغربيين مرة أخرى.

وربما أن ولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”، لم يتبع نفس هذا المسار الوهمي بشكل كامل، إلا أن خطة “بن سلمان” ينبغي النظر إليها من هذا المنظور، وليس فقط اكتتاب أرامكو الأخير، ولكن مخطط ولي العهد الأوسع لتحويل المجتمع السعودي.

 

الإصلاح الوهمي

وبطبيعة الحال، يهتم مشتري الأسهم في أرامكو، فقط، بما إذا كانت الشركة تعمل لتحقيق أقصى قدر من الأرباح على المدى الطويل. في الحقيقة لا يمكن تأكيد هذا، وكذلك لا يوجد ما يؤكد على أن مبلغ 25.6 مليار دولار الذي جمعته الدولة في الاكتتاب العام، كما قال ولي العهد، سيتم استخدامه فعليا “لتحديث” الاقتصاد السعودي، وليس تمويل الصناديق التي تخدم طموحات الأمير الشخصية. ومع ذلك، لا ينبغي أن يثق أي شخص في أن أموال الاكتتاب العام لن يتم إهدارها على أشياء لا قيمة لها.

وإذا كانت المملكة ترغب في التحديث فعلا، فستكون الطريقة الصحيحة هي دعوة المستثمرين المحليين والعالميين إلى الشراء في أرامكو بسعر يعكس شكوك السوق جيدا، ثم تترك إدارة أرامكو السوق ليثبت خطأ المتشككين. وعندما أفاد المصرفيون العام الماضي بأن الأسواق الدولية لم تكن راغبة في دعم التقييم البالغ 2 تريليون دولار الذي طلبه الأمير، قرر ولي العهد اتخاذ مسار مختلف. ويقتصر العرض الآن على المستثمرين المحليين والحلفاء من دول الخليج الذين يمكن الضغط عليهم لشراء الأسهم بسعر مرتفع والاستمرار في الشراء، لدعم المزيد من ارتفاع الأسعار.

ويحصل المشتري الذي يحتفظ بالأسهم لمدة 6 أشهر على جائزة عبارة عن منحة جديدة من “الأسهم”. وقد أعطى “بن سلمان” كلمته بأن توزيعات الأرباح مضمونة حتى لو كان ذلك يعني تدفقات نقدية أقل للدولة. والأهم من ذلك كله، أن التداول سيكون مقصورا على البورصة المحلية الصغيرة في المملكة، “تداول”، التي يتمتع النظام فيها بنفوذ قد يتسبب في تفادي حاملي الأسهم البيع فيها خوفا من مكالمة هاتفية من ممثلي الأسرة المالكة.

وعندما تصبح الأسهم في أيدي الجمهور في النهاية، من المرجح أن تصبح التداولات الفعلية قليلة ومتباعدة. وسوف تملي الحكومة بشكل غير رسمي من يمكنه البيع ومتى، بهدف الحفاظ على التقييم بعيدا عن الهبوط نحو 1 تريليون دولار إلى 1.5 تريليون دولار التي اقترحها المستثمرون الغربيون المتشككون.

 

المزيد من التدخل

لا تقتصر الأمور على ذلك الحد فقط، حيث شهدت وقائع الأسبوع الأول من طرح أرامكو أحداثا أكثر إثارة للإحباط. فمن خلال عمليات الشراء المدبرة، ارتفعت القيمة السوقية لأرامكو تقريبا إلى رقم 2 تريليون دولار التي أصر ولي العهد على أن الشركة تستحقها. وبحسب ما ورد، تعرض السعوديون الأثرياء لضغوط للشراء، وكذلك موظفو أرامكو، والمؤسسات المحلية، وصندوق الثروة السيادية الحكومي.

وقد يكون الاكتتاب العام الواقعي خطوة مهمة للمملكة. ويوفر التداول الحر لأسهم أرامكو مقياسا دقيقا للرأي العالمي حول النظام وسياساته. لكن المعركة الجارية الآن بين ولي العهد والسوق حول من يحدد سعر سهم الشركة لا تفعل أي شيء لصالح بناء الثقة.

وقد أصر العديد من المراقبين الغربيين على تقديم “بن سلمان” على أنه بطل للحداثة، حتى بعد الحلقة المروعة التي تعرض فيها العديد من رجال الأعمال السعوديون البارزون للسجن والإيذاء والإذلال بهدف التنازل عن الكثير من ثروتهم لصالح الدولة. ثم جاء مقتل ناقد النظام “جمال خاشقجي”، وكانت بصمات “بن سلمان” في ذلك واضحة للعيان. ومع ذلك، لا يزال يسمع المرء تعليقات إيجابية تحتوي على ذلك “الحماس البابلي” لـ “بن سلمان” كرجل قوي مستنير، فقط لأنه سمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، وسمح بفتح دور السينما، ورعى مجموعة واسعة من العلاقات الرياضية والترفيهية مع الغرب.

ويبدو كل شيء عظيما من بعيد فقط. فمن من الخارج لا يفضل رؤية أمير سعودي قوي تطغى رؤيته على رؤية المؤسسة الدينية السعودية الرجعية؟ ومن الذي لا يرغب في رؤية السعودية تتطور بطرق من شأنها أن تفيد الاستقرار والسلام الإقليميين؟ ومع ذلك، فمنذ اللحظة التي قدم فيها نفسه وريثا لوالده المريض والمسن، بدا “بن سلمان” طموحا بشكل زائد جدا، ومتحديا للحقائق المستعصية بشكل خطير، الأمر الذي أغراه للاعتقاد مخطئا بأن التطور المجتمعي قد يستجيب لإرادة رجل واحد.