أكدت صحيفة التركية أن السعودية تلقت ضربة موجعة أثرت ولا تزال تؤثر على سمعتها ومكانتها في العالم الإسلامي، بعد تخليها عن مبدأ “الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية” التي تبنته في سبعينيات القرن العشرين.

وشددت صحيفة “ستار” في مقال للأستاذ في جامعة أرتوكلو التركية “نجم الدين أجر” على أن السعودية فضلت خلال السنوات الماضية الاهتمام بالمسائل الأمنية الخاصة بها، لكن هذا المسار جعلها تتسبب في عدة مآس وتفقد هيبتها الإقليمية.

 

وجهة مغايرة

وقالت الصحيفة إنه مع تصدر القضايا الأمنية في السياسة الخارجية السعودية منذ 2015 (عام تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم وتعيين نجله محمد وليا للعهد)، وتبنيها لسياسة تدخلية، تخلت المملكة عن سياستها القائمة على مبدأ “الولاء للقضايا العربية والإسلامية والدفاع عنها”.

وكان أكبر وأهم ما جنته السعودية جراء هذا التغيير الجذري في سياستها الخارجية، تراجع هيبتها وسمعتها ومكانتها في العالم الإسلامي.

وكانت السعودية ذات مكانة مرموقة في العالم الإسلامي؛ بسبب موقفها من مشاكل وقضايا وجروح العالم الإسلامي النازفة بعد عام 1970.

غير أن العمليات العسكرية والمبادرات الدبلوماسية التي أطلقتها السعودية في السنوات الأخيرة أفقدتها كل ذلك.

فالدول تكتسب المكانة والهيبة والسمعة بفضل القيم التي تمثلها، لتعد أهم مكونات قوتها الناعمة على الساحة الدولية.

واليوم تقوم الدول باستثمارات كبيرة لتحسين سمعتها ومكانتها في الساحة العالمية، تماما كما تقوم باستثماراتها لتحسين قدراتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية.

وكانت السعودية قد أصبحت لاعبا فعالا على مسرح الشرق الأوسط في سبعينيات القرن العشرين؛ مع التحولات الجذرية التي شهدتها أسواق الطاقة العالمية، إضافة إلى تغير الأجندة الأميركية.

إذ أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عام 1969 أن الولايات المتحدة ستعمل على تشجيع بلدان العالم الثالث على تحمل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن نفسها، ودور أمريكا سيقتصر على تقديم المشورة وتزويد تلك الدول بالخبرة والمساعدة.

وحتى ذلك الوقت كانت مصر تمثل مركز الثقل في سياسات الشرق الأوسط، ثم بدأت السعودية تأخذ هذا الدور وتتحول إلى مركز ثقل في السياسات الإقليمية في الفترة ما بعد 1970.

 

حماية العالم الإسلامي

وأوضحت الصحيفة أن هنا يكمن مربط الفرس، إذ يعود سبب تزايد ثقل السعودية في السياسة الإقليمية في هذه الفترة إلى حقيقة تبنيها مبدأ “الولاء للقضايا العربية والإسلامية والدفاع عنها” في سياستها الخارجية.

وإلى جانب الدور الكبير الذي لعبه هذا المبدأ في ترسيخ الشرعية المحلية للنظام السعودي، فقد أعطى المملكة سمعة ومكانة كبيرة في العالم الإسلامي.

وكان لموقف السعودية تجاه قضيتين الفضل الأكبر في تعزيز مكانتها في العالم الإسلامي في فترة ما بعد السبعينيات: القضية الفلسطينية وغزو أفغانستان.

فمع الحظر النفطي الذي بدأ عام 1973 بمبادرة من الملك فيصل، أصبحت السعودية طرفا مهما في القضية الفلسطينية وعلى أعلى مستوى، وبفضل مثل هذه المبادرات اكتسبت سمعة كبيرة في العالم الإسلامي وبكل جدارة.

كذلك خصصت السعودية موارد كبيرة لتنظيم المقاومة في أفغانستان عندما قام الروس بغزو أفغانستان في عام 1979.

واستخدمت السعودية هذه السياسة كمادة دعائية فعالة للدفاع عن موقفها في التنافس الإيراني السعودي الذي اشتد بعد عام 1979.

ففي إشارة إلى الحرب العراقية الإيرانية، كانت السعودية تدافع عن موقفها بالقول: “بينما تقاتل إيران العراق المسلم مع أنها تقدم نفسها على أنها دولة إسلامية، نحارب نحن (السعودية) ضد قيام غير المسلمين باحتلال الأراضي الإسلامية (أفغانستان)”.

وهكذا مهد هذان الموقفان الطريق أمام السعودية لتكون زعيمة وقائدة للعالم الإسلامي وبلا منازع.

 

ضربات موجعة

لكن السعودية، وفق الصحيفة، تخلت عن مبدأ “الولاء للقضايا العربية والإسلامية والدفاع عنها” بعد عام 2015 وجعلت من القضايا الأمنية أولويتها في السياسة الخارجية متبنية سياسة تدخلية.

وعلى هذا النحو أهملت السعودية أحد أهم مكونات قوتها الناعمة، بل وتخلت عنه، لتشهد سمعتها ومكانتها في العالم العربي والإسلامي، تراجعا كبيرا.

ويمكن الإشارة إلى الأزمة الإنسانية التي سببتها الحرب اليمنية، والتي لعبت فيها السعودية دورا كبيرا، وتفضيل دعم السياسات الغربية وتجاهل تطلعات العالم الإسلامي بشأن القضية الفلسطينية، فضلا عن اغتيال جمال خاشقجي، كأحداث وجهت ضربات قاتلة لمكانة السعودية وسمعتها بين الدول الإسلامية.

فعلى سبيل المثال، فقدت إدانة الرياض للعنف والهجمات الإسرائيلية على غزة ثقلها ومعناها وأهميتها، بما أنه ليس ممكنا إخفاء حقيقة الأزمة الإنسانية التي تسببت بها القوات العسكرية التابعة للسعودية خلال الحرب اليمنية.

حتى إنه في الفترة الأخيرة، بدأت الصحافة الدولية تتناول مقارنات بين المشاهد الإنسانية المؤلمة التي خلفتها الهجمات المتزايدة على المدنيين في اليمن والمشاهد الإنسانية المؤلمة التي خلفها الهجوم والعدوان الإسرائيلي على غزة.

فقدت السعودية اليوم ثقل كلمتها التي كانت تتمتع بها في بداية الحرب، وأصبح الجميع يعلم أن الضرر الأكبر في الحرب لحق بالشعب اليمني أكثر من أي جهة أخرى.

وحدث الشيء نفسه عندما تخلت السعودية عن موقفها تجاه القضية الفلسطينية العادلة في السنوات الأخيرة في سبيل تطوير علاقاتها مع إسرائيل.

وذلك بعد أن دافعت، ولسنوات طوال، عن فلسطين ووقفت معها ضد تهجير الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم واحتلال القدس والمسجد الأقصى.

أخيرا، كان اغتيال الصحفي جمال خاشقجي وطريقة تنفيذ الاغتيال وما حدث عقبها، بمثابة ضربة قاضية على سمعة إدارة الرياض ومكانتها في العالم الإسلامي.