اعتبرت “لوفيغارو” بمقال للكاتبة إيزابيل لاسير أن موجة الصدمة -التي نجمت عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2 من الشهر قبل الماضي بالقنصلية السعودية في إسطنبول- انتشرت إلى المنطقة وخارجها، لتضرب طموحات الدبلوماسية السعودية وولي عهدها في مقتل.

والرابح الرئيسي بقضية خاشقجي هو تركيا حيث تم تسجيل تفاصيل الجريمة وتوزيعها تدريجيا على العالم بمهارة كبيرة -حسب مقال الصحيفة الفرنسية- مما أعطى أنقرة ميزة في صراع القوى الإقليمية.

وعادت تركيا إلى اللعبة بعد إقصائها وبسبب حالة الضعف إثر الانقلاب الفاشل عام 2016 وإقصاء بعض شركائها، كما تشير لوفيغارو إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان وجد في هذه القضية ورقة للضغط على التحالف الثلاثي الذي يحاصر قطر وهو السعودية والإمارات ومصر.

إيران وروسيا والصين
وأضافت الكاتبة أن إيران الرابح الآخر في قضية خاشقجي، مؤكدة أنها يمكن أن تستفيد -رغم العقوبات الأميركية الجديدة- من تدهور صورة المملكة السعودية في العالم.

ونقلت عن إميل حكيم المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن قوله إن “البعض ينظر الآن إلى إيران على أنها شريك أقل خطرا وأكثر تعقلا من الرياض”.

وتتابع الكاتبة أنه ليس من المنطقي ألا ترحب إيران -التي تتهم السعودية بأنها “المؤسس والداعم الأيديولوجي والمالي للجماعات الإرهابية كالقاعدة وتنظيم الدولة”- بالعرج الذي أصاب أحد أعضاء المحور “المعادي لها” (الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل).

ومن المحتمل أن تستفيد دولتان أخريان (روسيا والصين) من هذه القضية “المريبة” لأنهما قد تبادران إلى سد أي فراغ ينتج عن برود العلاقات الأميركية السعودية المحتمل، بحسب المقال.

آثارها على حرب اليمن
وتضيف الكاتبة أنه وبعد الأزمة صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن “نهاية الحرب في اليمن ربما تكون قريبة” وأضاف أنه يأمل في إجراء محادثات سلام بين (قوات) الحكومة والتمرد بحلول نهاية العام.

وستمكن الضغوط الأميركية وعزل السعوديين من تحقيق هذا التقدم، حسب الكاتبة التي نقلت عن سياسي يمني قوله إن الرئيس الأميركي دونالد “ترامب أفضل من سلفه باراك أوباما لليمن، ويمكنه الضغط على السعودية أكثر لقربه منها”.

بيد أن الكاتبة ترى أن نهاية الحرب بعيدة من التحقق، ليس فقط لأن عملية السلام قد ماتت عدة مرات منذ بداية القتال، بل لأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ربط صعوده السياسي بالتدخل العسكري في هذا البلد المجاور.

وتذكر بأن حرب اليمن بدأت عام 2014 قبل تدخل الرياض العسكري، وقالت الكاتبة إنه لا يوجد سبب لانسحاب الفاعل السعودي، كما يقول حكيم إنه “يجب علينا أيضا أن نأخذ في الاعتبار القضايا الأمنية للسعوديين على محمل الجد”.

مستقبل علاقات واشنطن
وعرجت الكاتبة على مستقبل العلاقات الأميركية السعودية التي تعرضت لهزات عديدة، بداية بمشاركة 15 سعوديا في هجمات 11 سبتمبر 2001 إلى قضية اعتقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ثم احتجاز الأمراء في فندق ريتز كارلتون عام 2017، متسائلة “هل ستكون قضية خاشقجي القشة التي تقصم ظهر البعير؟”.

وقد شوهت هذه القضية سمعة السعوديين بعمق -يقول المقال- بما في ذلك داخل معسكر الجمهوريين الأميركيين، وكما يقول المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الإستراتيجية بلندن “الثقة تزعزعت بشكل عميق. ومن الوارد على المدى الطويل إعادة النظر في العلاقة الإستراتيجية مع السعودية”.

ومع ذلك، قد لا تتغير الأمور على الفور لأن “العاطفة تخبو نهاية المطاف أمام المصالح الإستراتيجية التي تربط القوى العظمى بالمملكة” كما تنقل الكاتبة عن أحد الدبلوماسيين.

ووفق رئيس أركان الجيش الأميركي جو دانفورد بمنتدى هاليفاكس في كندا مؤخرا فإن “المملكة السعودية شريك رئيسي وستبقى كذلك على المستوى العسكري” معتبرا أن الرياض كان لها “تأثير مساعد على الاستقرار في المنطقة”.

وبحسب خبير إستراتيجي فرنسي، أشارت الكاتبة إلى الدعم اللوجستي الذي يقدمه الأميركيون إلى التحالف العربي في الحرب ضد التمرد الحوثي باليمن، وأنه “يسمح بالحد من الأضرار الجانبية للقصف السعودي”.

هوس ترامب
وقالت الكاتبة إنه بالإضافة إلى “دبلوماسية الأعمال العزيزة على الرئيس الأميركي، هناك هوسه بإيران حيث يبرر وحده استمرار التحالف مع السعودية الذي “لا يتزعزع” حسب ترامب.

وحسب المقال يبدو أن مجموعة العشرين تقبلت عودة بن سلمان على المستوى الدولي، كما يظهر في الابتسامات والعناق على أمل تطبيع علاقته مع أولئك الشركاء الذين يشعرون بالقلق من موقفه.

وذكرت الكاتبة بأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الوحيدة التي أوقفت مبيعات الأسلحة إلى الرياض، في حين رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأمير السعودي في بوينس أيرس، مع التذكير بأن فرنسا تعتبر المملكة بلدا إستراتيجيا في الجغرافيا السياسية العالمية.

ويقول أحد الخبراء الخليجيين بمنتدى هاليفاكس عن قضية خاشقجي “إنها حدث عابر تحول بشكل لا يصدق إلى أزمة دبلوماسية، وسيبقى كذلك ما دام بن سلمان وليا للعهد”.

الدرس الرئيسي
وقد أثبتت تجاوزات الأمير حسب الكاتبة أن السعودية -رغم وعود بن سلمان- لم تتوقف عن عادات الديكتاتوريات العربية، مستندة إلى خبير إستراتيجي فرنسي القول إن “الدرس الرئيسي من قضية خاشقجي أن السعوديين سيئون في التواصل وفي الإستراتيجية وفي العمل العسكري. إنهم لا يتصرفون مثل رجال الدولة”.

وبسبب تدخلات بن سلمان تحولت حرب اليمن إلى ورطة، وأدى قراره قيادة الحصار على قطر إلى دخول الخليج في أزمة دبلوماسية. وقد قوضت معظم قراراته “الاستقرار” الذي تتمتع به المملكة، بحسب الكاتبة. لكن قضية خاشقجي أثرت بشدة على الطموحات الدبلوماسية السعودية ولا سيما هدفها الرئيسي باحتواء النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط من خلال توجيه ضربة قوية لمصداقيتها على الساحة الدولية.

وترى الكاتبة أنه وعلى المدى القصير سيتم استثمار كل طاقة المملكة في إصلاح الضرر، لكن من يأملون بتهميش بن سلمان قد يكونون محبطين، إذ لم تصدر أي علامة بهذا المعنى من الملك، بل إن معظم الخبراء بالمنطقة يرون أنه لا بديل لمحمد بن سلمان في الوقت الراهن.

نهاية العالم القديم
وتؤكد قضية خاشقجي -حسب المقال- أن هناك إعادة تشكيل للعلاقات الجيوسياسية، بانحسار الغرب والتأكيد المتزايد على القوى الجديدة على الساحة الدولية. وتنقل الكاتبة عن دبلوماسي قوله “نلاحظ ابتعادا واستقلالا لدى الجهات الفاعلة الإقليمية. فالسعوديون لم يكونوا في السابق يتصرفون دون تحذير حلفائهم الغربيين”.

ويبدو أن الرياض -حسب الكاتبة- تحاول أن تؤسس لسلوك جديد بالعلاقات الدولية، ومثلها أيضا روسيا التي تنتهك القوانين الدولية من خلال مهاجمة الجارة أوكرانيا، وبكين التي يتصاعد سلوكها أكثر فأكثر في بحر الصين.

وتستمر الكاتبة بالقول إن التعددية والديمقراطية والليبرالية تبدو هي الأخرى من ضحايا قضية خاشقجي التي أظهرت أن عددا من القوى بدأت تتحرر بشكل متزايد من القواعد والقيم التي انتظم فيها العالم تحت قيادة الولايات المتحدة.

واختتم المقال بقول السفير السابق ميشال دوكلو “هذه الجريمة جزء من اتجاه عام تشعر فيه القوى السلطوية أنها بلا رقيب، خاصة أن تخلي واشنطن عن الدفاع عن القيم الليبرالية وانحسار أوروبا على هذا الأساس يشجع على أسوأ الممارسات”.