من منعطف إلى منحدر تتعمق أزمة العلاقات السعودية اللبنانية بفعل تصريحات ساسة لبنانيين رغم محاولات الدوائر الرسمية متمثلة في الرئاسة والحكومة للتهدئة ونزع فتيل الأزمة.

وخلال كلمة مسجلة في 3 يناير/ كانون الثاني 2021، شن الأمين العام لحزب الله اللبناني (شيعي) حسن نصر الله هجوما حادا على السعودية وملكها سلمان بن عبد العزيز.

وقال نصر الله: “يا حضرة الملك الإرهابي، من صدر الفكر الوهابي الداعشي إلى العالم، وأرسل الانتحاريين إلى العراق، ويشن حربا على اليمن منذ سبع سنوات، ويقف إلى جانب الولايات المتحدة في كل حروبها ويفتح لها أرضه لتمارس جرائمها ضد الإنسانية”.

وأضاف في الكلمة التي بثتها قناة المنار التابعة له، بمناسبة الذكرى الثانية لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني أن “الإرهابي من يحتجز آلاف اللبنانيين في الخليج، يهدد بهم لبنان كل يوم”.

وجاءت تصريحات نصر الله ردا على خطاب ألقاه  الملك سلمان في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2021، حث فيه القيادات اللبنانية على تغليب مصالح شعبها و”إيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي”، على حد وصفه.

 

محاولة للتبرئة

اتخذت الحكومة اللبنانية موقفا رافضا لخطاب حسن نصرالله وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن ما قاله الأمين العام لحزب الله بحق السعودية لا يمثل موقف الحكومة والشريحة الأوسع من اللبنانيين، وليس من مصلحة لبنان الإساءة لأي دولة عربية خصوصا دول الخليج.

وتابع في بيان نشره مجلس الوزراء اللبناني عبر تويتر “فيما نحن ننادي بأن يكون حزب الله جزءا من الحالة اللبنانية المتنوعة ولبناني الانتماء، تخالف قيادته هذا التوجه بمواقف تسيء إلى اللبنانيين أولا وإلى علاقات لبنان مع أشقائه ثانيا.

ودعا ميقاتي (سني) الجميع إلى “الرأفة بالوطن وإبعاده عن المهاترات التي لا طائل منها، والتعاون لإخراج اللبنانيين من وحول الأزمات التي يغرقون فيها قائلا ارحموا لبنان واللبنانيين وأوقفوا الشحن السياسي”.

من جانبه، قال الرئيس اللبناني ميشال عون (ماروني) عبر حسابه بتوتير إنهم “حريصون على علاقة لبنان العربية والدولية خاصة دول الخليج وفي مقدمتها السعودية وقال هذا الحرص يجب أن يكون متبادلا لأنه من مصلحة لبنان ودول الخليج على حد سواء”.

فيما، خاطب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حسن نصر الله عبر تويتر بالقول: “إصرارك على استعداء السعودية وقيادتها ضرب متواصل من ضروب المغامرة بلبنان ودوره ومصالح أبنائه، السعودية لا تهدد لبنان بالعاملين والمقيمين فيها منذ عشرات السنين”.

وتابع: السعودية وكل دول الخليج احتضنت اللبنانيين ووفرت لهم فرص العمل ومقومات العيش الكريم، مضيفا أن من يهدد اللبنانيين هو الذي يريد أن تكون دولة لبنان رهينة لإيران وامتداداتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان.

واعتبر الحريري أن “نصر الله يبيع عروبته واستقرار وطنه مقابل الشراكة في حروب المنطقة”.

 

أزمة جديدة

كما رد السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على نصر الله بالقول: “افتراءات أبي رغال العصر وأكاذيبه لا يسترها الليل وإن طال ولا مغيب الشمس ولو حرمت الشروق والزوال.

وأبو رغال شخصية بالتراث العربي مشهورة بالكذب.

وفي وقت لاحق دعا البخاري الفرقاء السياسيين في لبنان لتغليب المصلحة العليا لبلادهم ومواجهة التحديات، من أجل أمن واستقرار الشعب اللبناني، مشددا على ضرورة إيقاف هيمنة حزب الله على مفاصل الدولة.

كما أكد السفير السعودي في الوقت ذاته أن “حزب الله يمثل تهديدا للأمن القومي العربي”.

وجددت تصريحات نصر الله الأزمة مع السعودية بعد محاولات إحداث خرق في جدارها، بعد تصريحات وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي المثيرة للجدل التي أجبرته على الاستقالة، محاولة للحل.

ففي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 نشرت مقابلة لقرداحي كانت مسجلة قبل توليه منصب وزير الإعلام، وصف فيها الحرب في اليمن بالعبثية، ما قوبل بإدانة خليجية واسعة، حتى تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأعلن قرداحي استقالته في 3 ديسمبر 2021.

ولم تكن تصريحات نصر الله الأولى من نوعها التي تحدث أزمة مع السعودية، حيث شكك في استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري التي أعلنها في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 خلال وجوده في السعودية مؤكدا تخوفه من الاغتيال.

واتهم نصر الله حينذاك السعودية باحتجاز الحريري وإجباره على الاستقالة، وهو ما دفع وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بعد يومين للإعلان أن بلاده ستعامل لبنان كحكومة حرب بسبب “مليشيات حزب الله”.

 

أداء تخريبي

وأثارت تصريحات نصر الله موجة تفاعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وأطلق لبنانيون على توتير هاشتاغ #حسن_نصر_الله  جاءت غالبية تغريداته رافضة لموقفه من الخليج عموما والسعودية خصوصا.

واعتبر النشطاء أن تصريحاته المعادية للسعودية تأتي على حساب لبنان الذي يعاني أزمة سياسية وتدهورا اقتصاديا يكاد يجهز عليه مع التدهور الحاد للعملة المحلية بعد خطابه الأخير ومهاجمة السعودية التي بإمكانها ترحيل العمالة اللبنانية من أراضيها.

وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 300 ألف لبناني يقيمون في السعودية ويعملون في وظائف ومهن مختلفة.

وتعد تحويلاتهم بجانب المقيمين في دول خليجية أخرى رافدا هاما للعملة الصعبة إلى لبنان حيث تقدر بنحو 60 بالمئة من إجمالي التحويلات القادمة من المواطنين بالخارج المقدرة وفق أرقام غير رسمية بنحو 8 مليارات دولار.

وحول هجوم حسن نصر الله على السعودية، يرى السياسي وعضو البرلمان اللبناني السابق خالد الضاهر أنه هجوم مقصود لتخريب علاقة لبنان بالدول العربية وخاصة السعودية التي كانت تعد داعما رئيسا للبنان حكومة وشعبا.

ويقول إن الوضع في لبنان معقد ويزداد تعقيدا بسبب تسلط حزب الله على الشعب اللبناني معتبرا أن أداء الحزب تخريبي سواء في لبنان أو خارجها كما فعل في سوريا والعراق واليمن.

“الحزب جزء من المشروع الإيراني في المنطقة ويعمد للهيمنة على الواقع السياسي بقوة السلاح، حتى أوصل لبنان إلى واقع خطير ضمن مخطط كبير لتدمير بلدان ما يسمى بالهلال الشيعي اقتصاديا واجتماعيا لتسهيل السيطرة عليه بصورة كلية من قبل إيران”، يضيف الضاهر.

ويشير إلى أن حزب الله يعمل لصالح إيران بغض النظر عن مصالح الشعب اللبناني حيث إنه لا يتأثر بالأضرار الاقتصادية، لأنه يتمتع بميزانية تصل مليارا ونصف المليار من طهران باعتباره جزءا من الحرس الثوري الإيراني فضلا عن تجارة المخدرات التي تصدر عن طريق الحزب.

ويزيد، أن ما قاله نصر الله بشأن احتجاز السعودية آلاف المواطنين اللبنانيين لديها كرهائن افتراء وادعاء غير منطقي حيث إنهم يعملون بوظائف مختلفة لكنه هو يعمل على تعميق الأزمة مع السعودية .

 

موقف العاجز

من جانبه رأى الكاتب الصحفي اللبناني عبد الرحمن صلاح الدين أن أمين حزب الله يحاول أن يحمل السعودية أزمة لبنان الحالية، وهو بذلك لا يرفع المسؤولية عن حزبه وحسب، بل يرفعها عن الطبقة السياسية كاملة، وهي الطبقة المسؤولة الأولى والأخيرة عما آل إليه لبنان.

وقال إن الحكومة اللبنانية تقف موقف العاجز فيما يخص علاقات لبنان الخارجية، فالمعضلة الحقيقية أن الدولة اللبنانية لا تستطيع منع تحول بعض الآراء إلى أفعال مثل مشاركة بعض القوى المحلية في حروب خارجية تضر بعلاقات لبنان مع تلك الدول.

واعتبر صلاح الدين أن “التصريحات لن تأتي بجديد على العلاقات اللبنانية السعودية، لأنها في أزمة أساسا وهناك عاملان يحددان مسارها، الأول داخلي وهو نتائج الانتخابات المقبلة (27 مارس/ آذار 2022)، والثاني هو مسار التفاوض الأميركي الإيراني وهو العامل الأهم”.

وذهب إلى أن تصريحات حسن نصر الله تفيد بأن الحوار السعودي الإيراني ما يزال في بداياته، وأن آفاق تحقيق خرق في جدار العلاقات السعودية الإيرانية لا تزال صعبة رغم المحادثات التقنية بين طهران والرياض التي احتضنها كل من العراق والأردن.

وتابع أن حديث نصر الله موجه ومقصود للداخل أولا حيث إن لبنان على أبواب انتخابات برلمانية وقد تعودنا رفع مستوى الخطاب الطائفي من أجل شد العصب بين جمهور كل حزب، وهذا ما يشهده لبنان حاليا ليس في كلام نصر الله وحده بل في كلام أغلب القادة السياسيين، وثانيا جاء ليتناغم مع الموقف الإيراني بشأن المملكة.

ويتوافق رأي صلاح الدين مع تقرير سابق يفيد بأن إيران هي المقصودة بالتصعيد السعودي والخليجي تجاه لبنان خاصة الموقف السعودي الذي تحول من التحالف إلى العداء والمخاصمة بسبب تنامي دور حزب الله الذي يعمل لحساب طهران ضد الرياض والمحيط العربي للبنان .

وأشار التقرير إلى صعوبة توصل السعودية وإيران إلى سلام حقيقي؛ فالخلافات بين البلدين ممتدة في المحيط الإقليمي والعمق الإستراتيجي لكلا البلدين في سوريا ولبنان واليمن، خاصة الأخيرة التي تنطلق منها هجمات تهدد المملكة وبمشاركة عناصر من حزب الله.