تمثل إقامة دعوى قضائية ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمام محاكم أجنبية تطوراً ونقلة نوعية في مسار ملاحقته وتوجهاته في استهداف المعارضين السعوديين، بحسب منظمات حقوقية دولية.

وتتلاحق الشبهات حول “بن سلمان”؛ كان آخرها محاولة اغتيال الضابط السعودي سعد الجبري، الأمر الذي دفع المحكمة الفيدرالية في واشنطن لأن تصدر أمر استدعاء للأمير الشاب، إضافة إلى عدد من الأفراد المرتبطين به والمنتمين جميعاً لفرقة الاغتيال.

وبصرف النظر عن مآلات الدعوى القضائية المرفوعة ضد ولي العهد السعودي، والذي يُنظر إليه بأنه الحاكم الفعلي للمملكة، وما إذا كان سيمثل أمام المحكمة بناءً على أمر الاستدعاء الموجه إليه أم لا (مستبعد إلى حد كبير)، فإن ما حدث يعد نقلة نوعية في مسار ملاحقة ولي العهد السعودي أمام محاكم العالم، ويمكن أن يؤثر على اسمه في الفترة القادمة.

 

استدعاء جديد

في الـ29 من أكتوبر 2020، كشفت شبكة “CNN” الأمريكية أن محكمة واشنطن أرسلت مذكرات استدعاء إلى ولي العهد السعودي عبر تطبيق “واتساب”.

وأظهرت وثيقة لمحكمة واشنطن أنها أرسلت مذكرة ورسائل استدعاء للأمير محمد بن سلمان عبر “واتساب” باللغتين العربية والإنجليزية، في 22 سبتمبر الماضي.

كما تضمنت وثائق المحكمة صورة للرسائل المرسلة عبر “واتساب” تُظهر وصولها والاطلاع عليها من قبل المرسل إليه، وأرسلت المذكرة تحديداً الساعة الرابعة و5 دقائق عصراً بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة، (11:05 مساءً بتوقيت السعودية)، وشاهدها المرسل إليه بعد وصولها بنحو 20 دقيقة.

ووجهت المحكمة مذكرات استدعاء أيضاً إلى مؤسسة “مسك” الخيرية، و9 أشخاص سعوديين مدعى عليهم، بينهم بدير العساكر مدير المكتب الخاص لولي العهد السعودي، وسعود القحطاني المستشار السابق بالديوان الملكي، وأحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية سابقاً، عبر تطبيقي “واتساب” و”سيغنال”.

 

استدعاء سابق

ولم يكن هذا هو الاستدعاء الأول؛ ففي 10 أغسطس 2020، أصدرت محكمة العاصمة الأمريكية واشنطن أمراً قضائياً باستدعاء بن سلمان و13 شخصاً آخرين؛ وذلك في إطار القضية المرفوعة من قبل الضابط السابق في جهاز الأمن السعودي، سعد الجبري.

ويلاحق سعد الجبري وليَّ العهد السعودي في المحاكم الأمريكية بعدد من التهم؛ منها محاولة اغتياله على طريقة جمال خاشقجي، الصحفي السعودي الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية، في أكتوبر 2018.

واستندت الدعوى القضائية المرفوعة ضد الأمير السعودي الشاب في المحاكم الأمريكية إلى علم مسؤولين أمريكيين كبار بتفاصيل محاولة اغتيال الجبري من قبل “بن سلمان”، وتطالب بإقرار تعويضات من الأخير ومقربين منه؛ لتدبيرهم محاولة قتل الجبري.

وتسعى السلطات السعودية منذ مدة لاستدراج ضابط الاستخبارات السابق إلى الرياض، وتخشى على الملفات التي يحملها معه للمهام التي قام بها في الجهاز وقربه من ولي العهد ووزير الداخلية السابق الأمير محمد بن نايف، كما تعتقل السلطات نجلي الجبري عمر وسارة، منذ أشهر.

 

تطور خطير

يعتبر الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عادل المسني، استدعاء بن سلمان للمحاكمة الأمريكية “تطوراً خطيراً في سياق الملاحقات التي يرتفع سقفها بالغرب”.

ويرى “المسني” أن بن سلمان “لن يستطيع إخفاء وتمييع انتهاكاته مهما بذل من مال؛ لأن القانون الدولي له بالمرصاد”.

ويشير في حديثه إلى أن فرص إفلات بن سلمان من القضاء الأمريكي “تتوقف على عدة أمور؛ أهمها فوز ترامب”، موضحاً بقوله: “إذا سارت الانتخابات بشكل معاكس لرغبات السعودية فإن شتاءً بارداً ينتظر بن سلمان”.

ويوضح ذلك بقوله أيضاً: “قضية خاشقجي تعد من أبرز التهم التي تورط بها شخصياً، غير أن ترامب تصدى للقانون وأوقف تداعيات القضية”.

ويعتقد المحلل السياسي أن بن سلمان “سيتابع الانتخابات الأمريكية بقلق بالغ؛ لأنه إذا سقط ترامب سقط معه محمد بن سلمان لكونه غير شرعي، والأخطر يكمن في تعاظم المعارضة في البيت السعودي مع استمرار الفشل في إدارة علاقات المملكة الداخلية والإقليمية والدولية”.

وعن تداعيات القضية ومآلاتها يقول المسني: “إن استدعاء المحكمة لبن سلمان يقرأ في سياق رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التخفف من عبء المسؤولية في التستر عن الجاني والدفاع عنه”.

وأضاف: “في النهاية يضع الاستدعاء بن سلمان في خانة الاتهام ويشكك من نزاهتة وفرص انتقال السلطة إليه، وهو مؤشر سيكون فعالاً إذا سقط ترامب”.

 

هل يتدخل ترامب وبايدن؟

ولا يخفى على أحد دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، لا سيما ولي العهد، خاصة وقوفه إلى جانب الأخير في قضية اغتيال خاشقجي في قنصلية السعودية بإسطنبول.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين سعوديين قولهما إن مساعدي محمد بن سلمان يسرعون حملة على “تويتر” ضد بن نايف والجبري قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر؛ تحسباً لفقدان الرئيس دونالد ترامب منصبه، وهو الذي أعرب علناً عن دعمه لبن سلمان.

ولفتت الوكالة النظر إلى أن خصم ترامب، المرشح الديمقراطي جو بايدن، اتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه ولي العهد السعودي، ووعد بجعله “يدفع ثمن” مقتل خاشقجي، كما تعهد أيضاً بإنهاء مبيعات الأسلحة للسعودية.

وبالنظر إلى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، 3 نوفمبر 2020، فإن حظوظ المرشحين ترامب وبايدن -وفقاً لمراقبين- لن تتأثر كثيراً على خلفية دعوى سعد الجبري؛ وذلك لكون موعد الانتخابات يعتبر قريباً جداً إذا ما قورن بقضايا المحاكم التي تأخذ وقتاً طويلاً.

لكن في حال كشف عن تفاصيل ومعلومات أكثر أهمية، أو نالت قضية الجبري اهتماماً نيابياً وشعبياً أكبر داخل أمريكا، فقد يكون لبايدن نصيب أكبر في نيل الرئاسة، وهو ما سيجعل بن سلمان في موقف حرج؛ إذ من غير المستبعد أن يدعم بايدن الجبري، بحسب مراقبين.