نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تقريرا، سلطت فيه الضوء على سياسة المملكة العربية السعودية بالمنطقة والتي وصفتها “بالمتغطرسة”، مشيرة إلى أنها لا تعترف بأنها فشلت على جيع المستويات ولم تستطع النجاح في حل  المشكلات الداخلية أو الإقليمية.

وتساءلت سانام فاكل الباحثة في شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بداية تقريرها بالمجلة الأمريكية، عما إذا كانت المملكة العربية السعودية قادرة على تجاوز 5 سنوات من الغطرسة؟

 

مخاطرة كبيرة

وقالت الباحثة: إنه في الأول من ديسمبر/كانون الثاني، تولت المملكة العربية السعودية رسميا رئاسة مجموعة العشرين، التي عادة ما تكون مهمة قيادة المنتدى الاقتصادي الرفيع المستوى، الذي يتناوب سنويا بين الدول الأعضاء، مسألة أكثر من كونها مسألة جوهرية، لكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية – العضو العربي الوحيد في المجموعة – فإن المخاطر كبيرة.

وأشارت إلى أن الرياض تتولى زمام الأمور في وقت يشوبه الكثير من عدم اليقين، محاولة تحسين صورتها المحلية والدولية في أعقاب سلسلة من الأزمات المحلية والدولية، من التدخل العسكري المدمر في اليمن إلى حملة الضغط المتوقفة ضد قطر وحتى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، ونتيجة لذلك عانت سمعة وشرعية القائد الفعلي للسعودية، ولي العهد محمد بن سلمان، نتيجة لذلك تباطأ الاستثمار الأجنبي، الذي يحتاجه السعوديون لإصلاح اقتصادهم المعتمد على النفط.

وأضافت الباحثة: في الوقت الحالي تتلهف السعودية إلى إصلاح صورتها في العالم، وفي هذا المضمار  تحاول الحكومة السعودية تصحيح مسارها بحلول نوفمبر/ تشرين الأول من العام المقبل، حين يجتمع فيه زعماء العالم في الرياض لحضور قمة العشرين السنوية، وتبدو علامات التحول المقبل واضحة بالفعل.

وتابعت: فلأول مرة منذ سنوات، تبدو الرياض منفتحة على إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية في اليمن والمصالحة مع قطر، وهما الخطوتان اللتان ستعيدان تشكيل المشهد السياسي للخليج بشكل كبير والتي بدت غير واردة حتى وقت قريب ، يلزم الكثير من الوقت لإيجاد تسويات دائمة للصراعين على الجبهتين اليمنية و القطرية وتتطلب وقتا والتزاما طويل الأمد لكن تحركات الرياض التصالحية تبشر بالخير بالنسبة للمنطقة.

ولفتت إلى أن “السنة المقبلة تعد مهمة بشكل خاص لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان رجل السعودية القوي منذ صعود والده إلى العرش في يناير/كانون الثاني 2015 وتعيينه رسميا ولي العهد في يونيو/حزيران 2017، ومن حينها قام ابن سلمان، على خلاف قادة السعودية السابقين، بتعزيز سلطاته داخليا وخارجيا، في الوقت الذي همّش خصومه المحتملين في العائلة المالكة، واستبدل تدريجيا ولكن في كثير من الأحيان بشكل غير مباشر، مجموعة أكبر من الوزراء والفنيين التكنوقراط الذين خدموا لفترة طويلة بالكوادر الشابة الموالية له”.

 

تحركات قمعية

ونوهت الكاتبة إلى أنه في أواخر عام 2017، أمر باحتجاز العديد من رجال الأعمال البارزين في البلاد – في فندق ريتز كارلتون في الرياض – في تحرك أرسل موجات من الصدمات عبر مجتمع الأعمال السعودي، كما ركز على سلطة صنع القرار في لجنتين ركزت على المسائل السياسية والاقتصادية وشرع في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية”.

من بين أمور أخرى، تضيف الباحثة، استخدم ابن سلمان  سلطته الجديدة لمتابعة خطة طموحة لفصل البلاد عن اعتمادها على البترول والحد من البطالة، يهدف هذا المشروع، المعروف باسم “رؤية 2030″، إلى تشجيع قطاع خاص أكثر حيوية يتمحور حول السياحة والوظائف عالية المهارات، أدى البيع الأخير لحصة تبلغ نسبتها 1.5 في المائة في شركة النفط الحكومية أرامكو إلى مستثمرين من القطاع الخاص – وهو الأول في تاريخ البلاد – إلى وضع هذه الخطة موضع التنفيذ من خلال تحويل الأموال إلى صندوق الاستثمار العام بالمملكة، والذي سيستخدم الأموال لتعزيز الاقتصاد المحلي.

وبحسب قولها: فإن ابن سلمان ينطلق في حلمة من تصوير  نفسه على أنه بطل للشباب في بلد تقل فيه غالبية المواطنين عن 30 عاما، وقد منحت سلسلة من سياسات التحرير الاجتماعي التي طال انتظارها، فعلي سبيل المثال: منح المرأة الحق في قيادة السيارات والسفر والعمل دون موافقة ولي الأمر، كما سمح للصناعات الترفيهية المحلية بالظهور في الرياض وجدة، حيث باتت الحفلات الموسيقية والفعاليات الرياضية وحدائق الترفيه شائعة”.

وأردفت: “كانت النتيجة تحولا اجتماعيا يمكن رؤيته وشعوره بسهولة في المراكز الحضرية في جميع أنحاء المملكة، وحينما واجهت التغييرات معارضة قليلة من رجال الدين الأقوياء والمحافظين المعروفين، تم تقليص نفوذهم من خلال العديد من عمليات الاعتقال البارزة ومرسوم قانوني يحد من قوة السياسة الدينية في البلاد”.

ورأت الكاتبة أنه يتوجب على الباحثين والمراقبين للشأن السعودي موازنة هذه التطورات الإيجابية مع عدد من التحركات القمعية المثيرة للجدل والصريحة من جانب ابن سلمان، فقامت الدولة تحت سيطرته باعتقال النقاد ونشطاء حقوق الإنسان، قبل أن ترفع الرياض حظر قيادة النساء في مايو 2018، احتجزت العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة، بما في ذلك لجين الهذلول، وعزيزة اليوسف، وإيمان النفجان، وهتون الفاسي. (اتهم المدعون السعوديون فيما بعد النساء بتهديد الأمن القومي بالتآمر مع دولة معادية، يُفترض على نطاق واسع أنها قطر.

وأشارت إلى أنه عندما طالبت كندا بالإفراج عنهم، خفضت المملكة من علاقاتها الدبلوماسية مع أوتاوا، وإذا لم يكن هذا دليلا كافيا على أن الرياض لم يغير من أساليبه الاستبدادية ، قام عملاء المخابرات السعودية بقتل خاشقجي وتقطيعه في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

 

سلسلة أخطاء

وبيّنت أن سلسلة من أخطاء السياسة الخارجية الأخيرة، أدت إلى الإضرار بالمكانة الدولية للمملكة، فلم يؤد  الاعتقال المحرج والاستقالة القسرية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في رحلة إلى المملكة العربية السعودية في أواخر عام 2017 إلى نتائج عكسية فقط، (وقفت النخبة اللبنانية العامة والسياسية إلى جانب الحريري الذي أعيد على الفور إلى وطنه)؛ كما كشفت عن حدود محاولات المملكة الشاقة لتشكيل السياسة الداخلية في بلاد الشام.

كما أثارت الكارثة الإنسانية الناجمة عن التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن إدانة عالمية، وكذلك الحصار المستمر منذ عامين على قطر بقيادة السعودية جنبا إلى جنب مع الإمارات العربية المتحدة، كانت انتقادات الكونجرس الأمريكي، على وجه الخصوص، حادة بشكل غير عادي، حيث شكك العديد من المشرعين الأمريكيين في سياسات وقيادة ابن سلمان، بحسب الكاتبة.

وأكدت الكاتبة أن “الضرر الذي أصاب سمعة المملكة العربية السعودية بوجه عام، ورجلها القوي، محمد بن سلمان، خلّف آثارا اقتصادية مباشرة وغير مباشرة على الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه المملكة بشده لتحسين معدلات الاقتصاد بها، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة من 1.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 3.2 مليار دولار في عام 2018، لكن هذا الرقم أقل بكثير من ذروته في عام 2008 البالغة 3.9 مليار دولار، وفقا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، أسعار النفط المنخفضة، إلى جانب التكلفة الباهظة للحرب في اليمن – ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار إلى 6 مليارات دولار شهريا – تضر أيضا بالمملكة، والهجوم المحرج الذي ترعاه إيران على منشآت النفط السعودية في سبتمبر/أيلول 2019 كشف الضعف في صناعة النفط وبالتالي انخفاض قيمة قائمة أرامكو”.

واستطردت: لتحسين صورتها الدولية المصابة بكثير من العطب، تبدو السعودية حريصة على تجنب المزيد من الأخطاء، خاصة في القضايا الاقليمية والدولية، ففي اليمن، بدأت المملكة في البحث عن مخرج، بعد أن أدركت أن تدخلها، الذي كان يهدف في الأصل إلى احتواء الحوثيين الذين ترعاهم إيران، إلا أن تدخلها غير المدروس قد عزز اعتماد المتمردين على طهران، في نوفمبر/تشرين الثاني، ساعد السعوديون في التوصل إلى اتفاق لوقف الاقتتال بين الفصائل المتناحرة المناهضة للحوثيين – وهو نقطة انطلاق محتملة لاتفاقية سلام أوسع لإنهاء الصراع.

وتابعت الكاتبة: “تجري الرياض أيضا محادثات مباشرة مع الحوثيين، وفي نوفمبر/تشرين الثاني سافر شقيق ولي العهد، محمد بن سلمان،  خالد بن سلمان إلى عُمان، التي عملت منذ فترة طويلة كممثل للقناة الخلفية للحوثيين، كل هذا يشير إلى أن الرياض جادة في إيجاد مخرج للنزاع، شريطة أن تنهي اعتماد الحوثيين على إيران وقطر، الذين يزعم السعوديون أنهم زرعوا المتمردين كقوة بالوكالة”.

 

فشل متواصل

وعلى الجانب الآخر من إحدى أقوى أزمات السعودية، ترى الكاتبة، أن ذوبان الجليد مع قطر لم يعد غير وارد، ففي يوليو/تموز 2017، قطعت السعودية، إلى جانب البحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة واليمن، وأصرت على أنها قطعت دعمها للجماعات الإرهابية، وقطعت علاقاتها مع إيران، وأغلقت قناة الجزيرة الإعلامية، من بين المطالب الأخرى، ومع ذلك  أثبت الحصار أنه فشل آخر في السياسة الخارجية ، بعد عامين ونصف، يبدو أن قطر نجت من الأزمة ولم تقدم أي تنازلات بعد.

وزادت تقول: في الوقت نفسه، أدى الخلاف إلى كسر مجلس التعاون الخليجي، وهو المنظمة السياسية والاقتصادية لدول الخليج العربية التي تم إنشاؤها عام 1981 كحصن ضد إيران، أيضا، تصدر الرياض أصواتا توفيقية مؤخرا، والنتيجة، على المدى المتوسط، هي اتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، على غرار ما اتفق عليه المجلس في عام 2014 وسط نزاع مماثل بين قطر وجيرانها.

ورأت الباحثة أن محاولات السعودية لإصلاح أخطاء الماضي على الصعيد الإقليمي تبدو جيدة ولكنها تتطلب جهودا مضنية لإثبات نجاحها على الصعيدين القطري و اليمني، فلا يمكن لاتفاق واحد بشكل سريع أن ينهي أزمات المنطقة، ففي اليمن، بعد إنهاء الحرب، من المحتمل أن تحتاج المملكة إلى الحفاظ على السلام بين الجماعات السياسية والقبلية التي لا تعد ولا تحصى والاستثمار بكثافة في جهود إعادة الإعمار من أجل الحد من تجنيد وتعبئة قوة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم الدولة، التي اكتسبت بالفعل موطئ قدم في البلاد، وبالمثل، فإن تدابير الوقت وبناء الثقة هي وحدها التي ستعيد بناء الثقة بين قطر والسعودية والإمارات.

على صعيد الجبهة الداخلية، تشير الكاتبة إلى أنه لا يوجد هناك ما يبرر التفاؤل،  حيث أظهرت موجة الاعتقالات الأخيرة للصحفيين والمثقفين، إن قمع الرياض للمعارضة الداخلية مستمر بلا هوادة، إلا أن رؤية ولي العهد ابن سلمان للمستقبل تحت مسمى رؤية 2030 – الركن الأساسي لقيادته – قد تجلب المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ، إلا أن التحرر السياسي وفتح الأفق لرؤي سياسية واجتماعية مختلفة عن رؤي حكام المملكة لا تبدو واضحة في الأفق القريب أو البعيد.

واختتمت الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية بقولها: ومع ذلك، توفر رئاسة مجموعة العشرين لولي العهد ابن سلمان  فرصة لإعادة ضبط الحساب بعيدا عن قرارات السياسة المتهورة في السنوات الماضية، من خلال استخدام مجموعة العشرين كمنتدى لمناقشة التغير المناخي وبطالة الشباب، وهما قضيتان حيويتان في الشرق الأوسط، قد تتمكن المملكة من إعادة تسمية نفسها بما يكفي لتحسين صورتها الدولية، وقد تؤدي السياسة الخارجية الأكثر حكمة إلى استعادة ثقة المستثمرين، وجلب القليل من الاستقرار إلى المنطقة.