إلى أي مدى يمكن لمجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن أن يثمل مصدة سعودية لما تعتبرها تهديدات استراتيجية تحدق بها؟ تصدر هذا السؤال اهتمامات المراقبين منذ 6 يناير/كانون الثاني الجاري، وهو التاريخ الذي قام فيه وزراء خارجية دول المجلس الجديد بالتوقيع على ميثاقه التأسيسي في الرياض.

ويعود الإعلان عن تأسيس الكيان الجديد إلى 11 ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما أعلنت الرياض للمرة الأولى عن المجلس مع هدف رئيسي هو “الحد من نفوذ القوى الخارجية في محيط الممر الملاحي”، وفق ما ذكرت وسائل إعلام سعودية آنذاك.

وتوج اجتماع 6 يناير/ كانون الثاني، الذي حضره وزراء خارجية الدول العربية السبع المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وهي: مصر والسعودية والسودان واليمن والصومال وجيبوتي والأردن، بالإعلان عن تأسيس “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، والتأكيد على أن “المجلس” سيُساهم في منع أي قوة خارجية من أن تلعب دورًا سلبيًا في هذه المنطقة التي تتمتع بحساسية استراتيجية خاصة باعتبار أن البحر الأحمر هو “المعبر الرئيسي إلى دول شرق آسيا وأوروبا”.

 

أهمية استراتيجية

وترتكز أهمية هذا الكيان على الاقتصاد والجغرافيا بالأساس، إذ يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية السبع المشاركة تريليون ومائة مليار دولار؛ في حين يتوقع البنك الدولي أن يتجاوز هذا الناتج 6 تريليونات دولار بحلول عام 2050.

كما أن دول الكيان الجديد تمتلك مجتمعة مخزونات نفطية ضخمة، حيث يوجد نحو 70% من احتياطي الخام العالمي في منطقة الخليج العربي، وهو ما يزيد من أهمية البحر الأحمر، كونه الطريق المختصر للوصول إلى هذا المخزون.

ويمثل البحر الأحمر وخليج عدن أيضا شريانا رئيسيا للتجارة الدولية، ليس لأن النسبة الأكبر من صادرات النفط العربي في الخليج تمر عبره فحسب، وإنما لكون حركة التجارة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وكذلك أمريكا، تمر من خلاله أيضًا، بما له من سواحل طويلة وما يمتلكه موانئ مهمة تسهم في حركة التجارة، مثل ميناء جدة وينبع والعقبة والسويس وبورسودان والحديدة وغيرها.

وتتبدى تلك الأهمية الاستراتيجية بوضوح عبر ما يمر بالممر من بضائع وسلع تصل قيمتها إلى نحو 2.5 تريليون دولار سنويًا، بما يعادل نحو 13% من التجارة العالمية.

 

خطر أمني

لكن منطقة الممر تواجه مخاطر أمنية واضحة، بدءًا من ظاهرة القرصنة التي بدأت قبل نحو عقد من الزمان، مرورا بخطرر الجماعات الإرهابية المسلحة، وصولًا إلى التهديدات الإيرانية المحتملة للملاحة الدولية، خاصة في ظل استمرار حرب اليمن وتصاعد التوتر بين طهران وواشنطن مؤخرا بعد اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني”.

وتنوعت الأساليب الإيرانية في استهداف أمن البحر الأحمر وخليج عدن، حيث سبق للمليشيات الحوثية الموالية لإيران في اليمن أن استهدفت بعض السفن التجارية في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب، وهو المضيق الاستراتيجي الأهم في العالم. وبخلاف ذلك، هددن إيران نفسها بإغلاق مضيق هرمز، بهدف الإضرار بتجارة تصدير النفط الخليجي ردا على منعها من تصدير نفطها بموجب العقوبات الأمريكية.

وفي هذا الإطار، جاء إعلان رئيس الأركان الإيراني “حبيب الله سياري”، في أغسطس/آب 2019، عن إرسال طهران مدمرة وسفينة دعم تحمل مروحيات إلى خليج عدن، بدعوى “توفير الأمن لسفن إيران التجارية في المياه الدولية”.

كما يمكن قراءة افتتاح مصر لقاعدة برنيس العسكرية على البحر الأحمر، جنوب شرقي البلاد، في السياق ذاته أيضا، لا سيما بعد طرح مصر مناقصات للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة، بحسب الباحث في السياسات الدفاعية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية “محمد حسن”.

وفي السياق ذاته، تشير تغطيات إعلامية إلى عزم الإمارات تأسيس قاعدة عسكرية في إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، بجانب رغبة السعودية إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي.

 

وعلى التوازي، أسست تركيا في 2017 قاعدة عسكرية كبيرة في العاصمة مقديشيو لتدريب الجنود الصوماليين، تصل قيمتها إلى 50 مليون دولار، وتم تدريب 1500 جندي صومالي فيها لقتال حركة الشباب المناهضة للحكومة.

 

لعبة النفوذ

ويرى المحلل العسكري “ليفنت أوزغول”، أن الأخطار الأمنية المحيطة بالملاحة كانت هي التي لتأسيس القاعدة العسكرية بالصومال.

في هذا السياق، يمثل مجلس “مجلس البحر الأحمر” الجديد تحديا واضحا لقدرة تركيا على الحفاظ على قواعدها الخارجية وأنشطتها في القرت الأفريقي، حيث يمكن أن تقيد دول البحر إمكانات وصول تركيا إلى المنطقة، وفقا لما نقلته صحيفة أحوال التركية.

يأتي ذلك في وقت تعرض فيه نفوذ أنقرة بالمنطقة لانتكاسة بعد الإطاحة بحكم الرئيس السوداني “عمر البشير” وفقدانها فرصة إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن المطلة على البحر الأحمر، حسبما يرى “مصطفى غوربوز”، الزميل غير المقيم في المركز العربي للدراسات السياسية بواشنطن.

من هنا، يمكن اعتبار مجلس البحر الأحمر الجديد آخر الخطوات في سلسلة الجهود السعودية الإماراتية لاحتواء النفوذ التركي في البحر الأحمر.

 

بديل إسرائيلي

لكن المشكلة التي تواجه تكتل المجلس الجديد تكمن في أنه لا ينوي تشكيل قوة عسكرية خاصة به، حسبما صرح وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان”، مشيرًا إلى أن “جميع الدول لديها قدرات دفاعية وتنسيق ثنائي، ويمكن أن يتطور ذلك إلى تنسيق جماعي”.

وبالنظر وتيرة التطبيع السعودي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن استبعاد وجود دور لتل أبيب في عملية تأمين البحر الأحمر، وهو ما ذكره مركز أبحاث ميتفيم الصهيوني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط.

وأضاف المركز في بحث أعده العام الماضي (2019) تحت عنوان: “صراع القوى في البحر الأحمر والمصالح الإسرائيلية في حوضه”، أن تطورات أحداث اليمن واستمرار الحرب فيه تؤشر إلى “احتمال وجود مشاركة للجيش الإسرائيلي في تأمين البحر الأحمر إلى جانب السعودية”.

ويعد البحر الأحمر منطقة استراتيجية للاحتلال الإسرائيلي، خاصة مع تواجد إيران حوله، ومحاولتها التحكم في حركة السفن التجارية المتوجهة إلى شرق آسيا ودول إفريقيا.

 

منافسة اقتصادية

هناك أبعاد اقتصادية لمجلس البحر الأحمر الجديد أيضا. ففي ظل اعتماد الاقتصاد السعودي بالأساس على تصدير النفط عبر مضيق هرمز الذي تهدد إيران بإغلاقه، تحاول السعودية تأمين طريق بديل البحر الأحمر لشحن لمنتجاتها النفطية حال حدوث توترات حول مضيق هرمز، حيث تخشى المملكة أن الحوثيين، حلفاء إيران، قد يسعون لإغلاق مشيق باب المندب بالتزامن مع أي جهد إيراني لإغلاق مضيق هرمز، بهدف فرض حصار بحري كامل على المملكة.

وفي حال وقوع هذا السيناريو، فإن السعودية ستواجه شللا اقتصاديا كاملا، مع عجزها عن تصدير نفطها.

يضاف إلى ذلك تزايد حدة المنافسة الاقتصادية مع تركيا على ساحل البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة بعدما باتت الشركات التركية تدير موانئ مقديشيو الجوية والبحرية، وأصبحت الخطوط الجوية التركية هي الناقل الأهم للرحلات إلى العاصمة الصومالية.

ومن المنتظر أن ترسل تركيا قريبا سفنا للتنقيب عن النفط إلى قاعدتها في مقديشو، بعدما أشارت دراسات حديثة إلى وجود احتياطات نفطية وغازية كبيرة على سواحل الصومال، وفقا لما أورده مركز “جيوبوليتيكال فيوتشرز”، الذي أشار أن الصومال أقر مؤخرا قانونًا جديدًا للبترول من أجل تنظيم عمليات التنقيب وبدأ في السعي لتأمين عقود مع الشركات الأمريكية.

واعتبر المركز الأمريكي هذا الاتجاه بمثابة فرصة لتركيا لمواجهة مصالح المنافسين الإقليميين في القرن الأفريقي وتأمين مصادر بديلة للنفط والغاز.

في السياق ذاته، يقرأ الخبير في الشؤون الأفريقية “رمضان قرني” التحركات التركية في القرن الأفريقي باعتبارها ردا على تأسيس كيان مجلس “الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” الجديد، وفقا لما نقله موقع قناة الحرة الأمريكية.

ويؤكد الباحث في العلوم السياسية “أحمد الباز” أنه “لا يمكن تفسير التحركات التركية في الصومال دون النظر إلى الشق الاقتصادي، حيث دشنت تركيا العديد من الشراكات الاقتصادية في القارة، وهو ما يوفر لها فرصا للتمدد السياسي”.

ويشير “زاك فيرتين”، الزميل الزائر بمركز بروكنغز في الدوحة، إلى أن وجود تركيا في القرن الأفريقي يأتي ضمن سياسة “الانفتاح على أفريقيا” التي اعتمدتها أنقرة عام 2005.

وتعتمد هذه السياسة التركية على تعزيز الحضور الدبلوماسي والتجاري التركي في أرجاء القارة السمراء، من خلال فتح عشرات السفارات وزيادة رحلات الخطوط الجوية التركية وعقد مؤتمرات قمة تركية أفريقية.

 

جدوى المجلس

لكن ثمة شكوك تحوم حول مدى نجاعة تأسيس مجلس الدولة المطلة على البحر الأحمر استنادا إلى تاريخ طويل لفشل الكيانات التي قادتها السعودية.

فعلى مدى السنوات الأخيرة أسست المملكة عدة تحالفات وكيانات، لكنها لم تستمر كثيرًا، ومنها تحالف عاصفة الحزم، الذي أُسس في مارس/آذار 2015 بهدف شن الحرب في اليمن، وتآكل ذاتيًا حتى اقتصر على السعودية والإمارات، قبل أن تعلن الأخيرة سحب قواتها، لتصبح السعودية وحيدة هناك، وكذلك “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب”، الذي أعلنت الرياض في أواخر 2015، بمشاركة 41 دولة، إلا أنه لم يتم تفعيله حتى الآن.

في هذا السياق، يشير الباحث السياسي “أحمد عسكر” إلى أن النطاق الجيوسياسي للبحر الأحمر يتجاوز النطاق الجغرافي الضيق لتكتل الدول المحيطة به، حيث تشمل منطقة البحر الأحمر فاعلين إقليميين وعالميين يرتبطون بمصالح سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية في المنطقة، وهو ما يمكن أن يُمثّل عقبة أما المجلس الجديد، وفقا لما أورده موقع مجلة قراءات إفريقية.

فبعض دول المطلة على البحر الأحمر لديها تحلفات ومصالح والتزامات خارج إطار دول المجلس، قد تراها أكثر أهمية وفق تقديرها الاستراتيجي، ومنها جيبوتي التي ترتبط بمصالح وطيدة مع الصين .

ويعكس قرار الصين ببناء أول قاعدة بحرية خارجية لها في جيبوتي اهتمامها الاستراتيجي بالمنطقة، ويشير إلى أنها تشارك الولايات المتحدة وأوروبا النظر إلى مسألة حرية الملاحة باعتبارها أولوية استراتيجية، حسبما يرى الباحث بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة “حمدي عبدالرحمن”.

كما أن أحد الأسابب التي دفعت مصر لبناء قاعدة “برنيس” هو رغبتها في إرضاء الصين التي ضخت عشرات مليارات الدولارات في استثمارات خلال السنوات الماضية، وتخشى على أمن الملاحة في البحر الأحمر الذي يعد أحد الطرق الرئيسية في خطة “الحزام والطريق” التي تتبناها بكين، حسبما يرى محلل الشؤون العربية في القناة 12 العبرية “إيهود يعاري”.

كما أن بعض الدول المشاركة في المجلس قد لا تعتمد سياسة الاصطفاف ضد تركيا أو إيران، لاسيما السودان، التي ترغب حكومته الجديدة في تجنب سياسة المحاور والاستفادة من جميع الفاعلين الإقليميين.

ولذا يؤكد الخبير في شؤون القرن الافريقي “عبد الوهاب الطيب” أن أي تجمع لدول البحر الأحمر يسعى للدخول في مواجهة مع إيران أو تركيا أو الصين سيواجه تحديا كبيرا من قبل أعضائه أنفسهم، ما يعني أن مجلس البحر الأحمر وخليج عدن سيتحول إلى تحالف حزم جديد إذا طرح نفسه بهذه الصيغة.