هالة الدوسري – واشنطن بوست عربي
قبل كتابة هذا المقال، أَعَدتُ قراءة كافة أعمال جمال خاشقجي المنشورة في قسم الآراء العالمية. كان يركّز في الغالب على الإصلاحات والسياسة التشاركية وسوء استخدام السلطة المنتشر في السعودية. لكن في صميمها، كانت مقالاته دعوة يائسة لاستعادة الاحترام تجاه المواطنين السعوديين.
لم يكتب سوى 20 مقالا. نعرف جميعًا كيف تمّت معاقبته وتشويه سمعته لاحقًا عندما وُصِف بالخائن.
توقع الناس في السعودية أن ينتهي اضطهاد نشطاء المجتمع المدني بعد أن اعترفت الدولة بجريمة قتله الوحشية. بدلًا من ذلك، ضاعَف النظام رهانه من خلال الاستمرار في محاكمة مجموعة من الناشطات المتّهمات بتقويض أمن السعودية. يوم الأربعاء، بدأت محاكمتهم الزائفة – بعد مضي قرابة العام على اعتقالهم.
هؤلاء النساء تعرّضن للتعذيب المريع والتحرش الجنسي، ولكن في إحدى البيانات ادّعت الحكومة أنّ المتّهمات يتمتعن بحقوقهن الكاملة. في الوقت نفسه، فإنّ حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بالدولة كانت قد أدانت الناشطات بالفعل وتطالب بتطبيق أقصى العقوبات. نشر عضو متحمس من العائلة الحاكمة استطلاعًا من أجل قياس التأييد لعقوبة الإعدام. مثل هذا الاستهتار يستحق الشجب.
ففي غضون هذا السياق، قررت السعودية تعيين أول سفيرة لها في الولايات المتحدة، الأميرة ريما بنت بندر. إنّها فرصة أخرى لدفع خطاب يبرر استمرار الأخطاء في خضم عملية التدقيق والضغط التي يخوضها الكونغرس الأميركي. سيقع الكثيرين ضحايا لخطاب التبرير، كما كان الأمر حينما تولى ولي العهد محمد بن سلمان السلطة في البداية.
لكن في وعينا الجماعي كأمة، كانت هؤلاء الناشطات اللائي يواجهن المحاكمة حاليًا والرجال الذين يدعمونهم أساسيين في التأثير على الإصلاحات.
لا يمكننا أبدًا مناقشة معوقات نظام الوصاية الذكورية من دون الإشارة إلى عزيزة اليوسف، أستاذة جامعية متقاعدة، وتقديمها عريضة مكونة من 15 ألف توقيع إلى الديوان الملكي. لم يكن من الممكن رفع الحظر المفروض على القيادة لولا قيادة لجين الهذلول من الإمارات العربية المتحدة إلى الحدود السعودية، مطالبةً باستخدام رخصة قيادة سارية المفعول من مجلس التعاون الخليجي على الأراضي السعودية مثل أقرانها من المواطنين الذكور.
قدرة النساء على تحريك مجتمعاتهن تشهد على قيادة إيمان النفجان، وهي مدوِّنة وأستاذة في اللغويات، في الترويج لحملة قيادة السيارة في 26 أكتوبر/تشرين الأول . إمكانية بناء قدرات النساء على المشاركة في الانتخابات البلدية مدينة بشكل كبير لهتون الفاسي، أستاذة معروفة في تاريخ المرأة. نوف عبد العزيز، وهي منتجة تلفزيونية وناشطة في دعم سجناء الرأي، ألقي القبض عليها بسبب أعمال التضامن التي قامت بها.
هؤلاء النساء عملنَ بشكل عضوي لزيادة الدعم المجتمعي وتخفيف القيود الشديدة المفروضة على حرية التعبير والتجمع وحقوق المرأة. جريمتهن الوحيدة هي رغبتهن في تحقيق النفع لبلدهن على الرغم من كافة المخاطر والتهديدات.
هؤلاء النساء الشجاعات حاربنَ ضد العنف والقوانين الجائرة لسنوات، فقط لكي يتم مواجهتهن بالعنف وغياب القانون داخل السجن. على الرغم من أنّ التصعيد المتزايد للسلطة لا يقتصر على الناشطات، إلّا أنّه كان مكثفا في حالتهن. لا تعكس معاملة الناشطات سوى الوحشية والرغبة الانتقامية. إنّها انعكاس لغياب أيّ التزامات قانونية أو أخلاقية للدولة.
لا يمكنني أبدًا قبول حجة الكفاح من أجل الإصلاحات “من الداخل” عندما يتعرض الإصلاحيون للاضطهاد بهذه الشدة. لا أستطيع أن أرى كيف يمكن التغاضي عن الاغتيالات والاحتجاز التعسفي والتعذيب ذي الطبيعة البغيضة من خلال تعيين النساء في مناصب عليا أو إعادة توزيع الامتيازات بين طيّات النخب.
حماية المواطنين شرط أساسي لتحقيق الاستقرار والشرعية السياسية. يسمح احترام حقوقنا وإنسانيتنا بالتداول السلمي للمطالب العامة وتحييد وجهات النظر المتطرفة والحلول المبدعة للتحديات المجتمعية.
إذا كانت السعودية تحترم مواطنيها وتقدّرهم، فعليها إطلاق سراح هؤلاء النساء على الفور. ستكون تلك خطوة مهمة لاستعادة ثقة الجمهور في قيادتها.