لم تأتي الرياح بما تشتيه تطلعات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال عام 2018، بل جلب إلى بلاده انتقادات دولية حادة لم تمر بها المملكة طوال تاريخها، بسبب سياسات وصفت بـ”غير المحسوبة” و”العشوائية”.
أسهم بن سلمان بخسارة المملكة خلال 2018 عدداً من حلفائها، وأصدقائها، وفسخ العديد من الاتفاقات العسكرية، والاقتصادية، والثقافية، والإعلامية، رداً على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، وحرب اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل السعودية.
وخلال هذا العالم، شكل بن سلمان صورة للعالم عن السعودية بأنها “دولة قمعية” تنتهك فيها حقوق الإنسان، ويتم قتل المعارضين فيها بمجرد معارضتهم للحكم، وأوامر قادة المملكة، وزجهم في السجون، وصولاً لمعاقبتهم بأحكام طويلة ومشددة تصل إلى الإعدام، بحسب ما تصف منظمات دولية.
وتصدرت الحرب التي تقودها السعودية في اليمن بالشراكة مع الإمارات، أكثر القضايا التي تركت ردوداً سلبية على المملكة في العالم، وضربت دبلوماسيتها في مقتل، بسبب قتل الآلاف من المدنيين اليمنيين، وتسببها بمجاعة.
وعمل الإعلام السعودي طيلة العام، بمختلف أدواته، المرئية، والمكتوبة، والإعلام الاجتماعي من خلال ما يعرف بـ”الذباب الإلكتروني”، على تجاوز الاخفاقات الكبيرة لبن سلمان، وتجنب الحديث عنها، والعمل على تصدير انجازات شكلية لولي العهد، وتصويره بأنه “البطل” الذي سيقود المملكة إلى بر الازدهار.
وحاول الإعلام الموجه للسعودية على إلصاق وصف “البطل” لبن سلمان، خلال 2018، ولكن المعطيات على الأرض، تعكس ذلك من حيث الخسائر العديدة لبلاده وخاصةً الاقتصادية منه، فكان “بطلاً من ورق” كما يصفه مراقبون.
اغتيال خاشقجي
في 2 أكتوبر الماضي، استيقظ العالم على جريمة بشعة، تمثلت في مقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وتقطيع جثته، وعدم العثور عليها حتى كتابة هذه السطور.
سريعاً كشفت خيوط الجريمة رغم محاولات ولي العهد والجهات الرسمية السعودية نفيها، ولكن كشف أنها ارتكبتها، ونفذت من خلال فريق اغتيال رسمي وتوجيهات من قبل شخصيات بالديوان الملكي، ومسؤولين مقربين من بن سلمان.
مرت السعودية بعد مقتل خاشقجي، بضغط دولي كبير، وسط اتهامات مباشرة لبن سلمان بالمسؤولية عن القتل، من خلال إعطاء الأوامر إلى فريق الاغتيال، ولكنه قدم عدداً من المقربين منه كـ”أكباش فداء”.
وتوصلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلى أن قتل خاشقجي كان بأمر مباشر بن سلمان، وهو ما دفع بمجلس الشيوخ الأمريكي، للتصديق بالإجماع على قرار يحمله مسؤولية القتل.
ساهمت تلك الجريمة، بعواقب عملية على السعودية، إذ أعلنت الحكومة الألمانية، في نوفمبر الماضي، إلى جانب الدنمارك وفنلندا والنرويج توقفهم بالكامل عن توريد الأسلحة إلى السعودية، وذلك احتجاجاً على مقتل خاشقجي، كما فرض عقوبات على 18 سعودياً مرتبطين بالقضية.
كذلك، أكد رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، إن حكومته تبحث عن مخرج لإلغاء صفقة سلاح تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مع السعودية، وانضمت هولندا بإلغاء توريد الأسلحة على خلفية حرب اليمن.
حرب اليمن
وفي اليمن، التي تقود السعودية بها حرباً منذ أن كان بن سلمان ولياً لولي العهد في 2015، لم تحقق المملكة بها أي إنجازات عسكرية على الأرض، بل خسرت الكثير من المناطق، وواصل الحوثيين قصف العمق السعودي بعشرات الصواريخ البالستية.
وحصل بن سلمان مؤخراً، على ضربة موجعة من الكونغرس الأمريكي، من خلال تصويته على مشروع قانون ينهي دعم واشنطن للحرب التي تخوضها بلاده في اليمن، بموافقة 56 سناتوراً على مشروع القانون ورفض 41.
ويحد المشروع من صلاحيات الرئيس دونالد ترامب بشأن تقديم الدعم للحرب السعودية في اليمن.
وتعد حرب اليمن إخفاقاً ينظم إلى إخفاقات ولي العهد السعودي، الذي ورط بلاده في هذه الحرب التي كلفتها نحو 200 مليون دولار يومياً، أي 72 مليار دولار سنوياً، و216 مليار دولار في ثلاث سنوات وفق مجلة التايمز البريطانية.
فشل مشاريع “نيوم”
كما وجه بها سلمان، ضربة قوية لاقتصاد بلاده خلال 2018، عبر إقراره بطريقة غير مباشرة خلال اجتماع مع رجال ومستثمرين مؤخراً، بفشل خطته الاقتصادية التي أطلق عليها اسم “رؤية المملكة 2030” ومن ضمنها (مشروع نيوم)،بسبب عزوف الاستثمار عن أبرزها.
ويعد إقرار فشل ذلك المشروع الذي صوره الإعلام السعودي بأنه الأضخم في تاريخ المملكة، وأحد حلولها ليكون بديلاً عن النفط، ضربة للاقتصاد السعودي، كون بن سلمان لم يجد تمويلاً كافياً له، خاصةً مع وصول الدين العام إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار).
ويرجع مراقبون دوليون أن الأسباب وراء فشل السعودية في خطتها الاقتصادية إلى افتقارها لمقوّمات القيادة في عصر ما بعد النفط؛ بسبب اعتمادها على المال السهل والسريع من مبيعات البترول.
كذلك خلصت، دراسة بريطانية حديثة إلى أن “رؤية 2030″، التي أطلقها بن سلمان (أبريل 2016)، محكوم عليها بالفشل، مُرجعة ذلك إلى تداخل اختصاصات الهيئات الحاكمة في السعودية، فضلاً عن مركزية الدولة الشديدة.
واعتبرت الدراسة، التي نشرها مركز “كارنيغي” للدراسات، مؤخراً، وحملت عنوان “إخفاق الحوكمة المناطقية في السعودية”، أن هناك تبايناً بين ما تتطلع الدولة إلى تحقيقه في “رؤية 2030″، والإمكانات والسلطة التي تتمتع بها هيكلية الحوكمة “العاجزة” -مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية- لتنفيذ تلك التطلعات.
ورأت الدراسة أن المسعى الذي يبذله بن سلمان لإضفاء المركزية على جميع آليات صناعة القرارات -وفق ما تُظهره العملية الهرمية من الأعلى إلى الأسفل والتي أنتجت رؤية 2030- “لا يمكن النظر إليه سوى بأنه محاولة لكبح الانتقادات السياسية والاضطرابات الاجتماعية المحتملة”.
وتوصلت الدراسة إلى أن المركزية والتداخل بين سلطات الحوكمة المحلية يعطلان تطبيق المشاريع؛ ما يؤدي إلى تقويض صدقية المؤسسات المحلية والمركزية على السواء.
قمع داخلي
وخلال 2018 أيضاً، سجلت السعودية اعتقال المئات من الدعاة ونشطاء حقوق الإنسان، بتهم “الإرهاب والتحريض، مع محاكمات غير عادلة ولا تخضع للقوانين المتعارف عليها دولياً، فيما توفي بعضهم تحت التعذيب أو بسبب غياب العناية الطبية.
أبرز هذه المحاكمات كانت للداعية السعودي سلمان العودة، حيث عُقدت له محاكمة “سرية”، طالبت فيها النيابة العامة القضاء بـ”قتله تعزيراً”، بعد توجيه 37 تهمة إليه، وفق ما نشرته صحيفة “عكاظ” السعودية.
كذلك، قدمت النيابة العامة السعودية طلب الحكم بإعدام خمسة نشطاء في مجال حقوق الإنسان، كانت قد اعتقلتهم مؤخراً ضمن حملة السلطات القمعية، حسب ما كشفته منظمة “هيومن رايتس ووتش” وجماعات حقوقية أخرى.
كما طالت اعتقالات السلطات خلال هذا العام الخبير الاقتصادي برجس البرجس المستشار السابق في شركة أرامكو النفطية، حسبما وثق حساب “معتقلي الرأي” المختص بحقوق الإنسان في المملكة، إضافة للشيخ سفر الحوالي الذي يعاني أمراضاً تتطلب متابعة طبي.
وتسببت تلك الاعتقالات والانتهاكات ضد حقوق الإنسان في السعودية، بانتقاد دولي حقوقي واسع ضد السعودية، وولي عهدها بن سلمان، وصلت إلى حدوث أزمة دبلوماسية واسعة مع كندا.
وأمام هذه الإخفاقات لولي العهد السعودي، لم يسجل في المقابل إي إنجاز داخلي مؤثر لبلاده كتعويض لهذه السياسات، حيث ارتفع الدين العام السعودي، وارتفعت نسبة البطالة بين الشباب إلى 34% وفق عضو مجلس الشورى فهد بن جمعة، وتراجع التوظيف.
وسجل بن سلمان إنجازات “بذخ” شخصي خلال هذا العام، حيث كُشف أنه اشترى قصر لويس الرابع عشر التاريخي في فرنسا قبل عامين بملبغ 300 مليون دولار، ويختاً ضخماً بمبلغ خيالي، وهو ما أكده عضو مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز الذي صرح بأن “ولي العهد السعودي اشترى في أبريل الماضي يختاً بقيمة نصف مليار.
الخليج أونلاين