شجع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مواطني بلاده على التطبيع مع “إسرائيل” عبر صمته عن زائري “تل أبيب” من السعوديين، والداعين إلى توثيق العلاقات بين الجانبين.

واحتفى المدون السعودي المثير للجدل محمد سعود عبر حسابه بتويتر، باستضافته في منزله بالرياض يهودا وصفهم بأنهم “أصدقاء رائعون وعزيزون”، معربا عن أمله أن يرى المزيد منهم يزورون المملكة، بدعوى التعرف على حضارة وتاريخ السعودية، قائلا: “قلبي ومنزلي مفتوح للجميع أهلا وسهلا بكم!”.

النهج الذي يتبعه المدون السعودي ليس مستغربا، إذ كان ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد يعترف بوجودهم داخل بلاده، ويتجاوز كل ضوابط التعامل مع الكيان الإسرائيلي، ما يثير شهية اليهود لإعادة العيش والاستقرار من جديد داخل الأراضي السعودية.

وقبل شهرين، أفادت وسائل إعلام أمريكية بأن السفارة السعودية في واشنطن هنأت يهود الولايات المتحدة بعيد رأس السنة العبرية الجديدة، وذلك في سابقة كانت الأولى من نوعها.

وتوقع مستشرق إسرائيلي أن يبنى قريبا كنيس يهودي في السعودية، قائلا: إن السعودية تحتاج اليهود لأن لديهم إمكانيات اقتصادية على مستوى منطقة الشرق الأوسط بأسره، ويستطيعون إذا حصلوا على أرض مالحة أن يحولوها إلى عذبة.

 

أوامر النظام

المراقبون رأوا أن استضافة المدون السعودي لليهود والإسرائيليين في بيته لم يكن ليتم إذا لم يكن عنده أوامر أو إذن من أعلى سلطة في المملكة.

فقد رأى فهد الغويدي الكاتب والسياسي السعودي المعارض، أن التفسير المنطقي والوحيد لممارسات المدون، أنه محمي من قبل السلطة، ومدعوم بقرار من السلطة نفسها لتنفيذ مثل هذه المشاريع وليكون بمثابة سفير (سعودي) يروج للتطبيع في الداخل والخارج.

وأضاف في حديثه مع “الاستقلال”: “لا أعتقد أن أفعال مثل هذا النكرة، نابعة من رأي أو قناعة شخصية لديه، فهو مكلف من النظام السعودي بفعل ذلك، وهذه الأعمال التي يقوم بها صادرة من النظام نفسه”.

وأكد “الغويدي” أن مواقف المدعو محمد سعود وتصريحاته لو كانت قبل سنوات يسيرة لكانت كفيلة باعتقاله “ليس لأن النظام آنذاك كان معاديا لإسرائيل وللتطبيع، ولكن بسبب خشية النظام من التعدي على الثوابت الدينية التي تربى وتطبع عليها أبناء بلاد الحرمين”.

وتابع: “الآن هو يمارس كل ذلك ويسافر ليلتقي بشخصيات إسرائيلية وبمسؤولين في إسرائيل، ولم يكتف بذلك بل إنه يروج للتطبيع في الداخل”، مؤكدا أنه ليس من المقبول أن يتم الموافقة على هذه الأفعال باعتبارها  حرية شخصية أو أن تدخل في نطاق حرية الرأي والتعبير”.

محمد سعود سبق أن أثار الجدل في يوليو/تموز الماضي، بزيارته لـ”تل أبيب”، ومدينة القدس المحتلة، ضمن وفد استضافته وزارة خارجية الاحتلال، واستهجن الفلسطينيون وجوده هناك خاصة أنه حرص على التجول بالزي السعودي التقليدي، ما دفعهم لملاحقته وشتمه ونعته بالرخص والندالة ومن ثم طرده.

احتفاء إسرائيلي

الإعلام الإسرائيلي وكل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تحتفي بكل ما يصدر عن المدون سعود، وتنقل كل تغريداته وتتبنى مطالبه.

فقد نشرت صفحة “إسرائيل بالعربية” الرسمية مقطع الفيديو مرفقا بتغريدة تحمل علمي السعودية والكيان الإسرائيلي قائلة: “يسعدنا أن نرى مضافة السعودي@mohsaud08 الذي زارنا يحتفي بضيوفه من #إسرائيل”.

وأضافت: “لا شك أن هذا نتيجة كسر حواجز الشك التي جرى بناؤها على مدى عقود، ونرحب بالجميع في ديارنا. والله يديم الكرم”.

ووثقت الصفحة الحدث في تغريدة أخرى قائلة: “بالصور.. قام سائح يهودي بزيارة إلى المملكة العربية السعودية مؤخرا، واستقبل بترحيب حار من قبل السكان السعوديين”.

كما نشر روي كاسي الذي يعمل بهيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيليّة “كان”، عبر حسابه في تويتر، صورا للإسرائيليين الذين استضافهم المدون السعودي.

وكتب تحت هاشتاج “لا تفوت الخبر”: “تسجيل خاص وحصري لاثنين من الإسرائيليين الذين يزورون المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع مع جواز سفر أجنبي ويحصلون على الإقامة في منزل ناشط الشبكة السعودية محمد سعود”.

‎وأثنى ناشط إسرائيلي آخر على كرم ضيافة “سعود” ووصفه بـ”الرائع”، موضحا أن من استضافهم اثنين من الأرثوذكس المتطرفين.

ونشر يانكي فاربير وهو مراسل إسرائيلي، مقطع فيديو يظهر فيه المدون السعودي برفقة زواره اليهود وهم يغنون أغنية “Ava Nagila” وهي أغنية يهودية شعبية وتعني “دعونا نحتفل” والتي كتبت عام 1917 احتفالات بإعلان وعد بلفور.

وعقب قائلا: “يهوديان يزوران محمد سعود في الرياض، ويغنيان معا آفا ناجيلا”، متسائلا: من كان يعتقد أن مثل هذا الشيء يمكن أن يحدث”، معربا عن أمله أن يزور الإسرائيليون السعودية قريبا جدا.

وبثت إيرينا تسوكرمان محامية حقوق الإنسان بنيويورك، المقطع ذاته، واصفة ما فعله المدون السعودي بـ”العمل الرائع”.

كما نشرت تقريرا لموقع كيكار الإسرائيلي، رصد استضافة “سعود” للسائح الإسرائيلي الذي يدعى آفي جولدشتاين، ونقل تغريدات المدون السعودي التي أعلن فيها عن فتح بيته لاستضافة المزيد من اليهود وإعرابه عن أمله أن يزور السعودية مزيد منهم.

كما نقل الموقع تغريدة للسائح اليهودي كتبها على صفحته في “فيسبوك” يقول فيها: “محمد سعود مسلم سعودي. إنه يدعم إسرائيل أكثر من أي إسرائيلي آخر. إنه يحب الشعب اليهودي في إسرائيل كثيرا، بل إنه يعرض حياته للخطر”.

وعقبت محامية حقوق الإنسان بنيويورك بالقول: “تغطية أكثر إيجابية”.

 

مربية يهودية

ما وصف به السائح اليهودي المدون السعودي، سبق أن قاله مؤسس مركز التراث الصهيوني مايك إيفانز، في آخر مؤتمر سنوي لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، عن “ابن سلمان”، حين أشار إلى أنه ونظيره ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، داعمان لـ”إسرائيل” أكثر من العديد من اليهود.

وقال: إنه عندما التقى بولي العهد السعودي سأله: ما هو رأيك باليهود والمسيحيين؟ فأجابه ابن سلمان بأنه يحب الاثنين.

وأضاف: أنه عندما سأله لماذا تحبهم، فأجاب ابن سلمان “لأن أمي يهودية”، فرد عليه مؤسس مركز التراث اليهودي: ماذا تتحدث؟!، فأجابه ابن سلمان: “مربيتي كانت يهودية متطرفة إنجيلية من أصل إثيوبي”.

ظهور السائح اليهودي في شوارع السعودية ليس الأول، فقد سبق أن احتفت إسرائيل الاحتفاء ذاته السابق الإشارة إليه، بالصحفي الإسرائيلي اليهودي يوسف زينيتش، الذي ظهر في أبريل/نيسان الماضي، في شوارع المملكة مرتديا الزي السعودي، إذ نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” تقريرا تحت عنوان “في السعودية بالزي اليهودي والعباءة”.

وتناولت خلاله قصة وصول الصحفي الذي يكتب في عدة مواقع عبرية، إلى الأراضي السعودية بدءا من تقديم طلب الحصول على تأشيرة وحتى نهاية رحلته، والتي أوضح فيها أنه دخل السعودية بجواز سفر أمريكي.

وقال عن تقارب العلاقات السعودية الإسرائيلية: “يبدو أننا نقترب من اليوم الذي سيصبح فيه هذا الحلم حقيقة”.

 

حلم اليهود

ما وصلت إليه السعودية كان بالنسبة لإسرائيل حلم تخطط للوصول إليه، فبعد خمسة أشهر من تنصيب الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، تقريرا تحت عنوان “السعودية.. نحن نحبك”، أكدت خلاله أن السعودية حلم الدولة اليهودية، مشيرة إلى أن إسرائيل ليس لديها حليف أفضل من المملكة

ولفتت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يتوقف عن المفاخرة بنوعية العلاقات التي نجح في تأسيسها مع دول عربية، وحتى التي لم توقع اتفاق سلام مع إسرائيل.

وقالت: إنه “ظاهريا، لا يمكن أن يكون هناك دمج قوة ناجح، أكثر من هذا، بالنسبة إلى إسرائيل”، معتبرة أن التحالف مع السعودية أو الدول العربية الأخرى “مجاني” بالنسبة لتل أبيب.

ديفيد بولوك الكاتب الأمريكي والزميل في معهد واشنطن، رصد في مقال له في سبتمبر/أيلول 2018 بعنوان “وجهات نظر سعودية جديدة عن اليهود وإسرائيل”، التغييرات في سلوكيات السعوديين تجاه إسرائيل واليهود خلال رحلته إلى السعودية في يوليو/تموز 2018.

وأشار إلى أن معظم الباحثين السعوديين الذين تحدث معهم ينظرون إلى إسرائيل من منظور براغماتي نسبيا عوضا عن منظور أيديولوجي أو إسلامي، لافتا إلى أن هذه النظرة المتغيرة تجاه إسرائيل برزت أيضا في التصريحات الرسمية والإعلام السعودي.

وذكر الكاتب الأمريكي أيضا بمقابلة ولي العهد السابق الإشارة إليها، قائلا: “يبدو في الآونة الأخيرة أن عقارب الساعة عادت إلى الوراء مجددا باتجاه بعض التقدير العلني للمصالح المشتركة مع إسرائيل”.

وفيما يخص التغييرات في سلوكيات السعوديين تجاه اليهود، استند “بولوك” إلى انطباعاته الشخصية لدى مئات الآلاف من السعوديين الذين سعوا إلى إكمال تعليمهم ما بعد الثانوي في الخارج، فبنوا بنتيجة ذلك علاقات ودية مع اليهود المحليين وطوروها.

ورصد حالات لسعوديين أخبرته بامتنانها لليهود وتفضيلها التعامل معهم والسكن معهم فترة دراستهم بالخارج، وإقامة علاقات صداقة متينة، مستشهدا بأن تلك الروايات دليل على النظرة الإيجابية من السعوديين تجاه اليهود.

ودعم الكاتب الأمريكي رأيه بالإشارة إلى غياب الأفكار المجازية المعادية للسامية القديمة في وسائل الإعلام السعودية السائدة، (بالرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تخبر لسوء الحظ قصة مغايرة إلى حد كبير) -على حد تعبيره-.

ورأى أنه “عوضا عن ذلك، تظهر المقالات العابرة المتعاطفة مع مسألة يهودية معينة، وتكون تاريخية عادة وليس معاصرة، في الصحافة السعودية”، مشيرا إلى مقال للشيخ محمد العيسى المسؤول عن “رابطة العالم الإسلامي”، روّج لرؤية عن الإسلام المتسامح تجاه الأديان الأخرى، بما فيها اليهودية.

 

حدث مرتقب

ولم يكن مقال “العيسى” الدليل الوحيد الذي يستند إليه المختصون للاستدلال على تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل واليهود، فالعالم ينتظر إجراء أول زيارة لوفد يهودي للمملكة خلال الشهر القادم، وذلك بعد أن تم الترويج لها في مايو/آيار الماضي.

فقد كشفت الخارجية الإسرائيلية أن وفدا يهوديا سيجري في يناير/كانون الثاني 2020 زيارة إلى المملكة السعودية بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي، وذلك حسبما أعلن أمين عام الرابطة محمد العيسى.

ونشرت صفحة “إسرائيل بالعربية” الخبر مرفقا بمقطع فيديو للعيسى خلال توقيع اتفاقية تعاون مع مؤسسة نداء الضمير الأمريكية لتعزيز قيم الوئام ومحاربة التطرف.

الرابطة حاولت الدفاع عن نفسها، موضحة عبر حسابها في تويتر، أن الزيارة المرتقبة إلى السعودية مطلع 2020 ليست لوفد ديني خاص، ولكنها لوفد أمريكي مستقل مهتم بقضايا اللاجئين السوريين والمجازر ضد الروهينغا، ومتنوع دينيا -دون أن تنفي بشكل قاطع أنه لا يضم يهود-.

وفي إطار التطبيع، دعا الباحث السياسي عبد الحميد الحكيم، مدير مركز “الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية” سابقا في جدة بالسعودية، إلى الاعتراف بـ”الحق التاريخي لليهود بدولة إسرائيل سعيا للنهوض بالمنطقة”، حسب زعمه.

وقال الحكيم على حسابه في “تويتر”: إن “اليهود جزء أصيل من مكونات مجتمعاتنا حيث نهضوا بها على جميع المستويات، وتاريخ اليهود يؤكد أنهم صناع حضارة في أي مجتمعات يسكنونها”.

تلك التغريدة تناولتها وسائل الإعلام على أنها دعوة من مركز أبحاث سعودي، إلا أنه يبدو أن صاحب التغريدة حذفها من على حسابه، لكن الناشطين وثقوها وأخذوا صورا منها وتداولوها.