العاصمة السعودية تحتضن مخلوقات من عوالم أخرى.. مخلوقات تبدو وكأنها استولت على المدينة، كانت الوحوش والسحرة ولصوص البنوك هناك”.. هكذا وصف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، المشهد في شوارع الرياض والذي استبق احتفالات الهالوين في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
التقرير أشار إلى مظاهر الاحتفال بعيد الهالوين في شوارع الرياض، والتي عكست التغير الحاصل في المملكة، حيث كانت تعتقل كل من يفكر في إحياء هذه “المناسبة الغربية”.
مظاهر التحول “المخيفة” وفق الصحيفة، تؤشر على التغييرات التي طرأت على المملكة منذ أن بدأ ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، الذي أصبح الآن وريث العرش ورئيس الوزراء، في الصعود إلى السلطة عام 2015، وبدأ في التخلص من القيود الاجتماعية واحدة تلو الأخرى.
يذكر أنه في عام 2018، داهمت الشرطة السعودية حفلة عيد الهالوين واعتقلت أشخاصًا، وأمرت نساء كن يرتدين ملابس غريبة “بستر أنفسهن”.
وفي السعودية، حيث يسود الغموض السياسيات الحكومية، بينما تجتاح التغييرات الاجتماعية جميع أنحاء البلاد، لم يكن الحدث الذي ترعاه الحكومة، بالمعنى الدقيق للكلمة، مهرجانًا للهالوين، وفق تقدير الصحيفة، إذ بدلاً من ذلك، تم الترويج له على أنه “عطلة نهاية أسبوع مرعبة”، والتي تتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع التي تسبق عيد الهالوين.
وشارع بوليفارد الرياض، هو مجمع مترامي الأطراف من المحلات التجارية والأروقة والمطاعم افتتح في عام 2019، كجزء من مساعي الحكومة لتوفير مساحات للترفيه للعائلات وللشباب.
ونقلت الصحيفة عن الشاب السعودي “يحيى الهزازي”، قوله بينما كانت الموسيقى المخيفة تُعزف عبر مكبرات الصوت في بوليفارد الرياض: “في السابق لم يكن هذا جزءا من عاداتنا وتقاليدنا، لكننا نحب اكتشاف أشياء جديدة”.
ويضيف “عبدالعزيز خالد”، وهو شاب يبلغ 23 عاما، وطالب جامعي، إن “السعودي يتغير”.
و”خالد”، الذي أبدى قدرة على التحول بسلاسة بين اللغتين العربية والإنجليزية، قال إنه يعتزم ارتداء ملابس ساحرة هذا العام.
كما أرادت، “ريما الجابر”، البالغة من العمر 23 عاما، أن تذهب كملاك أبيض وبالأجنحة للقاء الأصدقاء في أحد المنازل.
ومثل معظم السعوديين، لم تحتفل “الجابر” مطلقا بعيد الهالوين، رغم أنها شاهدته في الأفلام.
وتعاقب السعودية أعمال السحر والشعوذة، حيث تمت لعقود محاكمة بعض الممارسين المتهمين وقطع رؤوسهم، بينما كان الاحتفال بأعياد غير إسلامية مثل عيد الحب وعيد الميلاد وعيد الهالوين من المحرمات.
وكانت المملكة العربية السعودية في طفولة “الجابر”، تمنع النساء من القيادة، وكان يُطلب منهن ارتداء عباءات طويلة في الأماكن العامة تصل الأرض، وكثيرا ما نهرهن عناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتغطية شعرهن ووجههن.
وتم فرض الفصل بين الجنسين في المكاتب والمقاهي والعديد من الأماكن الأخرى، بينما كان تشغيل الموسيقى في الأماكن العامة محظورًا.
لكن في عام 2016، أعلن “بن سلمان” عن خطة تنويع اقتصادي، دعت إلى تحويل المملكة إلى قوة استثمارية ومركز أعمال عالمي.
فقدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطتها وسُمح للنساء بقيادة السيارات، ثم بدأ التراجع عن العديد من أغلال نظام ولاية الرجل، على الرغم من بقاء قيود أخرى.
وبدأ الأمير “بن سلمان”، أيضا حملة لتطوير خيارات الترفيه كقطاع اقتصادي جديد بعيدا عن النفط.
وافتتحت دور السينما لأول مرة منذ عقود، وسيطرت سلسلة من الاحتفالات التي ترعاها الحكومة على المملكة، أبرزها “موسم الرياض”، وهو فعالية تمتد لأشهر.
وتعتزم السعودية كذلك، مضاعفة الرحلات السريعة وتسهيل السفر البري في مسعى لاجتذاب عشرات الآلاف من مشجعي كرة القدم الذين يحضرون كأس العالم في جارتها قطر.
وتستهدف هذه الجهود تنشيط قطاع السياحة الناشئ في المملكة المحافظة، التي ظلت مغلقة أمام العالم لعقود طويلة والتي بدأت في إصدار التأشيرات السياحية في سبتمبر/أيلول 2019، قبل أشهر قليلة من تفشي جائحة (كوفيد-19) وتدميرها هذا القطاع على مستوى العالم.
وقدمت السعودية تأشيرات دخول متعدّدة صالحة للإقامة لمدة تصل إلى 60 يوما لحاملي بطاقة “هيّا” الإلزامية في كأس العالم.
وإلى جانب المهرجانات الموسيقية والأحداث الرياضية التي بدأت تنظم عبر المملكة في السنوات الأخيرة، تقوم السعودية أيضا بالترويج لمناطق جذب جديدة مثل العلا، وهي مركز فنون ناشئ في شمال البلاد.
كما تقوم أيضا ببناء مدينة ترفيهية على طراز “وولت ديزني” تسمى القدية، ومنتجعات فاخرة على طراز جزر المالديف على طول البحر الأحمر، بتكلفة مئات المليارات من الدولارات.
وتركت هذه التغييرات بعض السعوديين في حالة من الذهول والبعض الآخر غاضبا، حيث لا يمكن التعرف على البلاد تقريبا للأجانب والمواطنين على حد سواء.
وترافق تخفيف بعض القيود الاجتماعية أيضا مع زيادة ملحوظة في القمع السياسي، أدت إلى سجن مئات الكتاب والنشطاء وأصحاب النفوذ على سناب شات إلى جانب المليارديرات ورجال الدين وأفراد العائلة المالكة.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، استخدمت الحكومة مزيجًا من التلاعب والسيطرة، مما أدى إلى خطاب موحد بشكل متزايد يبجل “بن سلمان” وخطته “رؤية 2030”.
وفي السر، يشكو بعض السعوديين من أن الدفع الترفيهي يبدو وكأنه إلهاء عن التحديات الاقتصادية، مثل ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، والتحديات السياسية، مثل الافتقار إلى حرية التعبير.