على خلاف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فإن الرئيس الجديد جو بادين يبدي مرونة أكثر في التعامل مع إيران، الأمر الذي دفع متابعين للحديث عن انعكاس ذلك بشكل إيجابي على الأطراف التابعة لطهران والمحسوبة عليها في المنطقة العربية.

وفي هذا السياق يأتي الحديث عن طبيعة تعاطي إدارة بايدن مع جماعة الحوثي المدعومة من قبل إيران، إذ كشف وزير الخارجية الأميركي الجديد أنطوني بلينكن أن وزارته تعمل بأسرع ما يمكن لإنهاء عملية مراجعة تصنيف جماعة “الحوثي” الذراع السياسية لإيران في اليمن، كمنظمة إرهابية واتخاذ قرار بهذا الشأن.

 

تفاوض مفتوح

في 19 يناير/كانون الثاني 2021، دخل قرار إدراج “الحوثي” بقائمة الإرهاب الأميركية حيز التنفيذ، عشية انتهاء ولاية ترامب، وفق ما جاء في بيان نُشر على موقع وزارة الخزانة الأميركية.

وبررت الخارجية الأميركية القرار بأنه يهدف إلى تعزيز “الردع ضد النشاطات الضارّة التي يقوم بها النظام الإيراني الداعم للحوثيين في مواجهة حكومة الرئيس المعترف به عبد ربه منصور هادي”، وتضم القائمة السوداء الأميركية 3 قياديين حوثيين بينهم زعيمهم عبد الملك الحوثي.

وقالت الخارجية: “القرار اتخذ من أجل محاسبة الحوثيين على أعمالهم الإرهابية بما فيها الهجمات العابرة للحدود التي تهدد السكان المدنيين والبنية التحتية والشحن التجاري”.

قرار إدارة ترامب المفاجئ بشأن “الحوثي” فسره المراقبون بأن الرئيس الجمهوري السابق أراد أن يفي بتعهداته للسعودية قبيل مغادرته البيت الأبيض.

يتبنى بايدن نهج التفاوض المفتوح مع إيران ومع الأطراف التابعة لها والمحسوبة عليها، وهي سياسة غير تلك التي انتهجها سلفه ترامب، وكان بايدن قد أبدى انفتاحا على علاقته بإيران أثناء حملته الانتخابية وصرح أنه سيعود للالتزام بالاتفاق النووي في حال تم انتخابه رئيسا.

بادين أكد أيضا أنه سيحاول نزع فتيل التوتر مع إيران، شريطة أن تفي طهران بتعهداتها، وكان مستشار بايدن للسياسة الخارجية أنتوني بلينكن قد صرح أن بايدن سيعود للاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015.

نهج بايدن يعد جزءا من رؤية الحزب الديمقراطي المنفتحة على إيران والتي ترى أن الاتفاق النووي هو أفضل طريقة لإيقاف جهود طهران الساعية لإنتاج قنبلة نووية.

وفي تقرير للحزب الديمقراطي صدر عام 2020 قال فيه إن العودة للاتفاق النووي مع إيران بات أمرا ملحّا، والطريقة المثلى لإيقاف تصنيع قنبلة نووية إيرانية.

كان باديا على طهران استبشارها بتوجهات بايدن نحوها، خصوصا بعد تزايد العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني، والذي كبدها خسائر فادحة.

 

تعليق مؤقت

لكن خبراء أكدوا أن انفتاح واشنطن على إيران في برنامجها النووي، وتخفيف الضغط عليها، قد لا يكون بنفس الدرجة من الانفتاح على أذرعها السياسية.

فمع أن إدارة بايدن قد وعدت بمراجعة قرار تصنيف “الحوثي”، إلا أنها لم تباشر إلغاء القرار، بل قامت بتعليق القرار والسماح للمنظمات الإنسانية بالتعامل مع “الحوثي” حتى 26 فبراير/شباط 2021، وهو ما يعطيها مهلة لمراجعة القرار ثم إقراره أو إلغائه.

وفي 25 يناير/كانون الثاني 2021، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية وثيقة رسمية قالت فيها إنه يسمح بكلّ التعاملات مع المتمرّدين الحوثيين مجددا لغاية 26 شباط/ فبراير 2021.

وأشارت الخزانة في الوقت نفسه إلى أنّ هذا القرار لا يسري بمفعول (أثر) رجعي، أي أنّه إذا كانت هناك أموال قد تمّ تجميدها بموجب قرار العقوبات فإنّ القرار الجديد لا يرفع التجميد عنها.

وبموجب الترخيص الجديد، يسمح بجميع التحويلات التي تشمل حركة الحوثي أو أي كيان تملك فيه 50 في المئة أو أكثر، وذلك حتى 26 فبراير/ شباط 2021 فقط، لكن ذلك، بالطبع، لا يشمل قادة الحركة المدرجين على القائمة السوداء.

وفي مقابل المرونة مع “الحوثي”، أقدمت إدارة بايدن على تعليق بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى تعليق صفقة مقاتلات إف 35 للإمارات العربية المتحدة.

وقالت الخارجية الأميركية في بيانها الذي أصدرته في 27 يناير/كانون الثاني 2021، إن القرار يأتي في إطار مراجعة قرار اتخذ إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.

وفي الوقت الذي ذهب البعض إلى أن بايدن بدأ بالوفاء بتعهداته التي قطعها أثناء حملته الانتخابية في حظر مبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية، ومحاسبة الرياض على انتهاكاتها الإنسانية في اليمن، نفى مسؤولون ذلك.

وقال مسؤول في الخارجية الأميركية لفرانس برس “إنه إجراء روتيني إداري تتخذه غالبية الإدارات الجديدة”، موضحا أن الغاية منه “أن تلبي عمليات بيع الأسلحة التي تقوم بها الولايات المتحدة أهدافنا الإستراتيجية”.

 

لعبة التوازنات

لكن يبدو أن تلك المرونة مع “الحوثي” لن تكون مطلقة، وأن إدارة بايدن لن تتجاهل هجمات “الحوثي” على السعودية، وهو ما أعلنته إدارة بايدن في أول بيان رسمي يتعلق بعلاقاتها مع السعودية.

البيان أكد أنها ستساعد المملكة السعودية في محاسبة كل من يشن هجمات على أراضيها، وقالت الخارجية الأميركية في بيان لها إن “الولايات المتحدة تدين بشدة الهجوم الأخير الذي استهدف العاصمة السعودية الرياض، والذي كان، فيما يبدو، محاولة لاستهداف السكان المدنيين”.

وأضافت الخارجية الأميركية أن “مثل هذه الهجمات تتناقض مع القانون الدولي وتقوض كل الجهود الرامية إلى تعزيز السلام والاستقرار”.

مضيفة: “أنه في الوقت الذي نعمل على خفض التوترات في المنطقة عبر السبل الدبلوماسية المبدئية، بما في ذلك على إنهاء الحرب في اليمن، سنساعد كذلك شريكتنا السعودية في الدفاع من الهجمات على أراضيها ومحاسبة هؤلاء الذين يحاولون تقويض استقرارها”.

ذلك الموقف جاء فيما يبدو، كمحاولة من بايدن لطمأنة السعودية، وخلق توازن في ملف العلاقات السعودية الإيرانية بالإضافة إلى الأذرع التابعة لطهران، لضمان المصالح الأميركية في المنطقة.

بايدن كان قد أبدى في حملته الانتخابية تقاربا مع إيران، وفي ذات الوقت توعد بمحاسبة السعودية، ما أزعج الرياض وجعلها في حالة توجس ودفعها لترميم علاقاتها مع جارتها الخليجية قطر.

وفق متابعين فإن تحديا كبيرا يواجه بادين، في قدرته على خلق توازن في المنطقة، أبرزها قدرته على الإيفاء بسياساته المنفتحة على إيران، وفي ذات الوقت، حفاظه على إسرائيل التي تخشى البرنامج النووي الإيراني، والحفاظ أيضا على مصالح الولايات المتحدة مع السعودية التي تخوض حربا في اليمن.

ومن المرجح ألا يبتعد بايدن كثيرا عن سياسة سلفه الديمقراطي باراك أوباما الذي تمكن من تحقيق الحد الأدنى من التوازن الذي يضمن مصالح الولايات الأميركية في المنطقة العربية.

هذه السياسة، وفق خبراء، ثابتة في خطوطها العريضة لدى الحزب الديمقراطي، التي تجيد لعبة التوازنات، من دون أن تتخذ موقفا حادا من بعض الأطراف، على خلاف الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الذي تبنى موقفا حادا من طهران، فألغى اتفاقية البرنامج النووي الذي كان قد أبرمها أوباما مع طهران، وفرض عقوبات اقتصادية على إيران.