بعد عقود عمدت فيها السعودية، أحد أكبر مصدري النفط في العالم، إلى دعم حلفائها بمنح مباشرة وودائع مصرفية غير مشروطة، شرعت المملكة في تغيير سياسة تقديم المساعدات والمنح للدول الأخرى.

فخلال مؤتمر دافوس الاقتصادي بسويسرا، في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان: “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك”.

وأوضح: “إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات، نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا.. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم”.

 

تساؤلات عديدة

هذا التغيير السعودي المفاجئ أثار تساؤلات عديدة أبرزها إن كان يهدف بالفعل إلى إصلاح عملية الدعم لضمان وصول المساعدات إلى الشعوب أم إنها وسيلة لفرز الحلفاء في ظل استياء الرياض من مواقف شعوب وسياسات دول لطالما تلقت مساعدات سعودية سخية.

وتمتد التساؤلات لتشمل إن كانت السياسة السعودية الجديد ترتبط أم لا بدول محددة مثل الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، خاصة في ظل حملة على منابر إعلامية محسوبة على الرياض تردد أن المملكة تعرضت لـ”نكران الجميل” من شعوب في المنطقة، ولاسيما الفلسطينيين.

وخلال 7 عقود، بلغ حجم المساعدات التي قدمتها السعودية 95 مليار دولار، استفادت منها 160 دولة، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 20 فبراير/ شباط الجاري.

 

أداة جديدة

وفق الكاتب والمحلل السياسي اللبناني المحامي أمين بشير، في حديث لـ”الخليج الجديد”، فإن “هناك تغيرا واضحا في السياسة السعودية بالنسبة لتقديم المساعدات، فهي لا تريد أن تقدم المال والدعم لحليف لا يستطيع أن يكون على الأقل في نفس مستوى الخطاب السياسي أو المنهج الذي تسلكه المملكة”.

وبالتالي أصبحت المساعدات، بحسب بشير، أداة جديدة بيد السياسة الخارجية السعودية، ولم تعد تخفي الأمر في أحيان كثيرة وعممته حتى عبر سفاراتها في الدول التي ربما لديها حلفاء بداخلها، وأعلنتها بصراحة أنها لن تقدم أي شيء مادام ليس هناك وضوح في سياسة هؤلاء الحلفاء ولا يقفون معها أمام أعدائها.

وأردف: “لاحظنا هذا التغير في لبنان.. كان الأمر واضحا لأنّ لبنان  بمثابة المختبر السياسي للمنطقة، وهناك حلفاء للسعودية وأعداء لها في نفس الوقت”.

وأضاف: “وبالتالي دعمها للحلفاء وحتى للدولة اللبنانية بشكل عام مشروط بأن يكون هناك على الأقل ليس مؤازرة أو مسايرة في الموقف وحسب، بل يجب أن يتعدى أكثر من ذلك في أن يقف حلفاؤها في وجه أعدائها لاسيما حزب الله (حليف إيران) وما يفعلونه من تحريض ضد السعودية وبدعمهم الحوثيين في اليمن، وحتى بوقف الأعمال التخريبية التي يقوم بها حزب الله كإرسال المخدرات أو إرسال المقاتلين أو السلاح أو غيره”.

وخلص بشير إلى أنه “هناك تغييرا واضحا في السياسة السعودية بدأ بعد صعود الأمير الشاب محمد بن سلمان (ولي العهد)، فهناك عهد وعصر جديد للسعودية، وهناك عنصر شاب بات يقرأ ويدرك السياسة من منظور مختلف عما كان في عهد الملوك السابقين، فهو لا يريد أن يقدم شيئا دون أن يأخذ ثمنه في عالم السياسة”.

 

غياب الإداري المحنك

أما المحلل والناشط السعودي محمد الشقحاء، فقال لـ”الخليج الجديد” إن “تصريحات وزير المالية حول الاشتراطات السعودية الجديدة في تقديم المساعدات سببها الأساسي هو إدراك الحكومة السعودية أين بات يُصرف الدعم الذي تقدمه للكثير من الدول”.

وحول انتقاد البعض لتغير سياسة المساعدات السعودية، أجاب الشقحاء: “تعودنا على هذه الإساءة ولم تعد تقلقنا.. الحالة باتت واضحة في دول الخليج العربي وعنوانها الاستقرار السياسي والموارد المالية المتنامية التي تقف وراءها إدارة مثالية”.

بينما اعتبر أن “دولا عديدة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، تفتقد للإداري المحنك والسياسي الوطني.. الأردن كملكية يمثلها الملك وحاشيته وهو من يدير لعبة الكرة الاجتماعي القائم بين العشائر ذات الطابع البدوي وبين العنصر الفلسطيني”.

أما على مستوى السلطة الفلسطينية، فقال الشقحاء إن حركة “فتح (بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس) تدير الضفة وحماس تدير غزة، وكل هذا يزيد من تعقيدات تقديم المساعدات بالنسبة للسعودية، فمَن يمثل الفلسطينيين تمثيلا حقيقا (؟)”.

وفيما يتعلق بمصر، أضاف أنه “رغم الدعم والقروض المقدمة لها، فإن حكومتها لم تلتزم بالاتفاقيات، بل كانت تقوم بتعديل الأنظمة الداخلية لسرقة المعونات والقروض، فيما لا يعدّ الوضع في لبنان أفضل حالا من سلفه، حيث توجد 13 طائفة تتبادل المواقف”.

ومن هنا شدد الشقحاء على أن حكومة بلاده “اليوم عندها مشاريعها لمواجهة حالة الانفجار السكاني في السعودية، فلم تعد خزنة هدايا كما كانت سابقا، ومن حقها السيادي إعلان شروطها التي يعرفها الجميع، مع الأخذ بعين الاعتبار الإخوة والرحمة”.

 

الكوارث الطبيعية

بعيدا عن الأوضاع الاقتصادية المعتادة، تثير الكوارث الطبيعية، مثل الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير/ شباط الجاري، تساؤلات عن كيفية تعامل السعودية مع مثل هذه الأحداث وإن كان سيشملها تغير سياسة تقديم المساعدات.

لكن بشير اعتبر أن “موضوع المساعدات الإنسانية، ولا سيما الزلازل، أمر مختلف عن السياقات السياسية، فجميع الدول التي كانت لديها القدرة على المساعدة في هذه المأساة الإنسانية كان مطلوب منها أن تقف إلى جانب الشعبين السوري والتركي، والسعودية كانت جزءا أساسيا من هذا الأمر”.

وأردف أنه “على الرغم من التباين السياسي مع نظام بشار الأسد في سوريا، إلا أن السعودية أصرت أن تقدم المعونات إلى الشعب السوري ولديها السبل لكي توصل تلك المساعدات مباشرة إلى الشعب السوري، وليست بحاجة إلى أن تفتح بابا سياسيا مع النظام السوري أو تعطيه شيئا من الشرعية لتقدم هذه المساعدات”.

واستطرد: “رأينا كيف استغل الرئيس السوري بشار الأسد هذه الكارثة للاستعطاف الإقليمي ومحاولة فتح جدار عزلته عن المنطقة، ولكن من المستبعد أن تبني السعودية سياستها الخارجية، لاسيما مع النظام السوري، على ظهر هذه الكارثة الإنسانية”.

وبالتالي، وفق بشير، فإنه في الكوارث “لا تدخل المساعدات الإنسانية في الحسابات السياسية كما فعلت السعودية في لبنان أو في أي دولة أخرى، بل تكون المساعدات عبر مركز الملك سلمان للإغاثة”.

واستدرك: أما “الدعم السياسي للحلفاء فيختلف، فهو لا يدخل ضمن المساعدات والمعونات الإنسانية لمساعدة الشعوب المتضررة، كما بالنسبة لمنكوبي كارثة زلزال سوريا وتركيا.. هذا يختلف عن الدعم السياسي لحليف ودولة وسياسات كبرى ودعم اقتصادي كبير”.

 

مساهمة في الخير

متفقا مع بشير، قال الداعية السعودي أحمد بن قاسم الغامدي، في حديث مع “الخليج الجديد”، إن “السعودية لا تقدم الدعم للدول الإسلامية أو العربية الشقيقة أو المساعدات الإنسانية للدول التي تعرضت للكوارث إلا من باب المساهمة في الخير وطلبا لمرضاة الله”.

الغامدي نفى أن تكون حكومة بلاده تقود حملات إعلامية ضد دول بعينها أو تتبع نهج العقاب بحق أي طرف، مضيفا: “لم أرَ أن إعلام السعودية تبنى أي حملات إعلامية ضد من أُشير إليهم بأنّهم من الجاحدين وناكري الجميل”.

وأعرب عن اعتقاده بأن “تغيير توجه السعودية لتكون المساعدات مشروطة ببرنامج محدد هو إجراء صحيح ويجسد شعور القيادة الحكيمة بالمسؤولية الشرعية والوطنية نحو ما يُبذل من دعم ومساعدات مالية لتحقق أهدافها المنشودة”.

وشدد الغامدي على أن “الحالات الإنسانية في الدول التي تعرضت للكوارث يختلف التعامل معها عن الحسابات السياسية، فهي حالات تستدعي إغاثة ونجدة المنكوبين”.

كما شدد الشقحاء على أن “السعودية ساهمت بجهودها الفردية وعبر المؤسسات الدولية للتخفيف من كارثة الزلزال في سوريا وتركيا، وذلك في خضم مزايدات ضد المملكة يوما بعد آخر من أطراف عديدة، عبر التشكيك والإساءة للقيادة السعودية”.