وسط اضطرابات سياسية ومزاعم بالتدخل الخارجي، شهدت باكستان، الشهر الماضي، الإطاحة بـ “عمران خان” واختيار رئيس وزراء جديد هو “شهباز شريف”. وفي 11 أبريل/نيسان، أدى الأخير اليمين ليكون رئيس الوزراء الـ 23 للبلاد، ومن المقرر أن يقود باكستان حتى إجراء انتخابات جديدة في أغسطس/آب 2023.

وأشاد “شريف” في خطابه الأول أمام البرلمان بالعلاقات الجيدة مع دول الخليج وإيران، وأعلن عزمه بناء علاقات تجارية وسياسية مع هذه الدول في المستقبل، وأكد رئيس الوزراء تقديره للدور الداعم الذي لعبته دول مجلس التعاون الخليجي في الأعوام الأخيرة.

وفي الواقع، توجه “شريف”، في أول رحلة خارجية له، إلى منطقة الخليج (السعودية والإمارات) في 27 أبريل/نيسان 2022.

 

معرفة قديمة

لا يعد “شريف” غريبا على ممالك الخليج، بل إنه عاش في السعودية لعدة أعوام، وشغل “نواز شريف”، الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الحالي، منصب رئيس الوزراء 3 مرات، قبل أن يطيح به رئيس أركان الجيش آنذاك “برويز مشرف” عام 1999، وبعد ذلك بوقت قصير، تم نفي عائلة “شريف” إلى السعودية.

ونتيجة سمعة عائلة “شريف” في السعودية وتقدير “شهباز” لولي عهدها، قدم “محمد بن سلمان” تهنئة لـ”شريف” فور انتخابه من قبل البرلمان لمنصب رئيس الوزراء، وأعرب عن رغبته في توثيق العلاقات الثنائية بين السعودية وباكستان.

وخلال رحلة رئيس الوزراء الجديد إلى الرياض، سعى لتدشين تعاون اقتصادي أكبر مع السعودية، فضلا عن طلب الدعم المالي. وذكرت تقارير إعلامية أن “شريف” طلب حزمة مساعدات خارجية إضافية بقيمة 3.2 مليارات دولار.

ودفعت المشاكل الاقتصادية في باكستان رئيس الوزراء الجديد إلى التواصل مع السعودية لتحقيق الاستقرار في الأسواق المحلية المضطربة وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي. ومع تدفق الأموال من المملكة، يمكن لحكومته الاستمرار في دعم الواردات الحيوية، مثل النفط، لمدة شهرين آخرين.

 

إصلاح العلاقات

يركز “شريف” حاليا على بعض الأرقام الاقتصادية المقلقة، ووفقا لمكتب الإحصاء الباكستاني، بلغ العجز التجاري 35.4 مليار دولار خلال الأشهر الـ 9 الأولى من السنة المالية يوليو/تموز – يونيو/حزيران، بزيادة قدرها 70% عن العام السابق. وفي الوقت نفسه، قفز التضخم إلى 12.7% في مارس/آذار على أساس سنوي.

وللسعودية تاريخ في مساعدة باكستان خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة. ففي مارس/آذار 2014، قدمت الرياض 1.5 مليار دولار من المساعدات المالية لـ “نواز شريف”، كما قدمت 20 مليار دولار لـ “عمران خان” خلال زيارة “بن سلمان” لإسلام آباد عام 2019.

ومع ذلك، فشلت الحكومات الباكستانية السابقة في الحفاظ على علاقات جيدة مع المملكة مما هدد الدعم المالي السعودي.

ورفضت إسلام آباد المشاركة في حرب اليمن التي تقودها السعودية منذ عام 2015، وتبنت نهجا متناقضا تجاه الأزمة الخليجية وحصار قطر عام 2017. وانتقد “خان” عدم وجود رد قوي من منظمة التعاون الإسلامي (تحتفظ السعودية بنفوذ كبير عليها) بخصوص قضية كشمير؛ وهو ما أغضب المسؤولين السعوديين ودفعهم للمطالبة بسداد فوري لقرض قيمته مليار دولار.

وبينما سعى “بن سلمان” إلى إضعاف نفوذ الإسلاميين في السعودية، أعلن “خان” نفسه مدافعا عن المسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل تحديا مباشرا لـ “بن سلمان”.

ومن شبه المؤكد أن عزل “خان” وصعود “شريف” إلى السلطة كان موضع ترحيب في المملكة، وكان الأول يمتلك كاريزما ويتبنى خطابا شعبويا، لكن الثاني يؤمن بالسياسات البراجماتية ويتبنى المصالح العملية بدلا من الخطاب الشعبوي.

وعلى عكس “خان”، يمثل “شريف” النظام الباكستاني القديم مع روابط أقوى بالجيش، ويظل الحفاظ على العلاقات مع الجيش الباكستاني أولوية قصوى للسعودية، لذا فإن تنصيب “شريف” يصب في مصلحة الرياض.

ولطالما تم تدريب الطيارين والجنود السعوديين في باكستان، وأجرت إسلام آباد عدة تدريبات عسكرية مع المملكة في الأعوام الأخيرة.

علاوة على ذلك، فإن السعودية تستضيف 2.5 مليون عامل باكستاني، وتمثل تحويلات العمال الوافدين ما يقرب من 86% من العملات الأجنبية في باكستان، ويأتي نحو 60% من هذه التحويلات من دول الخليج.

وتعد دول الخليج مصدرا حيويا لتلبية احتياجات الطاقة في باكستان، وتعتمد الأخيرة على الإمارات والسعودية في استيراد النفط، وعلى قطر للغاز الطبيعي المسال.

لذلك من المتوقع أن يوجه رئيس الوزراء الجديد جهوده نحو تطوير علاقات وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي.

 

النفوذ الإيراني

ولا شك أن علاقات “شريف” مع السعودية ستتأثر بعلاقاته مع إيران، وقد أقام “عمران خان” علاقات وثيقة مع الجمهورية الإسلامية وأغضب المسؤولين السعوديين. وتناقلت وسائل الإعلام الإيرانية على نطاق واسع مزاعم “خان” حول تورط الولايات المتحدة في الإطاحة به.

ولا يعد التناغم بين حزب “خان” والحكومة الإيرانية مفاجئا على الإطلاق؛ فقد تبنى مواقف مناهضة للولايات المتحدة منذ أواخر التسعينيات، وعارض الحرب الأمريكية على الإرهاب، والغزو الأمريكي للعراق، وهجمات الطائرات المسيرة الأمريكية داخل باكستان.

ولم تعزز هذه المواقف شعبية “خان” داخل باكستان فقط، ولكن أيضا في إيران. وبحلول عام 2011، انضمت شخصيات بارزة معروفة بتبنيها مواقف مؤيدة لإيران إلى حزب “خان”.

وأصبحت محللة الشؤون الخارجية “شيرين مزاري” أقرب الشخصيات الرئيسية لـ “خان” ووزيرة حقوق الإنسان في حكومته، وبرزت باعتبارها أكثر قيادية في حزب “خان” معادية لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وموالية لإيران.

وشارك “شاه محمود قريشي”، الذي أصبح وزير خارجية باكستان في ظل حكومة “خان”، آراء “مزاري” بشأن الولايات المتحدة ودول الخليج العربي.

وبالرغم أن “شريف” سيواصل علاقات الجوار الباكستانية مع إيران خلال فترة رئاسته للوزراء، فمن المرجح أن يرسم خطا بين علاقات إسلام آباد مع كل من طهران والرياض حتى لا يغضب المسؤولين السعوديين.