أصبحت مكانة الرئيس الأمريكي وعلاقاته مهدّدة داخلياً وخارجياً؛ إثر ما كشفته الاستخبارات الأمريكية المركزية “CIA”، حول التورّط المباشر لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يدافع عنه ترامب، في قضية مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي.

ترامب في أكثر من موقف حرص على أن يحافظ على العلاقات مع بن سلمان، في ظل تصريحات لمسؤولين بأن الأخير هدّد الرئيس الأمريكي بأن يكشف أوراقاً ومعاملات ماليـة ستُدينه شخصياً وتجعل مستقبله في الحكم مثله على المحك، وفقاً لما كشفه أمير سعودي بارز لـ”الخليج أونلاين”.

وبيّن الأمير السعودي أيضاً أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، هو الآخر أعلن اصطفافه إلى جانب ولي عهد السعودية، ووجّه رسائل إلى ترامب تدعوه لإبعاد التهمة عن بن سلمان، وإلا فإنه سيكشف المعاملات المالية والتسهيلات والامتيازات التي تقدّمها بلاده لشركات ترامب داخل الولايات المتحدة والإمارات.

انتقادات لاذعة لترامب
وبعد انتقادات شديدة واجهها ترامب وإدارته من عدة مشرّعين، الأسبوع الماضي، أطلعت مديرة المخابرات الأمريكية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على ما لديها من معلومات بشأن مقتل خاشقجي.

وبحسب التقييم السري للمخابرات الأمريكية، والذي كُشف عنه الثلاثاء (4 ديسمبر)، فإن ولي العهد تبادل 11 رسالة مع أقرب مستشاريه (سعود القحطاني)، والذي أشرف على الفريق الذي قتل خاشقجي، بحسب تسريبات حصلت عليها “وول ستريت جورنال”.

وتقول الصحيفة: إن “شهادة هاسبل تأتي في وقت تتزايد فيه معارضة الحزبين الرئيسيين لسياسة ترامب تجاه السعودية؛ فقد بدأ أعضاء الحزبين يشعرون بالغضب إثر الخسائر البشرية الكبيرة التي تسبّبها غارات الرياض باليمن، وأيضاً إثر قضية مقتل خاشقجي”.

وعلى الرغم من تأكيد “CIA”، فإن السعودية رفضت مجدّداً الاتهامات الموجَّهة لها، ونفت المتحدثة باسم السفارة السعودية، فاطمة باعشن، بواشنطن، أي تواصل لولي العهد مع أي مسؤول سعودي بأي جهة حكومية حول إيذاء خاشقجي.

وضجّت الصحف الأمريكية صباح اليوم التالي بتصريحات هاسبل، لتؤكد أن الجميع مقتنع في أن بن سلمان أمر بقتل خاشقجي، وسط سعي أمريكي لفرض عقوبات على السعودية.

وهذا التأكيد من “CIA” جعل الانتقادات حادّة بشكل أكبر لترامب وإدارته؛ لأنهم كذّبوا الحقيقة التي عرفوها من هاسبل عقب زيارتها لتركيا واطّلاعها على التسجيلات الصوتية التي تملكها أنقرة حول الجريمة، والتي تكشف عملية استجواب وقتل خاشقجي من قِبل مسؤولين أمنيين سعوديين.

وأطلعت هاسبل ترامب وإدارته على المعلومات التي بحوزتها عقب عودتها لأمريكا، لتضع الكرة في ملعب واشنطن، ما دفع مشرّعين أمريكيين ومسؤولين للضغط على إدارة ترامب للكشف عن المعلومات المتوفّرة.

فالرئيس ترامب بقي متشكّكاً بتورّط بن سلمان بالقضية، بحسب ما نقله مساعدوه، والذين أكّدوا أنه بحث أيضاً عن سبل لتجنّب تحميل اللوم لولي العهد، محاولاً الحفاظ على علاقته مع الحكومة السعودية.

وقالت الكاتبة الأمريكية، جينيفر لوبن، إن حفاظ ترامب على أن بن سلمان لا علاقة له بالجريمة سيكون من الجرم، وإن صحّ فهو دليل على جبن ترامب الشخصي وحساسيته.

وأضافت لوبن، في مقال لها نُشر بصحيفة “واشنطن بوست”، في نوفمبر الماضي: إن “ترامب مثل طفل يضع أصابعه في أذنيه حتى لا يستمع للحقيقة”، وذلك عقب رفضه الاستماع لتسجيلات مقتل خاشقجي.

من جانبه وصف السيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا، بن ساسي، خلال لقاء له مع محطّة فوكس الإخبارية، الرئيس الأمريكي بالضعف، قائلاً: “يختلف الأمر بين أن تكون براغماتياً وأن تصبح ضعيفاً لدرجة عدم قول الحقيقة”، وذلك في إشارة إلى تبنّي ترامب رواية مخالفة لما ذكرته “CIA”.

وأصبح الرئيس الأمريكي اليوم -في رأي معارضيه من الديمقراطيين والجمهوريين- يحافظ على نظام قاتل ويحميه، وهو ما يعارض المبادئ الأمريكية، والقوانين التي شرّعها الدستور.

ويترقّب كثيرون موقف ترامب عقب تصريحات هاسبل؛ إذ قال السيناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية: إنه “ليس هناك أدنى شك في أن ولي العهد السعودي هو من أمر بقتل خاشقجي. العائلة السعودية الحاكمة تنتظر الآن ما سيقوله ترامب، وكذلك جميع الناس في المنطقة”.

وسيفتح الديمقراطيون تحقيقاً بشأن تعامل ترامب مع جريمة القتل، وفق ما قال الرئيس القادم للجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، آدم شيف.

وقال شيف: إن “الرئيس غير أمين مع الأمة الأمريكية بخصوص مقتل خاشقجي، ما الذي يدفعه لذلك؟”، مبيّناً أن التحقيقات ستأتي في إطار “مراجعة دقيقة للعلاقات الأمريكية-السعودية”، التي يحاول ترامب من خلالها تغليب مصالحه باعتبار الرياض “حليفاً قوياً”.

ويسعى ترامب وإدارته للحفاظ على المصالح المشتركة مع السعودية، إذ قال البيت الأبيض سابقاً إنه من “الحماقة” التخلّي عن تعاقدات بمليارات الدولارات مع المملكة.

ووقّعت الولايات المتحدة والسعودية العديد من الاتفاقيات بينهما؛ من تسلّح إلى ضخّ أموال في السوق الأمريكية وغيرها، ما يجعل ترامب يتمسّك بشكل كبير بالرياض.

الخليج أونلاين