حملت فكرة مشروع نيوم معها وعودا غريبة للمدينة التي تكلف 500 مليار دولار أمريكي، وبحسب الأوراق التي تحدد استراتيجية بناء المدينة، فالمشروع قد يشمل قمرا صناعيا وشواطئ تلمع في الظلام، ومتنزه ترفيه على طريقة ”جوراسيك بارك“ تعيش فيه السحالى المتحركة.

وأكدت المواد الترويجية عن المدينة أنها ستقام على أرض “عذراء” خالية من السكان جاهزة لكي تغزوها تكنولوجيا المستقبل، ويقول أحد أعضاء فريق نيوم في الفيديو الترويجي: “بعد عشرة أعوام من الآن سننظر للخلف ونقول إننا أول من جاء إلى هنا”.

 

ملكية الأرض

يعود جزء من أرض مشروع المدينة إلى قبيلة الحويطات التي توزعت في السعودية والأردن وشبه صحراء سيناء بمصر ومنذ عقود، ويواجه الآن حوالي ٣٠ ألف من أبناء القبيلة التهجير من أراضيهم وبدون تفاصيل عن المكان الذين سينقلون إليه ويعيشون فيه مستقبلا.

وتقول الناشطة الحقوقية وابنة القبيلة التي تعيش في لندن، علياء أبو تايه الحويطي: “بالنسبة لقبيلة الحويطات فإن نيوم تبنى على دمائنا وعظامنا”، وتضيف: “إنها بالتأكيد ليست من أجل الناس الذين يعيشون هنا، فهي للسياح ومن يملكون المال، ولكن ليس للسكان الأصليين الذين يعيشون هنا”.

ويرى بعض المواطنين، أن نيوم تمثل نسخة نخبوية للمجتمع السعودي، وصممت من أجل استبعادهم. فيمكن لزوار المدينة شرب الخمور والتمتع بأحسن الوجبات في هذه المدينة المستقبلية، والتي تضم شبكة جمع معلومات بما في ذلك تكنولوجيا التعرف على الوجه وغيرها.

 

تهجير السكان

وتقول علياء الحويطات إن مقتل عبد الرحيم الحويطي والترحيل القسري لأبناء الحويطات يكشف عن عدم اهتمام المملكة بالمجتمعات القبلية التي تسيدت المملكة وتم قمعها، بدأ محمد بن سلمان بإخبار القبائل: ”سنطور منطقتكم، وستحصلون على المال“، وصدقوه في البداية، وبحلول عام 2019 بدأوا بالقول: “سنفرغ ثلاث قرى ونجبر سكانها على الرحيل”.

وتضيف: “لا يوجد شيء اسمه قبيلة بالنسبة لابن سلمان، فهو لا يهتم بالقبائل”. وقالت علياء إنها تلقت تهديدا بالقتل لأنها نشرت مواد عن مقتل عبد الرحيم والقبيلة على منصات التواصل، بما فيها تهديدات أبلغت الشرطة البريطانية عنها.

وتضيف الناشطة الحويطي أن فريق شركة العلاقات العامة لنيوم وكذلك مدراء شركة الإستشارات تينو التي استأجرتها السعودية لإدارة المشروع العام الماضي بمليوني دولار، لم ترد على أسئلتها ولا السفارة السعودية في واشنطن.

ولكن علي الشهابي، عضو المجلس الاستشاري لنيوم قال للغارديان إن ”أفراد القبيلة الذين شردوا سيحصلون على تعويضات، والتقاليد في السعودية هي أن على الناس القبول بالأمر، وفعلوا لأن الدولة تعوضهم وبسخاء”، وقال إنه لا يعرف عدد من سيتم تعويضهم ومتى.

وقال جيمس سوزانو من المنظمة الأوروبية– السعودية لحقوق الإنسان: “نتوقع مشاكل قريبة، خاصة في عملية مصادرة أراضي واسعة كما في نيوم، وستحدث عمليات ترحيل قسري، ورافقت عمليات سابقة للدولة انتهاكات لحقوق الإنسان”.

وتقول صحيفة الغارديان البريطانية إن تدمير المجتمعات في نيوم يأتي بعد عقود من التوترات بين آل سعود والقبائل الذين حكموها منذ تأسيس الدولة عام 1932، وتميز حكم العائلة السعودية بممارسة الضغط للسيطرة على الأراضي أو تدمير معالم تراثية. ففي عام 2017 سجلت الأمم المتحدة تدمير المملكة لسور تاريخي في بلدة العوامية، شرق القطيف واعتبرته خرقا لحقوق الإنسان، بينما قالت كريمة بنون، المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية بالأمم المتحدة: “لقد تم حرق البنايات التاريخية بطريقة لا يمكن إصلاحها ودمرت باستخدام عدد من الأسلحة، وأجبروا السكان على الفرار من أحيائهم”.

وتشير الصحيفة إلى مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية الذي رصد له 10 مليارات دولار، وقصد منه أن يكون “منطقة خاصة” وقد تبدد منذ البدء به عام 2006، وعانى المشروع من التأخير والارتباك حول هدفه حتى بعدما حاولت الحكومة العودة إليه عام 2016.

ويرى مراقبون أن مشروع نيوم سيواجه نفس المصير، ومع أن البناء مستمر فيها رغم التحديات التي تواجه المملكة من فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، كجزء من خطة محمد بن سلمان، رؤية 2030 إلا أن تحقيق المشروع يحتاج إلى ثروة النفط.

فيما يقول جوش كوبر من منظمة القسط لحقوق الإنسان: “من الواضح أن المشروع هو عن الغرور، ويستهدف النخبة المحلية والمشاهد الدولي فيما يتعلق بالسعودية الجديدة المنفتحة والليبرالية”، وفي نفس الوقت لا يسمح بمشاركة السكان المحليين أو تدخلهم في عملية اتخاذ القرار، معتبرا أن نيوم ليست رؤية براقة عن المستقبل بقدر ما هي رمز قاتم عن انتهاكات حقوق الإنسان والتي برزت من خلال معاملة قبيلة الحويطات، مضيفا أنها ”تكشف عن غياب المنابر التي يستطيع السكان التعبير عن مواقفهم في قضايا ليست خلافية كالحقوق السياسية والمدنية”.

 

وعود كاذبة

في يوم 13 أبريل 2020 رفض عبدالرحيم الحويطي استقبال لجنة الحصر وقام بتصويرهم في المقاطع المتداولة، وفي الساعة 5:40 فجرًا داهمت قوات الطوارئ منزله واستخدمت أعيرة نارية ثقيلة مما تسببت في مقتله، بعد أسبوع من تحفظ السلطات على جثمانه وإصرارها على دفنه في تبوك، و بعد رفض أسرته والضغط الإعلامي الكبير وافقت السلطات على تسليمة لذويه لدفنه في الخريبة وسط إجراءات أمنية مشددة.

خلال الاجتماع في الإمارة تم استمالة الحاضرين بإعطاء كل فرد 100 الف ريال وكل شيخ 300 ألف ريال لشراء مواقفهم، و يجري هذه الأيام عمل إعلامي مضاد لما ظهر عن موقف قبيلة الحويطات مؤخراً، واتخذت السلطات أسلوب تمرير فكرة الترحيل مبدئياً عبر نشر إشاعات متكررة لكي يتقبل الناس فكرة الترحيل ولاستيعاب الصدمة عبر نشر خطابات مجهولة المصدر، وذهب مجموعة من المواطنين لإمارة تبوك للاستفسار عن شائعات الترحيل و طلب استئناف الإفراغات و أفادتهم الإمارة أن هذه شائعات لا أساس لها من الصحة و أن إيقاف الإفراغات احترازي لمصلحة المواطنين.

في شهر مايو 2017 رفع المواطنون هاشتاق #متضرري_صندوق_الاستثمارات، ورفع الكثير من المواطنين العديد من المعاريض للديوان الملكي بشأن إيقاف الافراغات و لكن لا مجيب.

بداية الإعلان عن مشروع نيوم 24 أكتوبر 2017، وفي يناير 2018 بدأ العمل في بناء القصور الملكية وتوافد على المنطقة حوالي 40 ألف عامل يتبعون لثلاث شركات و هي نسمة والبواني و إزميل التركية

وفي فبراير 2018 بدأت لجان من وزارة العدل بتهميش جميع صكوك المواطنين الواقعة ضمن حدود نيوم، حسب إفادات موظفي المحاكم الشرعية وجميع هذه الإجراءات تمت بتكتم شديد و غموض تام.

خلال عام 2019 زار الملك سلمان نيوم واستجم لمدة شهر في هذه القصور وبدأ توافد السياح الأجانب لزيارة بعض الأماكن مثل “جبل اللوز” و “عين موسى” و “طيب اسم” شمال قرية مقناء.

 

ضغوط واعتقالات

وفي يناير 2020 إمارة تبوك تجمع أهالي قرى الخريبة و شرما و قيال وتبلغهم بقرار الترحيل بحضور بعض الوزراء. وأبدى الناس رفضهم لقرار الترحيل واقترح أبناء القبيلة حلول أخرى غير الترحيل القسري مثل عمل مخطط قريب في المنطقة عوضاً عن ترحيلهم، وبتاريخ 7 يناير من نفس العام عقد المواطنون مؤتمر يبدون فيه رفضهم لقرار الترحيل بحضور جميع أهالي المنطقة، وفي غضون أسبوعين من إعلان قرار الترحيل بدأت لجان التنمية المجتمعية تتوافد في المنطقة و بدأت بزرع لوحات في الشوارع تطلب من السكان مراجعة اللجنة لحصر و نزع ملكياتهم، واجتمع الأهالي عند مركز إمارة شرما لمقابلة مندوبي لجان التنمية المجتمعية معربين عن رفضهم مرة أخرى، وفي شهر مارس 2020 بدأ قمع المواطنين ومداهمة الرافضين للترحيل في بيوتهم عبر حملات من قوات الطوارئ تتجاوز في بعض الأحيان 40 سيارة هدفها تخويف المواطنين وارغامهم على مراجعة اللجان و الموافقة على الرحيل الجائر.

وفي تلك الأثناء تم اعتقال كل من: (رشيد بن إبراهيم بن مقبول الطقيقي الحويطي، عبدالإله بن رشيد بن إبراهيم الطقيقي الحويطي، عبدالله بن إبراهيم بن مقبول الطقيقي الحويطي، عطالله بن عفنان صالح الطقيقي الحويطي، سلطان بن إبراهيم حسين الطقيقي الحويطي، عون بن عبدالله أحمد الطقيقي الحويطي، خالد بن عبدالله أحمد الطقيقي الحويطي، صالح بن سليم علي الرقابي الحويطي)، الذين ما يزال مصيرهم مجهولاً إلى الآن كما هو حال الكثير من المعارضين لسياسات ومشاريع السلطة في المملكة.