“إيران تخشى المصالحة بين تركيا والسعودية”.. هكذا أكد الباحثان “علي باكير”، أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، و”أيوب إرسوي”، الأكاديمي في جامعة آهي إيفران التركية، في مقال تحليلي، سلَّطا فيه الضوء على التغيرات الناشئة في المنطقة بعد زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إلى الرياض.

وذكر الباحثان أن الزيارة أعقبها بوادر على تحسن العلاقة بين البلدين، ما أثار مخاوف إيران من تداعيات ذلك على مصالح طهران في جبهات التنازع المختلفة في المنطقة، خاصة سوريا والعراق واليمن، وفقا لما أورده موقع “ميدل إيست آي”.

ويشير مقال الموقع البريطاني إلى أن الشؤون السياسية للإقليم تحتل مكانة بارزة في الفواعل المحركة للعلاقات بين تركيا والسعودية، ولذا ذهبت إليه معظم الآراء الواردة عن إيران إلى انتقاد المصالحة بين أنقرة والرياض أو التخوف منها.

فإيران تنظر إلى الأمر من زاوية أن المصالحة بين هاتين القوتين الإقليميتين قد تنال من نفوذها في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق واليمن، علاوةً على أنها قد تقوي موقف السعودية في مفاوضاتها مع إيران حول قضايا الخلاف الإقليمية، ومن ثم تقوِّض مساعي طهران لإجبار الرياض على تقديم التنازلات.

بل إن بعض خبراء السياسة الإيرانيين ذهبوا إلى أن المصالحة التركية السعودية “جزء من مساعي الولايات المتحدة لتوفيق الأمور بين حلفائها”، وأن الغاية هي تمكين حلفاء الولايات المتحدة من الصمود في مواجهة إيران وروسيا والصين بعد خروج مزعوم للقوات الأمريكية من المنطقة.

ويستدل المقال على ذلك بما أوردته صحيفة “جوان‌ أونلاين” الإلكترونية، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، من اتهامٍ لـ”أردوغان” بـ”تطويع السياسة الخارجية التركية خدمةً للسعودية والإمارات”، فقد هاجم مقال حاد خطه الكاتب الإيراني “هادي محمدي” الدول الثلاث، واختص بالنقد تحركات أنقرة في العراق وسوريا.

 

نفوذ العراق

ويذهب “باكير” و”إرسوي” إلى أن التقارب بين الرياض وأنقرة جدير بتمكين البلدين من زيادة نفوذهما في السياسة العراقية على حساب إيران، خاصة إذا نجح البلدان في إيجاد الطرق اللازمة لاستيعاب مصالح كل منهما والحفاظ على قدر من التنسيق بينهما.

وإزاء ذلك، أبدى سفير إيران في بغداد “إيرَج مسجدي”، في فبراير/شباط 2021 عدم ارتياح طهران لنفوذ تركيا في العراق، ودعا إلى انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية.

فيما عمدت ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران في الأشهر الأخيرة إلى زيادة استهدافها للقوات التركية المتمركزة في قواعد استطلاعية في شمال العراق.

وفي المقابل، ردت طائرات “تي بي 2″ المسيرة التركية على ذلك باستهداف ميليشيات الحشد الشعبي داخل الأراضي العراقية.

ويزعم الباحثان أن هذه المناوشات التي آل إليها التنافس التركي الإيراني في العراق قابلة للتحول إلى صراع منخفض الكثافة بين وكلاء البلدين.

ولذا تخاف طهران من أن تستميل المصالحة التركية السعودية مزيداً من دول المنطقة إلى الاجتماع على سياسة إقليمية مشتركة، تشمل إسرائيل، ما يعني اجتماع إقليمي ضد إيران.

وربما كانت مخاوف إيران من سير الأمور في اتجاه المصالحة بين تركيا وإسرائيل هي الدافع وراء تحركات الاستخبارات الإيرانية لتخريب التعاون التركي الإسرائيلي عبر السعي لاغتيال رجال أعمال ودبلوماسيين إسرائيليين في إسطنبول، بحسب المقال.

 

ساحة سوريا

ويرى الباحثان أن المخاوف الإيرانية تمتد إلى الساحة السورية أيضاً، فالمصالحة بين تركيا والسعودية تهدد مكانة إيران هناك وتعرض نفوذها للخطر، لا سيما إذا طال تورط روسيا في مستنقع أوكرانيا.

وأشارا إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت تقارباً ضمنياً في المصالح بين تركيا وإسرائيل فيما يتعلق بالتصدي للنفوذ الإيراني في سوريا. فقد نفَّذت إسرائيل أكثر من ألف غارة جوية على أهداف إيرانية في سوريا، ولم تستنكر تركيا هذه الهجمات.

وأقدمت تركيا على تحرك قوي آخر، إذ وصفت أنقرة الميليشيات الموالية لإيران في سوريا عبر النسخة الفارسية من وكالة الأناضول بـ”الإرهابيين الموالين لإيران”.

وبينما كشف “أردوغان”، الأسبوع الماضي، عن خطة لبناء مساكن وإقامة مشروعات جديدة داخل المناطق الخاضعة للسيطرة التركية شمال سوريا، والغاية المعلنة من ذلك هي فتح الباب أمام عودة مليون لاجئ سوري طوعاً إلى بلادهم، يرى خبراء أن دول الخليج العربي، ومنها السعودية، قد يكون لها مشاركة في دعم هذه الخطة.

علاوةً على ذلك، فإن تجفيف الموارد المالية للميليشيات الكردية ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا يزيد من قوة أنقرة في سوريا، ويُضعف القوة التي تحوزها إيران عن طريق وكلائها.

 

حرب اليمن

وتعد اليمن الجبهة الأبرز للصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية هناك عارضت السعودية بشدة صعود الحوثيين وتوسع سيطرتهم على اليمن، ودفعها ذلك إلى إعلان التدخل العسكري في اليمن في مارس/آذار 2015، فيما دعمت إيران المتمردين الحوثيين بوسائل عديدة خلال سنوات الصراع.

ولا يزال الخلاف حول اليمن قضية رئيسية في المحادثات الجارية بين الرياض وطهران، وهو ما تبدوه فيه تركيا أقرب إلى السعودية، حيث عارضت أيضاً سيطرة الحوثيين على اليمن، وحرصت دائماً على إدانة هجماتهم على المملكة.

وبعد أن أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية إطلاق عملية “عاصفة الحزم” في اليمن في مارس/آذار 2015، زوَّدت أنقرة الرياض بدعمٍ استخباراتي وعسكري مهم.

وتتوجس إيران خيفة أن تؤول المصالحة السعودية التركية إلى تعاون عسكري بين البلدين، وتشتد مخاوف الإيرانيين من حصول الرياض على طائرات بيرقدار المسيرة التركية، لا سيما بعد ما أبانت عنه هذه المسيرات من قدرات عالية في ساحات قتال مختلفة خلال المدة الماضية.

واستشهد “باكير” و”إرسوي” بما ورد في تقرير صادر عن وكالة “تسنيم” الفارسية بعد زيارة “أردوغان” للسعودية، إذ سلَّط المقال الضوء على احتمال أن يؤدي تحسُّن العلاقات بين تركيا والسعودية إلى زيادة التعاون العسكري بين البلدين، وما قد يفضي إليه ذلك من مساعدة تركيا للسعودية في اليمن وبيعها الطائرات المسيّرة.

ويخلص المقال إلى أن صمود المصالحة التركية السعودية يتوقف على تفاوضين، الأول في بغداد بين الرياض وطهران بشأن خفض تصعيد التوتر بينهما، والثاني في فيينا بين إيران والقوى الغربية بشأن الاتفاق النووي، مشيرا إلى أن هذه المفاوضات وإن كانت لا تشارك فيها تركيا مشاركة مباشرة، فإن نتائجها ذات أهمية كبيرة لمسارات السياسة الخارجية لكل من أنقرة والرياض.