أكد مقربون من الكنيسة المصرية، أن الحكومة المصرية اتفقت مع شركة المقاولون العرب، لإنشاء أول كنيسة تتبع الأقباط الأرثوذكس بالمملكة العربية السعودية، على أن يتحمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تكاليف إنشاء الكنيسة كاملة.

وحسب الخبراء، فإن مسؤولي الكنيسة قدموا للحكومة المصرية تصميما للكنيسة المقترحة، واقترحوا في البداية أن تقوم شركة أوراسكوم تليكوم التي يمتلكها رجل الأعمال المسيحي نجيب ساوريس بتنفيذها، إلا أن الحكومة المصرية فضلت إسنادها للمقاولين العرب، باعتبارها الأكثر تنفيذا للمشروعات الحكومية الخاصة بدور العبادة.

ونسبت المصادر التي تحدثت لـ”عربي21″ لراهب كنيسة مسطرد القمص عبدالمسيح بسيط، الذي يعدّ أحد المقربين من الأنبا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريك الأقباط الأرثوذكس، تأكيدات بأن المسؤولين السعوديين يفاضلون بين الرياض ومنتجع نيوم في تبوك، لإنشاء الكنيسة المرتقبة، والتي لن تكون الأخيرة خلال الفترة المقبلة.

مصادر سعودية: بدء خطوات إنشاء أول كنيسة بالمملكة

وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع إعلان الحكومة المصرية في اليوم الأخير من 2018، تقنين أوضاع 80 كنيسة و88 مبنى اجتماعيا، بإجمالي 168 كنيسة ومبنى، ليصل عدد الكنائس والمباني التي تم توفيق أوضاعها خلال 2018 إلى 508 منشأة، من إجمالي 627 كنيسة ومبنى تم تقنين أوضاعها منذ بدء عمل لجنة تقنين أوضاع الكنائس المخالفة عام 2016.

من جانبه، يؤكد الباحث بالشؤون الكنسية ماجد مينا لـ”عربي21″ أن الفترة الحالية تمثل الأفضل بالنسبة للأقباط فيما يتعلق بعلاقتهم بالدولة المصرية، وهي العلاقة التي مكنتهم من حل أزمات ومشاكل متراكمة، خاصة عملية بناء وترميم الكنائس، وتقنين أوضاع المخالف منها، وهي المشاكل التي كانت تؤدي في الماضي لكثير من الأزمات بين المسلمين والأقباط.

ويضيف مينا أن مسؤولي الكنيسة مقابل هذه الامتيازات، يعرفون جيدا أن عليهم التزامات، لكنها في النهاية التزامات مقابلها يمثل مكسبا كبيرا للكنيسة لم تكن تتصور أن تصل إليه، مثل بناء كنيسة بالمملكة العربية السعودية، بصرف النظر عن المكان الذي ستكون فيه، لكن وجودها في حد ذاته يمثل موضع قدم للكنيسة في بلاد الحرمين، وهو ما كان مستبعدا في الماضي.

وفيما يتعلق بالمقابل الذي يقدمه الأقباط المصريون لصالح ولي العهد السعودي، يؤكد الباحث القبطي القريب من الكنيسة أنهم لم يقدموا شيئا، وإنما يحصلون على المكاسب، خاصة أن الكنيسة ترى أن ولي العهد شخصا منفتح مع غير المسلمين، ويريد أن يستخدم حرية العقيدة وإنشاء دور العبادة في تلميع صورته لدى الغرب، خاصة بعد حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وهو ما تدركه الكنيسة المصرية جديدا، وبالتالي لا ترى في دعمه ضررا، وإنما على العكس فإنها ترى في عدم وجوده خسارة لهم.

وعن تأثير المكاسب التي يقدمها نظام السيسي للأقباط على علاقتهم بالمسلمين، يرى مينا أن العلاقة بين المسلمين والأقباط تحت السيطرة، مستدلا بأن 2018 كان الأقل في العمليات الموجهة ضد المسيحيين، سواء الكنائس أو الأفراد، وهو ما تقدره الكنيسة جيدا، ولذلك تعتبر السيسي أفضل مسؤول تعاملوا معه، وسوف تعمل بكل جهدا لأن يظل بالحكم.

ويتفق الباحث السياسي أحمد الشافعي مع ما طرحه مينا، مؤكدا أن السيسي يتعامل مع ملف الأقباط بشقين، الأول سياسي بالحفاظ على كتلة صلبة هامة تقف معه في كل استحقاق سواء أكان انتخابيا أم سياسيا، بما يساعده كذلك في تبيض وجهه لدى المنظمات الدولية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان، وبالتالي فإن المنفعة متبادلة بين الطرفين.

ويضيف الشافعي لـ”عربي21″ أن ما يلفت النظر أن كل طرف من الطرفين لديه قناعة بأنه يقدم للآخر شيئا بسيطا، ويحصل في مقابله على مكاسب كبيرة، فالأقباط يرون في دعم السيسي أمرا طبيعيا وليس جديدا على الكنيسة التي كانت تدعم نظام مبارك أيضا، وفي المقابل فإن السيسي يعتبر أن تقنين الكنائس وما يقدمه للأقباط هو تقنين للوضع القائم، باعتبار أن هذه الكنائس كانت قائمة بالفعل.

وحسب الباحث السياسي، فإن الأهم من التعاطي السياسي هو التعاطي الأمني مع الأقباط، حيث شهد تقدما كبيرا خلال السنوات التي تلت انقلاب تموز/ يوليو 2013، موضحا أن الكنائس بمختلف المحافظات والمدن والقرى تحظى بحماية أمنية ليس لها مثيل، تتمثل في غلق الشوارع والطرق المؤدية للكنائس، ما جعل المصريين يشبهون الكنائس بالسفارة الأمريكية بوسط القاهرة، والتي كانت الوحيدة حتى وقت قريب التي يتم غلق كل الشوارع الموصلة إليها.

وفيما يتعلق بالتوافق المصري السعودي القبطي، يوضح الشافعي أن المصالح المشتركة بين النظامين الحاكمين المصري والسعودي كثيرة، كلاهما يستخدم أوراقه المتاحة للحصول على مكاسب من الآخر، وفي بعض الأحيان لدعم الآخر، وفي الحالة الأخيرة فإن الأقباط يعتبرون ورقة رابحة في يد كلا النظامين، وهو ما يصب في مصلحة الأقباط، الذين بدأت دائرة مشاركتهم الفاعلة في صياغة العلاقات العربية العربية، والعربية الدولية، بالتوسع، وهو ما لم يكن يحدث قبل ذلك.