احتفل السعوديون بنهاية عام 2021 بصخب في الصحراء، بينما غاب الملك سلمان بن عبد العزيز ولم يره أحد منذ شهور ربما لتقدمه في السن.
وتقول المتحدثة الرسمية باسم حزب التجمع الوطني مضاوي الرشيد إن الملك سلمان كان مختبئًا في مدينة نيوم الجديدة، وقد لا يكون لائقًا بدنيًا لإعلان التجديد السنوي لقسم الولاء الذي كان سيحدث عادةً هذا الشهر، بمناسبة مرور سبع سنوات على حكمه، لكن الملك سلمان لن يتنازل عن العرش ويبقيه شاغرًا حتى وفاته، حيث تشير الأمور إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان هو الحاكم الفعلي للمملكة.
وأضافت الرشيد في مقالٍ لها إن “افتعال الأمراء لمؤامراتٍ في القصر الملكي قد تكون خيارًا لتخليصهم من أمير شاب متعجرف لا يرحم”.
ومن المقرر أن يواصل بن سلمان تنفيذ سلسلة من الخطوات السياسية والدينية المثيرة للجدل والتي قد تطارده عندما يتولى منصبه رسميًا في حالة وفاة والده الملك، مثل سيناريو الكابوس الأكبر لديه هو المعارضة الداخلية داخل العائلة المالكة.
فمن غير المؤكد أن لديه إجماع من العائلة المالكة لتأكيده كملك مستقبلي، في غضون ذلك، كان يُحارب بلا هوادة للقضاء على المنافسين من العائلة المالكة.
وظهرت فضائح مؤخرًا حول اعتقال وتعذيب أمراء منافسين، بمن فيهم ولي العهد المخلوع محمد بن نايف وأبناء الملك عبد الله، حيث كشفت تسريبات رئيس المخابرات السابق سعد الجبري عن أسرار محرجة حول محادثات مع بن سلمان عندما هدد باستهداف الملك عبد الله بخاتم مسموم.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن بن نايف تعرض للتعذيب، بما في ذلك تعليقه بالمقلوب من كاحليه، لذا فمن الواضح أن الصورة القديمة لمحمد بن سلمان أثناء تقبيله يد بن نايف قد تم نسيانها، فيما يبقى مستقبل بن نايف في أيدي أسياده الأوائل في واشنطن، أي وكالة المخابرات المركزية، الذين لم يتدخلوا حتى الآن لتجنيبه هذا الإذلال غير المتوقع.
ومن الواضح أن محمد بن سلمان يتمنى موت بن نايف، لكن هذا لن يحل مشكلته الأكبر، حيث أن هناك أفرادًا من العائلة المالكة الساخطين الذين استاءوا من تهميشهم التام منذ عام 2015، وهم جميعًا صامتون في الوقت الحالي وقلقون على حياتهم، ولكن هل سيستمر هذا الحال لفترة طويلة؟
ومن غير المرجح أن يشن الأمراء المتنافسون تمردًا ضد ولي العهد، لأنهم أصبحوا جميعًا بلا قوة، ومع ذلك، لا يمكننا استبعاد الاضطرابات التي ستطارد بن سلمان لفترة طويلة.
فقتل الصحفيين واحتجاز المعارضين، أو تركهم مهملين وحرمانهم من الرعاية الطبية في السجن حتى وفاتهم، ليس مثل إخضاع أبناء عمومتك من العائلة المالكة لمثل هذه المعاملة، ففي النظام الملكي المطلق، يُعد تعذيب رعاياك أمرًا شائعًا ويمكن أن يستمر لفترة طويلة، لكن خلق الانقسامات داخل أسرتك الملكية يعد تحديًا مختلفًا وأكثر خطورة- بحسب الكاتبة الرشيد.
كما أنه من غير المحتمل أن يواجه ولي العهد تمردًا مفتوحًا، لكنه سيظل احتمال اغتياله يطارده في المستقبل. فلا يمكن لأي أمير منافس أن ينظم انقلابًا سريًا، لأنهم حُرموا جميعًا من القوة العسكرية، ولكن مؤامرات القصر قد تصبح خيارًا لتخليصهم من أمير شاب متعجرف لا يرحم.
إذا أصبح هذا ممكنًا، حينها يمكن للأمراء المتنافسين بالتأكيد الاعتماد على جيش من الوهابيين المحبطين والغاضبين المتشددين، الذين شاهدوا انهيار إمبراطوريتهم الدينية التي بنيت على مدى قرن من الزمان، فقد كان الوهابيون المخلصون هم العمود الفقري لآل سعود، الذين عهدوا إليهم بتدجين السكان العرب، وتلقينهم عقائدهم في أكثر التقاليد الدينية راديكالية، وضمان طاعتهم للأمراء.
في المقابل، استفاد الوهابيون من معونات الدولة السخية والوظائف والامتيازات والهيبة. فقد كانوا حقًا حراس العالم، و”الحكماء” الذين يجب طاعتهم من قبل السكان المترددين، وكانت أحكامهم مدعومة بالقوة العسكرية.
كما عمل آل سعود والوهابيون سويًا كجوقة، وعزفوا على ألحان بعضهم البعض باسم خدمة الله والملك. ولكن ليس بعد الآن؛ فقد أصبحت المملكة مقبرة لرجال الدين، على حد تعبير كتاب “باسكال مينوريه” الأخير.
وتقول الرشيد: “ستحدد كيفية إدارة بن سلمان للقوى المختلفة التي استفزها وأذلها ما إذا كانت خلافته ستؤدي إلى فجر جديد أو مشاكل جديدة”.
وبدأ محمد بن سلمان في تغيير هذه العلاقة التاريخية عندما شرع في مشروع للقضاء على الوهابيين من الحياة الدينية والعامة، واستبدل خطبهم وتهديداتهم بمعاقبة المخالفين بحفلات البوب، فإلى متى يمكن للوهابيين المهمشين أن يتحملوا رؤية مملكتهم الإلهية تغرق في الفجور؟ ربما تكون عودة طالبان إلى كابول الصيف الماضي بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي قد أعطت الأمل للوهابيين السعوديين المهينين.
من المؤكد أن الوهابيين سيعودون بالانتقام وسيكون هناك دماء، لأن إحياء التعصب يأتي دائمًا كطوفان عنيف، لكن هذا سيعتمد على كيفية استجابة الشباب السعودي لإحباطاتهم بسبب نقص الوظائف والفرص الاقتصادية والتضخم المرتفع والمزيد من الضرائب والمصاعب المالية، فإذا شعروا أنه ليس لديهم حصة في المملكة الجديدة فلن يخسروا شيئًا بالتركيز على مرشديهم من الوهابيين القدامى.
وتختتم الكاتبة بالقول إن محمد بن سلمان قد ينجح قريبًا في أن يصبح ملك المستقبل، لكن هذا لن يأتي دون تحديات جدية؛ فالطريقة التي يدير بها مختلف القوى التي استفزها وأذلها ستحدد ما إذا كانت خلافته ستؤدي إلى بزوغ فجر جديد أو مشاكل جديدة.