قال موقع معهد “ستراتفور” الأمريكي: إن رؤية السعودية الاقتصادية 2030 يصعب تسويقها وإقناع المستثمرين الأجانب بها، في وقت أسفر مؤتمر “دافوس في الصحراء” الأخير (نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، بالمملكة عن صفقات بقيمة 20 مليار دولار.

وتابع المعهد في تقرير له: “على الرغم من أن مبادرة مستقبل الاستثمار قللت أيضا من خطر العقوبات الأمريكية على سجل حقوق الإنسان في السعودية، إلا أن المستثمرين يقيمون إيجابيات وسلبيات ضخ الأموال في مملكة تعتبر العائدات بها بعيدة عن أن تكون مضمونة”.

وأضاف: “لا يزال المستثمرون حذرين من المخاطر الجيوسياسية الكبرى، مثل الحرب على إيران ونوبة غضب أخرى بسبب حقوق الإنسان يمكن أن تشعل حملة دولية لعزل السعودية، فضلا عن الاعتبارات المحلية مثل اتساق سياسات المملكة وسط انخفاض أسعار النفط والسياسات الشخصية لولي العهد محمد بن سلمان”.

وأشار التقرير إلى: أن مثل هذه العوامل ستؤدي في النهاية إلى إضعاف إستراتيجية الاستثمار السعودية وتجعل من الصعب تحقيق مسيرة العشر سنوات نحو رؤية 2030.

 

جدل العقوبات

وتابع: أنه “في العام الماضي، لم يكن المستثمرون والشركات يعرفون ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على السعودية على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018”.

وأردف: “مع كون الرياض محورا للإدانة الدولية، اغتنم عدد قليل منهم (المستثمرين) عرضا بحضور مبادرة مستقبل الاستثمار 2018 بعد 3 أسابيع فقط من مقتل الصحفي المعارض”.

وفي عام 2019، ذهبت بعض الشركات إلى حد رد أموال استثمار سعودية، بينما انتظرت شركات أخرى لمعرفة ما إذا كان الغضب السياسي في الولايات المتحدة سيترجم إلى أي شيء عقابي قانونيا.

وبحسب التقرير: صمد البيت الأبيض بحزم ضد هذه العقوبات والجزاءات، خشية أن يفقد نفوذه في المملكة وذهاب عقود الأسلحة المربحة إلى روسيا والصين.

وتابع: “أولا، جرى الاعتراض على محاولات إنهاء الدعم الأمريكي للسعودية في اليمن، ثم في مايو/أيار 2019، استخدم إعلان طوارئ لجمع 8.1 مليار دولار من مبيعات الأسلحة إلى السعودية وحليفتها، الإمارات (وكذلك الأردن)، بذريعة التهديد الإيراني. وفي النهاية، كانت إشارة البيت الأبيض واضحة، أنه سيحبط محاولات الكونغرس لمعاقبة السعودية، ولا توجد أغلبية ساحقة هناك لتجاوز حق النقض”.

ومضى التقرير: “ترك موقف إدارة ترامب المستثمرين أحرارا في تفسير مخاطر السمعة في التعامل مع المملكة بمفردهم. فقد قرر البعض سحب أموالهم أو إعادتها، مثل وكالة المواهب في هوليوود، إنديفور، التي أعادت 400 مليون دولار من الاستثمارات السعودية. أما الآخرون ، مثل أمازون، فقد توقفوا عن متابعة الصفقات المتفق عليها”.

كما ابتعدت هذه الشركات إلى حد كبير عن مبادرة مستقبل الاستثمار لهذا العام، لكن الحدث كان فاشلا، حيث أن أسماء كبيرة من القطاع المالي مثل SoftBank وBank of America وJPMorgan وChase هبت للمؤازرة، في حين كانت صناديق الثروة السيادية من الكويت وروسيا والإمارات العربية المتحدة حاضرة أيضا.

وتابع التقرير: “بالنسبة لأولئك الذين حضروا، كان من الواضح أن مخاطر السمعة لم تعد تهمهم كما كان الحال في عام 2018. هذا لا يعني أن سمعتهم لن تتضرر جراء العمل مع الرياض، لكنه يعني أنهم يعرفون الآن المخاطر ويعتقدون أنه يمكنهم تحمل أي ضرر لعلاماتهم التجارية”.

لكن على الرغم من أن المستثمرين يمكنهم الآن إدارة مخاطر السمعة بمعرفة معظم التأثيرات، إلا أن الكثير منهم ليسوا على استعداد للاستثمار في رؤية 2030، وفق التقرير.

 

4 أسباب

وعدد التقرير الأسباب قائلا: “أولا: التوترات مع إيران بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق. لقد أظهرت طهران أنها مستعدة لمضايقة ناقلات النفط بالقرب من السعودية، والأهم من ذلك، ضرب البنية التحتية للنفط داخل المملكة نفسها”.

ومنعت الرياض نفسها من الانتقام الذي قد يشعل صراعا أوسع، لكنها ليست في مقعد القيادة تماما فيما يتعلق بإيران. يتابع التقرير: “يمكن للولايات المتحدة، على سبيل المثال، أن تنتقم من ضربة إيرانية أخرى على الرياض، بموافقة سعودية أو بدونها”.

وبما أن إيران تقلل من التزاماتها تجاه الصفقة النووية لخطة العمل الشاملة المشتركة، يمكن لإسرائيل أن تختار ضرب المنشآت النووية الإيرانية لمنع حدوث اختراق نووي؛ “في مثل هذه الحالة، ليس هناك ما يضمن أن طهران لن تعاقب الرياض، الحليفة لإسرائيل بشكل هادئ ومتنام، ردا على ذلك”.

وأضاف: “ثانيا: تكافح السعودية من أجل تنفيذ سياساتها وبعض أهداف رؤية 2030، وخاصة المقترحات الأكثر تطرفا في المشروع، بسبب انخفاض أسعار النفط وارتفاع الطلب على نمط الحياة من السعوديين العاديين، نظرا لأن السعودية تعطي الأولوية للاستقرار الاجتماعي في بلدها الناشئ، فمن المرجح أن تبتعد عن المشروعات طويلة الأجل لصالح مشروعات أكبر ترضي الجماهير التي تنطوي على مزيد من الإنفاق الاجتماعي الفوري”.

ومع ذلك، يقول التقرير: “فإن ما ستعطيه المملكة للأولويات أمر غير معروف تماما، مما يخلق مخاطر للمستثمرين الذين يبحثون عن رهانات مؤكدة. في الواقع، تراجعت مشاريع أخرى إلى الهامش في الماضي، فقد تسبب انهيار النفط في عام 2014، على سبيل المثال، في أن يذهب عدد لا يحصى من المشاريع إلى طي النسيان”.

ومضى يقول: “ثالثا: من غير المؤكد ما إذا كانت جميع المشاريع التي تعرضها السعودية ستحقق العوائد التي تطالب بها المملكة، بالنظر إلى أن أسعار النفط المنخفضة تؤثر على الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، فإن البطالة السعودية لا تزال مرتفعة بقوة ولا يزال الطريق نحو تحويل الاقتصاد السعودي غير واضح”.

ويوضح: أن أسعار النفط المنخفضة تؤثر – جنبا إلى جنب مع تهديد الحرب مع إيران – بالفعل على قيمة الاكتتاب العام الأولي الأول الكبير لشركة النفط العربية السعودية (أرامكو)، حيث يعد الاكتتاب العام، الذي تأمل الرياض أن يولد ما يصل إلى 1 تريليون دولار إلى 2 تريليون دولار، رمزا للطموحات العالية ولكن هناك حقائق أكثر قسوة تخص إستراتيجية الاستثمار في البلاد.

وتابع التقرير: “أخيرا: لا يوجد أي ضمان بأن السعودية كدولة استبدادية، لن ترتكب عملا آخر يستدعي الاحتقار الدولي، مثل قتل خاشقجي.في حالة حدوث ذلك، يمكن أن تجد الرياض نفسها في مواجهة عقوبات جديدة ليس فقط من الولايات المتحدة، ولكن من أوروبا أيضا”.

وهذا من شأنه أن يعيد المستثمرين إلى دائرة الضوء، حيث يتعين عليهم التساؤل عما إذا كانت العقود التي يوقعونها اليوم ستقع تحت وطأة العقوبات غدا. في الوقت نفسه، يمكن أن تؤدي انتخابات الولايات المتحدة الرئاسية لعام 2020 إلى إطاحة الإدارة التي فعلت الكثير لحماية المملكة.

واختتم التقرير: “تمكنت السعودية من التهرب من خطر فرض عقوبات أمريكية على إستراتيجيتها الاستثمارية في الوقت الحالي، لكن هناك تحديات أخرى لا تزال قائمة، وأبرزها احتمال الحرب مع إيران والافتقار إلى الوضوح بشأن ما ستحدده الرياض. مع بداية عام 2020، ستجد المملكة أن المستثمرين ما زالوا يتساءلون عن رؤية 2030، ولن يكون لديهم دائما إجابات سهلة يمكن تقديمها”.