أصدر “معهد الدراسات الأمنية” التابع للاتحاد الأوروبي، دراسة استشرافية لمستقبل الدول العربية العام 2030، إذ استعرضت فيها ثلاث سيناريوهات متعلقة بالوطن العربي، ولا سيما السعودية خلال العقد المقبل، في ظل صراعات وأزمات تشهدها المنطقة.

وتسلط الدراسة الضوء على أحداث لم تقع بعد، لكنها من المتوقع أن تحصل في العقد المقبل، حيث تبنى عليها تغييرات كبيرة بالعالم العربي والمنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بعلاقة الدول العربية فيما بينها، والأزمة الخليجية، وعلاقة السعودية مع إسرائيل، والصراع مع إيران، والوجود الأجنبي بالمنطقة.

 

السيناريو الأول

انطلقت الدراسة من هذا السيناريو بالكثير من التفاؤل على اعتبار تحقق وعود محمد بن سلمان في الإصلاحات، وقالت: إن “آفاق التعاون الإقليمي بين الدول العربية ستصل خلال العقد المقبل إلى مستوى غير مسبوق، في أعقاب التقارب بين إيران والسعودية وتسوية أزمة قطر، ويدعو الملك (ولي العهد حاليا) محمد بن سلمان إلى قمة عربية لمراجعة شاملة لقوانين الجامعة العربية، بما في ذلك مراجعة ميثاقها”.

وبحسب السيناريو، فإن هذه المراجعة  تؤدي إلى سهولة وتحرر حركة المواطنين العرب، ووضع آليات لمنع الصراع. فبعد “انسحاب” الولايات المتحدة من المنطقة، وتراجع  تأثير أوروبا، وعدم اهتمام الصين في التوغل في سياسات الشرق الأوسط، تنجح دول المنطقة في إدارة شؤونها بكفاءة جيدة.

وبخصوص العلاقة بين الرياض وتل أبيب، رأت الدراسة أن “إسرائيل والسعودية رغم أنهما قد أقامتا أخيرا علاقات دبلوماسية (بلغت ذروتها في زيارة شخصية تاريخية قام بها العاهل السعودي إلى إسرائيل) سمحت بمشاريع بنية تحتية كبيرة في الأراضي الفلسطينية، لم يحدث أي تقدم في إنشاء دولة فلسطينية. علاوة على ذلك، لا يشعر الإسرائيليون ولا الفلسطينيون بالسلام والأمن، وبشكل خاص نتيجة “الانتفاضة الرقمية”، وهي حركة اختراق تهدف إلى تعطيل الخدمات والبنية التحتية الإسرائيلية، دخلت عامها الرابع الآن ويبدو من المستحيل وضع حد لها.

وتوقعت الدراسة أن تحرز المنطقة بشكل عام بعض التقدم المهم في مختلف مؤشرات الحكم: بدأت بطالة الشباب في الانخفاض لأول مرة منذ عام 1990 وتبلغ الآن 24 بالمئة. القطاع الخاص في نمو مستمر، والفضل يعود إلى الابتكارات في القطاعات الرقمية والطاقة والتكنولوجية، وتحسين الأمن.

وتابعت: “على الرغم من أن الاعتماد على الواردات الغذائية لا يزال مرتفعا، فقد اتخذت جميع الدول العربية تقريبا احتياطات لحماية سكانها من صدمات الأسعار الناجمة عن الأحداث المناخية. بعد عقدين من التحول المؤلم، يبدو المستقبل العربي أخيرا واعدا”.

 

السيناريو الثاني

لخصت الدراسة هذا السيناريو بناء على القرارات الخاطئة التي اتخذها صناع القرار في العالم العربي في العقد الأخير، إذ توقعت أن يصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في النهاية خلال صيف عام 2025، إلى الاعتراف بأن الحرب في اليمن كانت ببساطة قرارا خاطئا.

أشارت إلى أنه “بعد سبع سنوات من بدء الحرب لأول مرة، تقلصت القدرة العسكرية للحوثيين، لكن نفوذهم السياسي ظل قويا – وأدى الضرر العام الذي لحق بسمعة المملكة العربية السعودية إلى تقويض دورها القيادي الإقليمي وتقييد وصولها إلى أسواق الأسلحة الأوروبية. كما أخّرت الحرب اليمن 26 سنة من حيث التنمية وكلفت أرواحا تقدر بــ 482.000 قتيل.

بالنسبة للنخب في الرياض، ترى الدراسة أن لها حدودا، ما يمكن أن تحققه القيادة السعودية الجديدة. ونتيجة لذلك، بدأت المقاومة المحلية للتغيرات المجتمعية المقترحة في النمو، وأدى صراع على السلطة بين الملكية ورجال الدين إلى تقويض صعود محمد بن سلمان إلى نجم إقليمي – هذا بالإضافة إلى الاشتباكات المتكررة مع البحرية الإيرانية.

وزادت: بحلول الوقت الذي كانت فيه جهود إعادة الإعمار قد بدأت أخيرا في اليمن، يكون التغير المناخي قد أدى إلى مزيد من الأضرار في البنية التحتية وتوفير الخدمات والاستقرار السياسي. فالطعام أصبح شحيحا، والمياه ملوثة، والكهرباء في حالة انقطاع متكرر. وتصبح صنعاء تقترب من نهاية مخزونها من المياه الجوفية، بالإضافة إلى قضاء موجات الحرارة على ما تبقى من نشاط القطاع الخاص.

وتابعت الدراسة: على الرغم من المساعدات الواسعة النطاق المبذولة لليمن، فإن اليمن يكافح بشدة من أجل التعافي من الحرب ومواجهة عدد لا يحصى من التحديات الأخرى التي ما برحت تشكل تحديا له منذ فترة طويلة. ومع تصميم السعودية على تحويل اليمن إلى قصة نجاح، لكنها في تصميمها هذا لا تواجه التحديات المالية والسياسية فحسب، وإنما تدخل في سباق مع الزمن بفضل التغير المناخي.

وبحسب السيناريو الثاني للدراسة، فإن ولي العهد يدرك أن المشاحنات المستمرة مع إيران بدأت تكلف بلده الكثير سياسيا واقتصاديا. فبالإضافة إلى تقلب أسعار النفط والذي يعد مشكلة في حد ذاته، يساهم عدم الاستقرار في تباطؤ وربما توقف كثير من عناصر رؤية 2030 في المملكة العربية السعودية. بعد عدة فصول من التصعيد بين السعودية وإيران (بما في ذلك مواجهة بحرية في مضيق هرمز)، تنتهي الرياض إلى أن تقبل استحالة الحل العسكري أمام منافستها التقليدية، فتلجأ للوساطات.

وترى الدراسة أن المحاولة الأولى للحوار عبر الولايات المتحدة تفشل  إلى حد كبير بسبب تراجع تأثير البيت الأبيض وقلة نفوذه في طهران. وقد تنجح المحاولة الثانية التي توسّط كلا من العراق والاتحاد الأوروبي والصين، وتؤدي إلى سلسلة من المحادثات الجانبية التي تسفر عن مؤتمر دولي لإعادة بناء الثقة في الخليج. ومع عدم إرضاء المبادرة لولي العهد، يجد نفسه مضطرا للموافقة عليها.

 

السيناريو الثالث

في السيناريو الأخير، بنت الدراسة توقعاتها بناء على سوء تقدير القادة العرب لردة فعل خصومهم، إذ يصل اليمن إلى حالة مأساوية في المعاناة، فقد انتهت الحرب في عام 2030 بتكلفة 1.8 مليون قتيل، و657 مليار دولار كتعويضات، وعيش ثلاثة أرباع السكان في فقر مدقع. ويصبح من المتوقع أن تنفد موارد صنعاء من المياه في وقت لاحق من ذلك العام.

ومن المتوقع أنه مع شروع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في برنامج إعادة إعمار على مدى واسع، إلا أن الأمر سيستغرق 39 عاما للعودة إلى مستويات التنمية البشرية التي كانت عليها اليمن في عام 1991. وبالنظر إلى البؤس الذي يعيشه الناس، فليس من المستغرب أن تشهد القرصنة قبالة الساحل اليمني زيادة بنسبة خمسة أضعاف.

وخلال هذه المرحلة، ترى الدراسة أن الرياض تحاصرها عدة مخاوف أخرى: الصراع مع إيران الذي يدخل عامه الثامن الآن، والذي يتألف من هجمات على ناقلات النفط السعودية والبنية التحتية للطاقة فيها، بالإضافة إلى الهجمات الإلكترونية.

وبحسب الدراسة، فإن هذه المناوشات تشكل خسائر حقيقية لدى اللاعبين من الناحية الاقتصادية حيث أن الصين، التي كانت بالفعل في طريقها إلى تنويع مصادر الطاقة لديها، أصبح لديها سبب آخر لتقليص العلاقات مع المنطقة غير المستقرة سيئة السمعة.

كما يضر الصراع أيضا باستحقاق المملكة العربية السعودية للقيادة الإقليمية، ويتجلى هذا التراجع في مكانة المملكة كقائد إقليمي في فشل مبادرتها للتواصل مع إسرائيل، بحيث لا يتبعها أي بلد عربي في المنطقة للتطبيع، بحسب الدراسة.

وفي الوقت نفسه، تتوقع الدراسة أن تتمكن الإمارات العربية المتحدة من التفوق على المملكة العربية السعودية على الرغم من حجمها المتواضع بفضل تفوقها العلمي وصعودها كقوة بيئية بعد انسحابها المبكر من اليمن (مع أن دورها في ليبيا أدى إلى الحد من مكانتها بعض الشيء).

بالنسبة إلى الوضع في داخل المملكة العربية السعودية، رأت الدراسة أن تبطّئ السياسة الإقليمية زخم الإصلاح الداخلي الذي أعقب إصدار رؤية 2030، فتبقى نسبة بطالة الشباب مرتفعة، تزيد على 30 بالمئة، كما أن معدلات السمنة في ارتفاع مستمر. وتصبح الهجمات الإرهابية (التي ينفذها الحوثيون والقاعدة على حد سواء) أحداثا شهرية تقريبا أكثر من مجرد مصدر إزعاج على الرغم من انخفاض مستويات الوفاة.

وبخصوص مجلس التعاون الخليجي، فتتوقع الدراسة أن يتوقف عن العمل، بينما تصبح أزمة قطر أطول حصار جوي في التاريخ. وبالإضافة إلى جامعة الدول العربية واتحاد المغرب العربي، يصبح مجلس التعاون الخليجي ثالث منظمة متعددة الأطراف معطلة في المنطقة.