اعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن نتائج زيارة رئيس أركان الجيش الباكستاني “قمر جاويد باجوه” للسعودية في 17 أغسطس/آب الجاري ولقائه نائب وزير الدفاع “خالد بن سلمان”، تكشف أن الصدع في العلاقة بين الرياض وإسلام آباد آخذ في التطور.

وذكر مدير برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة “سايمون هندرسون”، في تحليل نشره موقع المعهد الرسمي، أن زيارة الجنرال الباكستاني كانت محاولة لتأخير الصدمة الكبيرة في العلاقات الثنائية، لكن من غير الواضح تحقيقها لنجاح يذكر، رغم ادعاء الحكومة الباكستانية بأنّه قد تم تقريباً حل المسائل [العالقة] مع السعودية، وتقليل رئيس الوزراء “عمران خان” من أهمية الخلافات الثنائية، بقوله: “الشائعات بأن علاقاتنا مع السعودية قد توترت كاذبة تماماً”.

فبعد عودة “باجوه” إلى بلاده، وصفت البيانات الصادرة عن القوات المسلّحة الباكستانية المحادثات التي أجراها في الرياض بأنها “عسكرية في الأساس” دون ذكر أي تفاصيل بشأن التقدم في القضايا المالية العالقة أو موضوع موقف السعودية من قضية إقليم كشمير، المتنازع عليه مع الهند، ما يعني أنه لا يوجد شيء يمكن الإبلاغ عنه، بحسب “هندرسون”.

ولما كان “باجوه” يتمتع بقوة أكبر من “خان”، الذي غالباً ما يُعزى فوزه في انتخابات عام 2018 إلى أنّ الجيش لم يرُقه المرشّحون الآخرون، وتشكل سيطرته على الأمن والسياسة النووية أداته الرئيسية في التعامل مع الرياض، فإن هكذا نتيجة لزيارة الرياض تؤشر إلى عمق الصدق في العلاقة السعودية الباكستانية.

وتشير التقارير الأخيرة إلى أنه رغم إمكانية قيام باكستان بعرض المساعدة النووية على السعودية منذ سنوات، إلّا أن الصين باتت تهيمن الآن على هذا الدور.

ووفق تقدير معهد واشنطن فإن هكذا تطور يعني انعكاسا مقلقا بالنظر إلى الأزمة المحلّية المتصاعدة في باكستان، التي ربما تتفاقم ظروفها الاقتصادية الخطيرة بسحب النقد السعودي بعدما طالبت الرياض إسلام آباد بسداد مبكر لقرض قيمته 3 مليارات دولار.

وكان من المقرر في الأصل سداد القرض السعودي لإسلام آباد عبر دفعات في وقت لاحق من هذا العام والعام المقبل 2021.

وعلى إثر ذلك، اضطرت باكستان في يوليو/تموز إلى سداد مليار دولار من القرض الذي وافقت عليه الرياض عام 2018. فيما يخوض الطرفان الآن مفاوضات صعبة بشأن سداد ما تبقي من الدين، وفقا لما أوردته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.

وقد تسدّ المساعدة الصينية لباكستان هذه الثغرة، لكنّها تأتي ضمن شروطٍ قد تُحبط مفاوضات إسلام أباد مع “صندوق النقد الدولي”، ولذا طار وزير الخارجية “شاه محمود قريشي” إلى بكين في 20 أغسطس/آب لحضور اجتماع وصف بأنه “مهم للغاية”.

وتسبب كشمير في انقسام جزءٍ كبيرٍ من العالَم الإسلامي، ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، نظّمت ماليزيا مؤتمراً أُدرجت فيه قضية الإقليم ذي الأغلبية المسلمة على جدول الأعمال، ونظراً إلى الموضوع وقائمة الحضور – التي تضمنت خصمي السعودية إيران وتركيا – ضغطت الرياض على باكستان للانسحاب، وهو ما قامت به في اللحظة الأخيرة على الرغم من أنها كانت إحدى الداعمين الرئيسيين لعقد هذا الاجتماع.

وفي وقتٍ سابقٍ من الشهر ذاته، وتحديدا في الذكرى السنوية الأولى لقرار نيودلهي باستعمال القوة لتعليق جزء كبير من الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به كشمير طالب ” قريشي” بأن تدعو “منظمة التعاون الإسلامي” ومقرها السعودية إلى عقد اجتماع وزاري حول القضية، وأشار إلى أنه بخلاف ذلك ستعقد باكستان اجتماعها الخاص.

ويلفت “هندرسون” في هذا الصدد إلى أن الخلاف بين الرياض وإسلام آباد يعود بالأساس إلى التحوّل الذي أجراه ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في السياسة الخارجية السعودية، إذ يرى أنّ علاقات المملكة مع الاقتصاد الهندي ذي المستوى العالمي أكثر أهمية من روابطها مع باكستان، وذلك على الرغم من السنوات التي أمضتها الرياض في تمويل البرنامج النووي لإسلام آباد حتى ظن كثيرون أن بإمكان السعودية اللجوء إلى هذا البرنامج إذا ما حدثت أزمة أمنية كبرى في الخليج.

ويشير مدير برنامج برنستاين لشؤون الخليج إلى أن تهميش السعودية لقضية كشمير يُفسِح المجال أمام تركيا أو إيران لتحدّي قيادتها المزعومة للعالم الإسلامي وربما حتى الدور التقليدي للعاهل السعودي بصفته “خادم الحرمين الشريفين”.