أثار قرار المملكة العربية السعودية إعادة افتتاح القسم القنصلي في سفارتها بالعاصمة الأفغانية كابول، تساؤلات عما إذا كانت الخطوة تعني تطبيع العلاقة مع حركة طالبان، التي تولت الحكم بعد الانسحاب الأميركي من البلاد في أغسطس/آب 2021.

وأعلنت وزارة الخارجية السعودية، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، افتتاح القسم القنصلي بسفارة بلادها في كابول، اعتبارا من تاريخ البيان، مشيرة إلى أن ذلك يأتي “انطلاقا من حرص الحكومة على تقديم كافة الخدمات القنصلية للشعب الأفغاني”.

 

تقدم بالعلاقات

خطوة المملكة قابلتها حكومة طالبان بترحيب كبير، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، عبدالقهار بلخي، إن “فريقا دبلوماسيا مكونا من 14 عضوا من سفارة السعودية عاد إلى كابول، واستأنف الخدمات القنصلية للأفغان”.

وكتب بلخي على “تويتر” في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021: “نرحب بهم ونقدر هذه الخطوة العميقة من قبل الحكومة السعودية ونعتبرها بداية علاقات جيدة”.

وقبل ذلك، أعلنت خارجية الحكومة الأفغانية إرسال خمسة آلاف جواز سفر إلى السفارة الأفغانية في السعودية، مؤكدة أنها ستعالج في المستقبل القريب بشكل تدريجي إصدار جوازات السفر لدول أخرى، بما في ذلك المملكة.

ودعت السعودية إلى عقد اجتماع وزاري استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن الوضع الإنساني بأفغانستان، مشيرة إلى أن باكستان عرضت استضافته في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أن الشعب الأفغاني يواجه أزمة إنسانية خطيرة يرجح أن تتفاقم مع حلول فصل الشتاء، وأنه بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة تشمل الغذاء والدواء والمأوى.

وحذرت السعودية من انهيار اقتصادي محتمل للدولة وتدهور أكبر للأوضاع المعيشية ما قد يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار بالمنطقة.

وحثت الدول الأعضاء بالمنظمة، والدول والمنظمات الدولية المدعوة من غير الأعضاء، على المشاركة الفاعلة في الاجتماع الوزاري الاستثنائي لبلورة وحشد تحرك إسلامي إنساني مشترك لمساعدة الشعب الأفغاني.

ومنتصف أغسطس/ آب 2021 سيطرت حركة “طالبان” على أفغانستان بالكامل، بموازاة آخر مرحلة من الانسحاب العسكري الأميركي من البلاد التي اكتملت نهاية الشهر ذاته.

وفي 22 من ذات الشهر ترأست السعودية اجتماعا عاجلا لمنظمة التعاون الإسلامي دعت له بشأن أفغانستان، وخلص إلى أهمية إجراء حوار بين الأطراف الأفغانية وإحلال السلام.

وكانت السعودية إحدى أبرز ثلاث دول اعترفت بحكم حركة طالبان لأفغانستان بعد انتهاء الاحتلال السوفييتي للبلاد، وذلك بمعية كل من باكستان ودولة الإمارات العربية المتحدة بين أعوام 1996 و2001، حيث انتهى حكمها باحتلال أميركي للبلاد استمر 20 عاما.

 

إجراء طبيعي

وبخصوص دوافع السعودية لإعادة تطبيع العلاقات، قال المستشار والباحث في العلاقات الدولية، سالم اليامي، إن “تطبيع العلاقات مع طالبان أصبح من الأمور الطبيعية، لأن نظرة المجتمع الدولي للحركة اختلفت عن التسعينيات”.

ورأى الباحث السعودي خلال تصريحات في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن هناك “ضرورة لأن يبقى الجميع موجودا في أفغانستان.. دول كثيرة تعيد علاقاتها وتتعامل مع النظام الجديد والمملكة ضمن هذه الحزمة”.

ولفت إلى أن “التمثيل الدبلوماسي في أفغانستان موجود قبل الأزمة الأخيرة في أعقاب خروج القوات الأميركية وسوء الظروف الأمنية في كابول”، مؤكدا أن “بعثات دبلوماسية كثيرة عادت إلى بلدانها لتلافي الأوضاع الأمنية، وعودتها عمل طبيعي لممارسة أعمالها بعد أن سمحت الظروف بالوجود”.

وأعرب اليامي عن اعتقاده أن “المملكة تعتقد أن إقامة علاقات مع طالبان مهم”، لافتا إلى أن “اعتراف السعودية بحكم الحركة في التسعينيات له وضع خاص”، وفق وصفه.

وأردف: “اليوم الوضع مختلف لأن هناك قبولا دوليا. روسيا لم تسحب بعثتها الدبلوماسية وبقي السفير إلى اليوم، كما أن الصين وباكستان ودول أخرى كثيرة ليس لديها موانع (بالاعتراف بطالبان) كما هو الحال في التسعينيات”.

وبحسب معلومات نشرها موقع “إنتلجيس أونلاين” الفرنسي المعني بشؤون الاستخبارات، في أغسطس/آب 2021، فقد كلف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مؤخرا رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل باستئناف الاتصالات مع قادة طالبان الذين سبق له التعامل معهم منذ أكثر من عقدين.

وتركي الفيصل الذي يبلغ من العمر الآن 76 عاما خدم رئيسا لأجهزة الاستخبارات السعودية بين عامي 1979 و2001، وكان أحد المشاركين في حشد الدعم العربي لما كان يسمى آنذاك “الجهاد الأفغاني” وتنسيق المقاومة مع المقاتلين الأفغان خلال الغزو السوفييتي للبلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وفقا لموقع “إنتلجيس أونلاين”، فقد اجتمع فيصل مؤخرا مع الملا يعقوب، نجل مؤسس طالبان الملا عمر، وعقد أيضا اجتماعات مع المسؤول البارز في الحركة، الملا عبد الغني برادر، في قطر.

في الأيام التي أعقبت سيطرة طالبان على السلطة، أشادت الولايات المتحدة بقطر، الدولة التي شهدت علاقتها بالسعودية فتورا في السنوات الأخيرة، لدورها في إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص من مطار كابول بالتنسيق مع الحركة، وفقا للموقع.

 

“تراقب السلوك”

وفي المقابل، قال المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، إن المملكة “ما تزال تراقب سلوك السلطة الحاكمة في كابول، والعلاقة بين السعودية وأفغانستان طالبان مرتبطة بسلوك الإدارة الجديدة”.

ورأى آل عاتي خلال تصريحات صحفية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن “سحب المملكة لبعثتها الدبلوماسية من كابول كان إجراء أمنيا أكثر منه سياسيا، بسبب اضطراب الأوضاع بعد سيطرة الحركة الراديكالية هناك”.

وأوضح المحلل السياسي قائلا: “تلك الخطوة لم تكن تعني قطعا للعلاقات الدبلوماسية مع الأفغان بقدر ما هو إجراء مؤقت فرضته التطورات ويتيح للسعودية فضاء للتحرك مستقبلا إذا أرادت إعادة بعثتها الدبلوماسية أو إنهائها”.

وبرأي آل عاتي، فإن “عودة القنصلية السعودية للعمل جاءت بسبب حاجة الشعب الأفغاني للدعم الإنساني مع هجوم الشتاء القارص في ظل أوضاع معيشية وسياسية مأساوية تتطلب مزيدا من المعونات بكافة أنواعها”.

ونوه إلى أن “السعودية دولة كبيرة ومؤثرة إسلاميا ودوليا، وأنها تتصرف دوما من منطلق كونها قائدا للعمل الإسلامي المشترك وتعتبر نفسها معنية بمساعدة الدول الشقيقة والوقوف معها في كافة قضاياها وأزماتها”. وتابع: “لذلك كانت وما تزال (المملكة) قريبة من الشأن الأفغاني”.

وأشار اليامي إلى أن افتتاح القسم القنصلي من السفارة السعودية في كابول مهم للشعب الأفغاني، موضحا أن المملكة ترغب دائما في مد جسور التواصل، وهذا ما أشار له البيان الأول، على حد قوله.

وبحسب قول المحلل السياسي فإن “المملكة داعمة ومساندة للأفغان، ووجود القنصلية عمل مهم، لأنها تقدم خدمات جوهرية للسكان المحليين، خاصة فيما يتعلق بالحج والعمرة وهذا من طبيعة عمل القنصليات السعودية في الخارج”.

 

دور باكستاني

ورأى مراقبون أن عرض باكستان استضافة قمة منظمة التعاون الإسلامي لمناقشة الوضع الإنساني بأفغانستان في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2021، ربما يشير إلى وجود دور لإسلام آباد في الدفع نحو تطبيع العلاقة بين السعودية وحركة طالبان.

وشهدت العلاقة بين إسلام آباد والرياض تطورا ملحوظا بعد سنوات من الفتور.

وأعلنت السعودية في 27 أكتوبر/ تشرين الثاني 2021 عن تقديم 4.2 مليارات دولار كمساعدات لباكستان التي تواجه ضغوطا اقتصادية، بعد عدم استطاعتها التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

من جهة أخرى، قال خبراء لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، في الثاني من سبتمبر/أيلول 2021 إنه وإن كان الاعتقاد القائم أن العلاقات المباشرة بين السعودية وطالبان محدودة حاليا، فإن المملكة قد تستخدم حليفتها الإقليمية باكستان لتعزيز علاقاتها بالحركة واكتساب نفوذ لها عليها.

ونقل الموقع البريطاني عن جيرالد فيرستين، وهو سفير أميركي متقاعد وخبير بـ”معهد الشرق الأوسط”، قوله: “هناك الآن، كما كان دائما، تواصل وثيق بين إسلام أباد والرياض. وأتوقع أن مزيدا من المناقشات ستجرى”.