رغم الإنكار «الخافت» لحادثة حصول اجتماعات بين السعودية وإيران في العراق، فإن عناصر سياسية عديدة تشير، ومصادر عربية متقاطعة تؤكد، أن اجتماعا حصل في العاصمة العراقية بغداد في التاسع من الشهر الجاري بين الرياض وطهران.

سبقت الاجتماع، كما تشير المصادر، زيارة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى السعودية، ويبدو أن وفدا أمنيا إيرانيا كان في بغداد قبلها أرسل رسالة إلى الجانب السعودي، وكذلك فإن لقاء قريبا جرى في يوم الاجتماع نفسه، وفي بغداد أيضا مع وفد أمني من الأردن ومصر.

وسبق كل ذلك مفاوضات استكشافية جرت في بداية العام بين مسؤولين كبار في الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإماراتية، وأن الكاظمي اتصل بعدها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليوصل الموافقة الإيرانية على الاجتماع بوفد سعودي في بغداد.

 

اشتملت المفاوضات على أربعة عناصر رئيسية:

– الأول هو ملف اليمن، والتصعيد الحوثيّ الكبير الذي يشهد حالياً تقدما على جبهة مأرب،

– والثاني هو الملف اللبناني، الذي يشهد استعصاء يهدد البلد بالانهيار والتفكك،

– والثالث هو ملف الاتفاق النووي الإيراني ومفاوضات فيينا،

– والرابع هو أمن مياه الخليج.

يظهر عقد الاجتماع في بغداد نجاح رئيس وزراء العراق الكاظمي في الاستفادة من الحيثيات المعتدلة لشخصيته السياسية، وكذلك إلى حاجة كل من إيران والسعودية إلى وسيط لا يُحتسب، بشكل كامل، على أي من البلدين، وهو أمر لم يكن متوفرا في رؤساء الحكومات العراقية السابقين عموما.

يكشف الأمر أيضا عن إحساس الطرفين بالإشكالية التي ترتّبت على دفع أجندة الحسم العسكري أو السياسي إلى نهاياتها، وخصوصا في لبنان واليمن، والحاجة، بالتالي، إلى الوصول إلى نوع من التسوية بعد أن وصل الخراب إلى حدود قصوى، ليس في البلدين فحسب، بل في مجمل المنطقة العربية، بما في ذلك سوريا والعراق، كما وصلت القيادتان إلى نتائج اقتصادية قاسية في بلديهما، وإن اختلفت الأسباب.

القاسم المشترك الأعظم، الذي يدفع لمفاوضات، وإمكانية تسوية، بين السعوديين والإيرانيين هو قلق الطرفين على أوضاع ساحتين عربيتين مهمتين.

بينما يبدو أن تقدّم الحوثيين في اليمن، وفشل محاولات وقف توسعهم (ناهيك عن هزيمتهم) هو العنصر الأول على أجندة الرياض، فإن قلق طهران يتركز على وضع حليفها الكبير «حزب الله» في لبنان، بعد زيادة العقوبات الدولية ضده، وشمولها بعض حلفائه المسيحيين (وكذلك الانهيار الاقتصادي وتفجير مرفأ بيروت).

ضمن هذا الاتجاه، لا يمكن تجاهل الموقف الأمريكي المستجد لإدارة جو بايدن، والذي أضعف موقف السعودية عسكريا وسياسيا باليمن وجعل إيران أكثر تقبلا لحلحلة الأوضاع العسكرية والسياسية في بعض مناطق نفوذها الكبرى.

وما لم يحصل تغيّر كبير في التوازنات العسكرية والسياسية، فإن الأمور يمكن أن تقترب لتهدئة في اليمن، مقابل إيجاد طريقة لدخول «حزب الله» بشكل مباشر أو غير مباشر، في الحكومة اللبنانية.