عاد بيان منظمة “القسط” حول تأييد محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة في السعودية، الأحكام الصادرة بحق ثلاثة رجال من أبناء قبيلة الحويطات، الحديث عن معاناة أبناء القبيلة بسبب “مشروع نيوم” إلى الواجهة، فيما يتجادل خبراء تحدث معهم “موقع الحرة” حول المنفعة العامة للمشروع.

وأشارت منظمة “القسط”، المدافعة عن حقوق الإنسان في السعودية، الأسبوع الماضي، إلى “تأييد محكمة سعودية أحكام إعدام صدرت بحق 3 أفراد من قبيلة الحويطات، وهم شادلي وإبراهيم وعطالله الحويطي”، بعد رفضهم عمليات إخلاء السكان من أجل “نيوم”، معتبرين أنها قسرية وتهجر السكان من أرضهم.

وفي حين يمكن الطعن في هذا الحكم أمام المحكمة العليا في السعودية، فإنه إذا أيدت المحكمة العليا بدورها تلك الأحكام الصادرة بحقهم، سيكون الرجال الثلاثة معرضين لخطر الإعدام الوشيك.

وحسب ما ذكرته “القسط” فمنذ اعتقال شادلي في عام 2020، تعرض لمختلف أنواع التعذيب وسوء المعاملة في السجن.

وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية، التي تأسست للبحث في قضايا الإرهاب، قد أصدرت أحكاما على شادلي وإبراهيم وعطالله في 2 أكتوبر 2022 بعد تقديمهم للمحاكمة في وقت سابق من العام.

وحُوكموا، حسب القسط، بعدد من التهم الغامضة في ما “يتعلق بأعمالهم السلمية، بما فيها النشاط على تويتر، بموجب نظام مكافحة جرائم الإرهاب السعودي لرفضهم بناء مدينة نيوم على أراضٍ تسكنها عادة قبيلتهم”.

وشادلي أحمد محمود الحويطي هو أخ عبد الرحيم الحويطي الذي قتلته قوات الأمن السعودية في أبريل 2020 في منزله في “الخريبة”، في منطقة تبوك، الواقع ضمن الأراضي التي خصصتها السلطات لمشروع “نيوم”.

ولفت التقرير الصادر عن قسط إلى أن إبراهيم صالح أحمد الحويطي كان ضمن الوفد الذي التقى باللجنة المعنية بنزع الملكيات الخاصة بمشروع “نيوم”، في عام 2020.

 

تمرد على الدولة؟

يقول الناشط المعارض السعودي المقيم في لندن، محمد العمري، إن بعض أبناء قبيلة الحويطات مازالوا معتقلين في السجون السعودية.

ويتحدث لموقع “الحرة”، عن محاكمة لأبناء القبيلة لأنهم شكلوا حالة تمرد على الدولة بعد رفضهم “الإخلاء القسري” من منازلهم بمنطقة مشروع نيوم.

ويتطرق في حديثه إلى “وجود نساء وأطفال قصر من أبناء القبيلة محتجزين لدى السلطات السعودية”، ويقول إنه “حكم على بعض النساء بالسجن مدد طويلة ومنهن حليمة الحويطي وغيرها من النساء المساندات لأزواجهن في الرفض”.

وحسب حديثه فإن “السلطات السعودية استخدمت تهمة الإرهاب لتبرير عملية استخدام القوة في إخراج أبناء الحويطات من منازلهم”.

ويقول إن السلطات السعودية “صدمت” عندما وثق عبدالرحيم الحويطي الحصار المفروض على منزله وحديثه المطول، قبل وفاته، عن “أسباب قد تؤدي إلى مقتله”، ولذلك توقفت السلطات بالمملكة عن ادعاء مبرر الإرهاب وتحولت المحاكمات إلى سرية”، على حد قوله.

وفي أبريل 2020، أطلقت قوات الأمن النار على عبد الرحيم الحويطي، أحد السكان المحليين المعارضين لترك مناطقهم والذي أطلق في وقت سابق حملة إلكترونية يشرح فيها ما يحدث، وفقا لتقرير سابق نشرته “فرانس برس” في مايو 2020.

ونشر فيديوهات عديدة على الإنترنت انتقد فيها الحكومة متعهدا بعدم إخلاء منزله في مدينة الخريبة، وقال إن معظم السكان يرفضون ما وصفه بـ”الترحيل والتهجير القسري وإرهاب دولة”.

وأعلن عبد الرحيم في مقاطع الفيديو رفضه “التهجير القسري” الذي تمارسه السلطات بحق أهالي المنطقة في سبيل تنفيذ المشروع، وفق منظمة “القسط”.

وقال في أحد منشوراته “هذه منطقتي وسأحميها”، وقال أيضا “لن أتفاجأ إذا قدموا إلي الآن وقتلوني”.

ووقتها أعلن الأمن السعودي عن مقتل “المطلوب للعدالة” في تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن، مشيرا إلى العثور على عدد من الأسلحة في منزله.

وكتب العضو في المجلس الاستشاري لنيوم، علي الشهابي على “تويتر”، “ما حدث في نيوم كان موتا مأساويا لأحد سكان قرية يجري نقلها”.

وقارن الشهابي ذلك بالقوانين في الدول الغربية التي تسمح للحكومات بمصادرة الأراضي الخاصة لاستخدامها لمشاريع، موضحا “هذا يحدث كل الوقت في كلّ أنحاء العالم عند بناء الطرق وسكك الحديد والسدود”، حسب “فرانس برس”.

 

ما الذي يحدث في نيوم؟

في عام 2017، كشف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن مشروع نيوم في إطار جهود طموحة من أجل تنويع مصادر دخل المملكة والحد من اعتماد اقتصادها على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات العامة.

وسيكلّف بناء مدينة “نيوم” 500 مليار دولار، ومن المقرّر أن تقام في شمال غرب البلاد لتطلّ على البحر الأحمر، وستضم سيارات تاكسي طائرة ورجالاً آليين، بحسب السلطات.

والموقع الذي يرتقب إقامة مدينة نيوم المستقبلية عليه والمطل على البحر الأحمر، يسكنه حوالي 20 ألف شخص معظمهم من قبيلة الحويطات، حسب “فرانس برس”.

وبدأت قضية قبيلة الحويطات تحديدا في يناير 2019، عندما أبلغت القبيلة السلطات السعودية رفضها مغادرة أرضها من أجل المشروع.

واعتُقل العشرات من أبناء قبيلة الحويطات واحتُجزوا وصدرت أحكام بحقهم بالسجن لفترات طويلة بسبب مقاومتهم السلمية لإخلاء منازلهم، بحسب منظمة القسط.

ويقول محمد العمري، إن “أبناء قبيلة الحويطات وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الدولة”.

ويشير إلى ” فرض السلطات السعودية نزوح أبناء القبيلة من مناطقهم، دون تقديم حلول عادلة كبناء مدينة خاصة بهم للحفاظ على حياتهم الاجتماعية وتاريخهم أو إدماجهم في مشروع نيوم كما حصل في مشروعات سابقة”.

ويتحدث عن “رفض أهالي الخريبة وما جاورها من أبناء قبيلة الحويطات الخروج من المنطقة لأسباب تاريخية”.

ويسكن أبناء القبيلة في تلك المنطقة من مئات السنين، ولهم امتداد في الأردن وشبه جزيرة سيناء المصرية، ولذلك فهم يعتبرون ترحليهم من تلك المناطق “قسريا واجتثاث لجذورهم التاريخية”، وفقا لحديث العمري.

لكن على جانب آخر، يشير عضو مجلس الشورى السعودي السابق والخبير الاقتصادي، فهد بن جمعة، إلى أن نيوم مشروع استراتيجي إقليمي عالمي وله مستقبل كبير وأثر اقتصادي على السعودية بأكملها.

وفي حديثه لموقع “الحرة” يؤكد أن “المملكة تتبع سياسة التنمية المتوازنة وتنظر للتوزيع السكاني والكثافة السكانية في جميع المشروعات ومنها مشروع نيوم”.

ويقول بن جمعة إن “المصلحة العامة فوق الخاصة، وعندما تكون هناك مصلحة عامة فهي تطبق على الجميع وفقا لنظام الدولة”.

ويرى أن الحديث عن “تنكيل” بأبناء قبيلة الحويطات “غير منطقي”، مؤكدا أن “السعودية تهدف للإصلاح بالمنطقة باعتبار أن نيوم مشروع كبير واستراتيجي ينمي المنطقة ويجذب السياح”.

ويقول: “إذا كنت من أبناء المنطقة سأكون سعيدا جدا لأن المشروع يحسن الحياة المعيشية ويطور الأعمال ويوظف الشباب من أبناء المنطقة”.

 

رفض للتطوير؟

يعد مشروع نيوم جزءا من خطة الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية التي أطلق عليها اسم “رؤية 2030” والتي طرحها محمد بن سلمان في عام 2016 وتهدف إلى جذب الاستثمارات الخارجية وتنويع الاقتصاد لوقف الارتهان التاريخي للنفط.

واعتبر بعض المنتمين لقبيلة الحويطات، أن مشروع نيوم يمثل “خيرا للمنطقة”، وقالوا إنه لا يقف أمامه إلا “مفلس” و”حاسد”، وفقا لما نشرته صحيفة “المدينة” السعودية عام 2020.

ونقلت الصحيفة عن عون بن عبدالله أبو طقيقة شيخ شمل قبائل الحويطات، قوله “نقف صفا واحدا خلف قيادتنا الرشيدة، ونشكرها على مشروع نيوم لخدمة أبنائنا وتعليمهم”.

لكن العمري يقول إن “المنطقة بقيت سبعين سنة مهمشة ومهملة ويعيش أهلها حياة بدائية وفجأة تم إبلاغهم بإخلاء منازلهم”، واصفا القرار بـ”الصادم”.

وحسب حديثه فإن “عمليات التهجير جاءت دون المرور على جهات تنفيذ القرار بالبلدية ولم يسمح لأبناء المنطقة بالتظلم في المحاكم”.

ويقول إن “لجان التهجير تأتي من الرياض مباشرة وتتعامل بشكل عنصري مع أبناء القبيلة، ما أزم الوضع وجعل من الصعب الوصول إلى أي تسويات”.

لكن على جانب آخر، يشير بن جمعة إلى أن المشروع يساعد أبناء المنطقة على بناء “مستقبل أفضل، ويخدم الجميع ولا يقتصر على قبيلة ما”.

ويستنكر بن جمعة حديث بعض أبناء الحويطات عن “تهجيرهم قسريا”، ويقول إن “التنمية الاقتصادية المستدامة تكون دائما لصالح المواطن”.

ويتسأل مستنكرا “من يرفض التنمية الاقتصادية المستدامة والحصول على فرصة عمل داخل المنطقة؟”، معتبرا أن “المشروع يدعم المنطقة اقتصاديا ولا يضرها”.

وفي الوقت ذاته، يشير إلى أن “المشروع الاستراتيجي” قريب من الأردن ومصر، ولذلك فهو يخدم المنطقة بأكملها.

ويطالب بن جمعة بالنظر إلى “المنافع العامة” للمشروع الذي سيفيد السعودية وكذلك دول الجوار باعتباره مشروعا إقليميا عالميا.

 

التعويض المالي.. بين الرفض والقبول

وعد المسؤولون بتقديم تعويضات لإعادة توطين الذين يغادرون مناطقهم، وكثير منهم يشغلون وظائف حكومية أو يعملون في متاجر صغيرة أو فنادق، وفق ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتقرير نشرته في أبريل 2020، لكن السكان المحليين قالوا إنهم لم يحصلوا على أي تفاصيل.

وفي 2020، أكد مصدر سعودي مطلع على سير المشروع لوكالة فرانس برس، أن الحكومة تعرض “تعويضات مالية سخية” للذين سيتعرضون للترحيل بسبب المشروع، بالإضافة إلى “عقارات جديدة” داخل المملكة.

وبحسب المصدر، أطلقت “نيوم” أيضا “برامج مسؤولية اجتماعية” للسكان المحليين، بما في ذلك منح دراسية للجامعات وبرامج تدريب مهني.

وأكد نشطاء لوكالة “فرانس برس”، رفض العديد من رجال قبيلة الحويطات ما وصفوه بعروض تعويضات “غامضة”، على الرغم من نشر وسائل إعلام سعودية بيانا صادر عن قبيلة الحويطات جدد البيعة والولاء للعاهل السعودي وولي عهده.

ويرى نشطاء أن مشروع “نيوم” مصمم لجذب الزوار الأجانب في مملكة محافظة، ولا يتوقع أن يستفيد منه السكان المحليون، حسب تقرير سابق لـ”فرانس برس”.

ويؤكد العمري موافقة بعض أبناء القبيلة على الخروج من المنطقة بـ”الإكراه، بعد إجبارهم على القبول بالتعويض”.

لكن على جانب آخر، يقول بن جمعة إن “لا أحد يرفض التعويضات، لأن التعويض دائما أكبر من قيمة الأرض”، معتبرا أن من يرفض التعويضات هو “الخاسر”.

ويقول بن جمعة إن التعويضات تزيد بنسبة 25 بالمئة عن القيمة السوقية للأرض.

 

ماذا بعد؟

يشير بن جمعة إلى أن مشروع “نيوم” يخدم جميع سكان السعودية والزوار من خارج المملكة ولا تقتصر منافعه على قبيلة أو منطقة بعينها”، على حد تعبيره.

ويؤكد العمري أنه تم احتواء قضية تهجير أبناء الحويطات بـ”قسوة” فتبعثر جهد القبيلة وأصبح تعاملها مع السلطات السعودية “فردي”.

ويقول إن “أبناء قبيلة الحويطات لا يشكلون أي ضغط على السلطات السعودية ولا يستطيعون الاستئناف لتصحيح الوضع”، على حد تعبيره.