بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن صفقتها للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المعروفة باسم “صفقة القرن”، ودعوة الخارجية السعودية الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى بدء مفاوضات مباشرة حولها، بما يعني موافقة المملكة عليها، كشفت تقارير عبرية أن الرياض أبدت رغبتها في شراء عتاد عسكري من شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية “رفائيل” التي تشتهر بصناعة صواريخ “سفايك” المضادة للدروع والمضادات الأرضية.

وفي مقابلة تليفزيونية له قبل أيام شرح “جاريد كوشنر” مستشار الرئيس الأمريكي وصهره، وعراب صفقة القرن، الخسائر التي يمكن أن تطال السعودية من رفض صفقة القرن حيث زعم “كوشنر” إن هناك “شركات في كلا الدولتين (إسرائيل والسعودية) تريد أن تقوم بأعمال تجارية مشتركة”.

ولا يقتصر هذا التعاون الآخذ في التزايد بين السعودية وإسرائيل (لا ترتبطان بعلاقات رسمية) على الأعمال التجارية، لكنه يشمل أيضا التعاون الأمني والعسكري، وتعود جذور هذا التعاون العسكري إلى سنوات سابقة، وتحديدا إلى عهد الملك الراحل “عبد الله”، حيث نشأت علاقة أمنية بين الرياض وتل أبيب بوساطة من الولايات المتحدة.

 

صواريخ سفايك

في إطار محاولتها الرامية لتعزيز علاقاتها مع تل أبيب، وتنويع محفظتها من الأسلحة، وعدم الاعتماد فقط على صواريخ “تاو” التي شرعت في استيرادها من شركة رايثيون الأمريكية منذ 2017، أبدت المملكة رغبتها في شراء عتاد عسكري من شركة “رافائيل” الإسرائيلية المتخصصة في صناعة الوسائل القتالية.

ووفق مجلة “إسرائيل ديفنس”، فإن شركة “رافائيل” الإسرائيلية التي تشتهر بشكل خاص بإنتاج صواريخ “سفايك” المضادة للدروع والمضادات الأرضية يمكن أن تزود السعودية بمنتجاتها عبر شركة متفرعة عنها تمثلها في أوروبا، حال حصلت على الإذن بذلك من الجهات الرسمية في دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم ذلك، فإن هناك مخاوف إسرائيلية من أن يتم استخدام أسلحتها المتطورة في يوم الأيام ضد قوات جيش الاحتلال، حال حدوث أي تحول في منظومة الحكم في السعودية قد يؤدي إلى تغيير في سياساتها تجاه (إسرائيل).

غير أن المجلة رجحت أن وزارة الأمن في تل أبيب يمكن أن تسمح لشركات السلاح الإسرائيلية بتصدير هذه الصواريخ إلى السعودية على اعتبار أن عمر صاروخ “سفايك” لا يتجاوز عشر سنوات، وهي مدّة لا يرجح أن تنشب خلالها مواجهة مسلّحة مع الرياض.

وبحسب “إسرائيل ديفنس” فإن “رافائيل” ترى في السوق السعودي، لا سيما بعد التطور الذي طرأ على العلاقة بين الرياض وتل أبيب، فرصة لتحسين قدرتها على تسويق منتجاتها.

 

برمجيات خبيثة

منذ قرابة عامين اقترن اسم السعودية بشركة مراقبة إلكترونية إسرائيلية هي “إن إس أو جروب” (NSO Group)، حيث يزعم أن المملكة قامت باستيراد برمجيات تجسس من إنتاج الشركة السعودية تم استخدامها في استهداف معارضين سعوديين على رأسهم الصحفي الراحل “جمال خاشقجي ” و”عمر عبدالعزيز” (لاجئ سياسي سعودي مقيم في كندا)، بخلاف “جيف بيزوس”، الملياردير الأمريكي مؤسس شركة “أمازون” ومالك صحيفة “واشنطن بوست”.

وفي الشهر الماضي، رجح خبراء من الأمم المتحدة، تورط شركة البرمجيات الإسرائيلية وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، في مخطط لاختراق هاتف “بيزوس”، الذي كان في وقت سابق من الأصدقاء المقربين من الأمير السعودي.

وقالت “أجنيس كالامارد”، مقررة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في قضايا الاختفاء القسري، و”دافيد كاي” موفد المنظمة لشؤون حرية التعبير، إن “لديهما معلومات تشير إلى تورط محتمل لولي العهد السعودي وشركة التجسس الإسرائيلية في الهجوم المزعوم الذي وقع في 2018”.

وأضاف المسؤولان الأمميان، أن “المعلومات التي جمعاها خلال الأشهر الأخيرة ترجح أن بيزوس وأشخاصا آخرين كانوا هدفا لحملة معقدة من القرصنة والتجسس دبرتها السعودية”.

وفي عام 2018، رفع “عمر عبدالعزيز” دعوى قضائية ضد شركة “NSO Grop” التي تحدثت تقارير عن تقديمها برامج تجسس على الهواتف الخليوية للعديد من الحكومات الأجنبية، وأشارت تقارير الى أن من بين الدول التي تشتري هذا البرنامج المسمى “بيغاسوس”، السعودية والإمارات العربية المتحدة وبعض الدول العربية الأخرى.

وجاءت الدعوى بعد أن كشف باحثون في جامعة تورونتو أن هاتف “عمر عبد العزيز” كان مخترقًا من قبل برنامج تجسس من الدرجة العسكرية، وهو برنامج تابع لشركة إسرائيلية تم نشره بإيعاز من الحكومة السعودية وفق قناة “سي إن إن”.

وفى وقت سابق الشهر الماضي، طلبت منظمة العفو الدولية من الدولة العبرية إلغاء ترخيص التصدير الممنوح لمجموعة (إن.إس.أو) والتي قيل إن حكومات تستخدم برامجها الإلكترونية في التجسس على الصحفيين والمعارضين.

 

سلاح أمريكي ومكاسب إسرائيلية

ووفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبيري” فإن السعودية كانت أكبر مستورد للأسلحة في العالم الخمس سنوات الماضية، حيث استحوذت على 12% من الواردات العالمية.

وخلال الفترة ذاتها، ذهبت أكثر من نصف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط، إلى السعودية، والتي حصلت وحدها على 22% من اجمالي المبيعات الأمريكية، مما يجعلها السوق الأكثر أهمية بالنسبة لأمريكا.

غير أنه وفقا لصحيفة ذا ماركر الإسرائيلية فإن شركات إسرائيلية حصلت على حصة كبيرة من أرباح صفقات السلاح الضخمة الموقعة بين الرياض وواشنطن.

وأكد التقرير أن الصفقات الأمريكية السعودية ستحدث طفرة في أعمال الشركات الإسرائيلية وستوسع مشاريعها بسبب حجم الطلبات الهائل الذي يجب توفيره في الوقت المحدد.

ووفق، الصحيفة فإن المصانع العسكرية الأمريكية التي ستتولى توفير السلاح والأنظمة القتالية للسعودية، ومنها (لوكهيد مارتين، ونورثوغروب غرمان، وريثيون) تقوم أحيانًا بتسويق منتجات شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية “رفائيل” وغيرها من الشركات الإسرائيلية.

 

تعاون قديم

وفى 2015، سلط مقتل “كريستوفر كريمر” (50 عاما) مندوب شركة سلاح إسرائيليّة في ظروف غامضة بالسعوديّة، الضوء على التعاون الخفي بين الرياض وتل أبيب.

وكان “كريمر”، مسؤول المبيعات في شركة (كلاوسمان)، التي تعتبر الفرع الأمريكيّ لشركة (إلبيت) الإسرائيلية المختصة بإنتاج تقنيات عسكرية، قد عثر عليه ميتًا في فناء أحد الفنادق في مدينة تبوك.

وفى حينها قالت السلطات السعودية إن “كريمر” انتحر بالقفز من غرفته في الطابق الثالث، بينما أصرت عائلته أنه قتل بفعل فاعل. وزعمت تلقيها رسائل من “كريمر” قبيل ساعات من موته تؤكد أن حياته في خطر، مشيرةً إلى أن هناك ما يدلل على أن الطرف الذي قتله كان معنيًا بإحباط الصفقة التي كان يبرمها في السعودية.

ونقلت تقارير صحفية عن محامي عائلة “كريمر” قوله إنّ “كريمر” توجه إلى السعودية لإصلاح خلل فني في منظومة صواريخ اشترتها الرياض من شركة “كلاوسمان”. وادعى المحامي أن السعودية أفسدت المنظومة عمدا للتراجع عن الصفقة واسترجاع المال الذي دفعوه.

ورأى مراقبون في حينها أن الصفقة التي تمت في عهد الملك الراحل “عبدالله” ربما لم تكن تحظى برضا كبير من الملك الجديد “سلمان بن عبد العزيز”.