دأبت الصحف الغربية على تسليط الضوء على مسار العلاقات بين ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد، منذ كان ولي عهد أبو ظبي، وتقديم قراءات في مؤشرات التقارب والتباعد بينهما، وما يحمله كلا الاتجاهين من دلالات وربطها بمجريات الأحداث التي تشهدها بلدانهم والمنطقة العربية، وانعكاسات السياسات الخارجية عليهم.
وسلطت الصحف الغربية الضوء على أن كل من بن سلمان وبن زايد يريدان أن تكون لهما الريادة والدور الرئيسي في المنطقة، بالإضافة إلى تنافسهما على الثروة والاستثمارات والنفوذ والرياضة، الأمر الذي جعل الخلافات بينهما تخرج للعلن بعد سنوات من إخفاء النار تحت الرماد، ومجاملة الطرفين بعضهما بأن علاقتهما راسخة ومصيرهما مشترك.
لترصد صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير نشرته في 18 يوليو/تموز 2023، خلافات بين السعودية والإمارات، مشيرة إلى أن بن سلمان ابتعد عن “مرشده” الرئيس الإماراتي، بسبب التنافس على الهيمنة في منطقة الخليج التي تراجع فيها التأثير الأميركي، ما يعكس التنافس على القوة الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط إلى جانب أسواق النفط العالمية.
وقالت إن ولي العهد لسعودي جمع الصحافيين المحليين في ديسمبر/كانون الأول 2022 لمحادثة نادرة وغير رسمية، وقدّم فيها رسالة صاعقة، تقول إن البلد الحليف لنا منذ عدة عقود، أي الإمارات “طعننا بالظهر” و”سيرون ماذا سأفعل”، وذلك بحسب أشخاص على معرفة بالنقاش.
وأشارت إلى أن الرجلين قضوا عقدا من الزمان وهما يصعدان سلم القوة في العالم العربي، وعندما وصلا القمة اختلفا حول من يصدر الأوامر في الشرق الأوسط الذي تراجعت فيه الهيمنة الأميركية، مؤكدة أن تباين المصالح بين بلديهما في اليمن، أثّر على جهود وقف النزاع، إلى جانب إحباط الإمارات من السعودية في مجال السياسة النفطية، ومحاولة زيادة أسعار النفط، التي خلقت تصدعات في منظمة “أوبك”.
وفي 23 يوليو/تموز 2019، قال موقع “Lobe Log” الأميركي إن بن سلمان سيعيد تقييم تحالفه مع بن زايد بعد قرار الأخير سحب قواته من اليمن، مشيرا إلى أن الرياض وأبو ظبي جمعهما تحالف إجهاض “الربيع العربي” وتطلعات الشعوب العربية منذ بداية الربيع العربي في الفترة ما بين عامي 2010 و2011، وتزايد مطالب التغيير الديمقراطي في العالم العربي.
وعدد الموقع الكوارث الذي تسبب فيها هذا التحالف، منها مساهمة الحليفان في عودة الاستبداد إلى مصر، من خلال تمويل نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بعدما أطاح بالرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي في عام 2013، وتدخلهما في اليمن بزعم إعادة الرئيس الشرعي، عبدربه منصور هادي، إلى العاصمة صنعاء، غير أن مآسيه الإنسانية تجاوزت هذا الهدف.
وكشفت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، في يونيو/حزيران 2020، أن الحليفين بن سلمان وبن زايد الشقيق الأكبر لمالك نادي مانشيستر سيتي أصبحا على الجانبين المتضادين في سياق بطولة الدوري الانجليزي الممتاز “بريميير ليغ”، التي ظهر خلالها مساع الاستحواذ على نادٍ من نوادي الدوري الإنكليزي الممتاز، وشراء نادي نيوكاسل بـ300 مليون جنيه استرليني.
وفي فبراير/شباط 2021، تحدث موقع “بلومبيرغ” عن أثر التنافس الاقتصادي المتصاعد بين الإمارات والسعودية على التحالف القوي بينهما، لافتا إلى أن العلاقة الشخصية بين ولي عهد السعودية وولي عهد أبو ظبي -حينذاك- وكلاهما حاكم فعلي لبلده سمحت لهما بتوجيه دفة مجلس التعاون الخليجي ووضع الأجندة للعالم العربي.
وقال إن الإماراتيين والسعوديين يبحثان عن طرق لتنويع الاقتصاد والابتعاد عن الطاقة الهيدروكربونية وتوسيع مجالات السياحة والخدمات المالية واللوجستية وصناعة البتروكيماويات والتكنولوجيا، ونظر لقلة المواهب المطلوبة لخدمة هذه الطموحات فإنها يتنافسان على جذب الخبرات الأجنبية والاستثمارات.
في 5 يوليو/تموز 2021، كشف صحيفة “فايننشال تايمز” عن تدهور في العلاقات السعودية الإماراتية على أكثر من صعيد، بما في ذلك الخلاف بشأن تصميم الإمارات على توسيع طاقتها الإنتاجية لدعم خطط تنويع الاقتصاد، مشيرة إلى وجود تصدعات بين البلدين، مع تباعد مصالح الرياض وأبو ظبي حول قضايا تتراوح بين إنتاج النفط، واليمن، والتطبيع مع “إسرائيل”، وطريقة التعامل مع وباء كورونا.
وكشفت أن أبوظبي تشعر بالقلق من سرعة المصالحة السعودية مع الدوحة على الرغم من القبول بالجهود التي تقودها السعودية لإنهاء الحظر التجاري والسفر المفروض على قطر، في حين أثار احتضان الإمارات لإسرائيل في أعقاب تطبيع العلاقات العام الماضي دهشة السعودية.
وكتب أندرياس كريغ في 7 يوليو/تموز 2021، مقالة في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أوضح فيه أن تنامي تباين المصالح بين الجارتين السعودية والإمارات أدى منذ 2019 إلى حدوث شقوق وتصدعات خطيرة في القشرة الرقيقة “الوفاق الاستراتيجي” الهش الذي حظي في السابق بترحيب كبير، كما تراجعت العلاقات بينهما بشكل ملحوظ منذ انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن.
وأضاف أن بن سلمان وبن زايد، الذي وصفهما بـ”الرجلين القويين” في منطقة الخليج، في فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هزا المنطقة بفرض إرادتهما على جيرانهما، وعمل بن زايد منذ تولي زمام الأمور في الدولة على وضع بن سلمان تحت جناحه، وفي المقابل، لم يكن هذا الأخير محرجاً على ما يبدو لتقديمه على أنه تلميذه.
وتابع كريغ: “لكن على مدى العامين الماضيين، أدركت الدائرة المقربة من بن سلمان، أن الجار الذي اعتبروه حليفاً، لم يكن راغباً في خلق مواقف رابحة لكلا الدولتين، ونظراً لأن بن سلمان يجلس الآن بقوة أكبر في مقعد السائق في الرياض، فإن فترة شهر العسل بين الرجلين قد انتهت بالتأكيد”.
وفي 13 يوليو/تموز 2021، كشف موقع “أوراسيا ريفيو” التحليلي، عن رغبة ولي عهد السعودية في الخروج من عباءة بن زايد الذي كان حينها نظيره في أبو ظبي، وأن بن سلمان لم يعد يريد أن يُنظر إليه على أنه ربيب معلمه السابق ونظيره الإماراتي، مؤكدا أن التنافس السعودي الإماراتي وطموحات قادتهما تجعل من غير المرجح التوصل إلى طرق هيكلية لإدارة الخلافات.
وأشار إلى أن هناك القليل من الشك أن الملك السعودي القادم المحتمل سيرغب في وضع حد للإشارة إلى أن الإمارات هي صاحبة القرار في الخليج والشرق الأوسط وليست المملكة.
وفي أعقاب اشتداد الخلاف النفطي بين الإمارات والسعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم وزعيمة مجموعة الدول المصدرة أوبك، حول تمديد استراتيجية خفض انتاج النفط في يونيو/حزيران 2021، قال موقع “أويل برايس” إن الخلاف لم يكن مفاجئ بسبب تزايد المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية بين الحليفين، وإنما وجد منفذاً للظهور من خلال هذه القضية، التي تبدو ثانوية.
وأشار الموقع في تقرير صدر في 14 يوليو/تموز 2021، إلى أن المنافسة بين السعودية والإمارات موجودة منذ سنوات، رغم ما بدا دائماً على أنه “صداقة” بين بن سلمان، وبن زايد، مؤكدا أنهما حلفاء عندما يتعلق الأمر بمواجهة النفوذ الإيراني، ولكن لديهما وجهات نظر متباينة بشأن قضايا جيوسياسية أخرى، كما يتنافسان على الاستثمار الأجنبي ضمن محاولة لتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد المفرط على النفط.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت في الشهر ذاته، عن محللين بالمنطقة، قولهم إن الخلاف العلني النادر بين الإمارات والسعودية فيما يتعلق بسياسة أوبك يشير إلى تنافس اقتصادي آخذ في التزايد بينهما، وإن كان لا يبدو كذلك إلا أنه سيشتد، لافتة إلى أن المملكة تتنافس مع الإمارات على رؤوس الأموال والمواهب الأجنبية في الوقت الذي تحاول فيه تقليص اعتماد اقتصادها على النفط.
وبالتزامن مع تغيير الإدارة الأميركية في واشنطن، سلطت صحيفة بوليكو الإسبانية الضوء على الخلافات التي ظهرت بين السعودية والإمارات، موضحة أن مصالح بن سلمان تتعارض على وجه الخصوص مع بن زايد الذي كان وليا للعهد حينها، وبدأ بدأ كلاهما معركة ذات أبعاد متعددة، تتجاوز الخلفية الاقتصادية، في الآن ذاته، يمكن أن يكون لهذا التنافس تداعيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
وأشارت في تقرير لها في يوليو/تموز 2021، إلى أن الشرق الأوسط شهد صدمات كبيرة، خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب التي استمرت أربع سنوات، لكن بن سلمان وبن زايد حافظا على علاقات وثيقة للغاية يبدو أنها قد انتهت منذ صعود الرئيس الأميركي بايدن.
وقالت إن مصالح الأميرين أصبحت متباينة، وأصبح بن سلمان لا يثق بحاميه، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن أهدافهما مختلفة، بل متعارضة؛ الأمر الذي دفعه إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات السياسية وقبل كل شيء الاقتصادية، التي حددت المسافات مع زميله الإماراتي، مشيرة إلى أن بن سلمان يلقي باللوم على بن زايد في مسائل ومجالات متنوعة.
وفي مايو/آيار 2023، كشفت مصادر استخبارية في تصريحات لموقع “إنتليجنس أونلاين” الفرنسي عن أزمة علاقات شخصية بين الرئيس الإماراتي وولي العهد السعودي، تسببت بإلغاء اجتماع أمني رفيع كان مقررا في 14 أبريل/نيسان 2023، بين رئيس جهاز المخابرات العامة السعودية خالد بن علي الحميدان، ومستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان.
وأشار إلى أن الاجتماع كان من المفترض أن يمهد الطريق لحوار جديد بين الزعيمين اللذين تسبب تنافسهما المتزايد في حدوث تصدعات بتحالفهما، مؤكدا أن مسؤولين سعوديين وإماراتيين يكافحون لرأب الصدع بين ابن سلمان وابن زايد، على خلفية التنافس السياسي والاقتصادي المتنامي بين البلدين.