عاشت السعودية عقوداً طويلة من الفوائض النفطية الضخمة في موازناتها العامة، إلا أنها باتت منذ العام 2014 تشهد عجزاً متزايداً، وديوناً متراكمة، وأزمات اقتصادية لا تنتهي، انعكست بالفشل على خططها ومشروعاتها الطموحة.

وكشفت الحكومة السعودية، الخميس (12 ديسمبر 2019)، أن عجز موازنة المملكة في 2020، قد يرتفع إلى 187 مليار ريال (49.86 مليار دولار) من 131 مليار ريال متوقعة (34.93 مليار دولار) في 2019، مع تضرر الإيرادات من جراء تراجع أسعار النفط.

ومع العجز الجديد يتوقع وصول مجموع العجز في موازنات المملكة السعودية منذ عام 2014 إلى نحو 435 مليار دولار.

 

عجز وديون

وفي تفاصيل موازنة العام المقبل قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في مؤتمر صحفي: إن “المملكة تتوقع إيرادات بقيمة 833 مليار ريال (222.1 مليار دولار) في 2020، انخفاضاً من 917 مليار ريال (244.5 مليار دولار) متوقعة لعام 2019”.

وأضاف الجدعان: إنه “من المتوقع أن ينخفض الإنفاق بشكل هامشي إلى 1.02 تريليون ريال (272 مليار دولار) في 2020، من تقديرات تبلغ 1.048 تريليون ريال (279 مليار دولار) في العام 2019”.

وتابع أنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة بنسبة 2.3% العام القادم، مقارنة مع 0.9% متوقعة في 2019.

وفيما يخص الدين العام قال الوزير السعودي: إنه “من المتوقع أن يرتفع في 2020 إلى 26% من الناتج المحلي الإجمالي، عند 754 مليار ريال (201 مليار دولار)، مقابل 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، أو 24% من الناتج المحلي الإجمالي متوقعة في 2019”.

وجاء توزيع الإنفاق العام في ميزانية 2020 على قطاعات الدولة المختلفة، احتل فيها الإنفاق على الصحة والتنمية الاجتماعية المرتبة الأولى؛ بتخصيص مبلغ 197 مليار ريال (52 مليار دولار)، ويليه قطاع التعليم بـ193 مليار ريال (51 مليار دولار).

وجاء الإنفاق العسكري في المرتبة الثالثة بتخصيص مبلغ 182 مليار ريال (48.5 مليار دولار)، أي بتراجع بنسبة 18.3% عن العام الحالي. وجاء الأمن والمناطق الإدارية في المرتبة الخامسة بتخصيص مبلغ 102 مليار ريال (27.20 مليار دولار).

وحل قطاع الإدارة العامة في المرتبة الأخيرة بمبلغ 28 مليار ريال (7.5 مليار دولار).

ويتوقع تقرير موازنة عام 2020 أن “ينخفض معدل نمو الناتج المحلي النفطي عام 2019 مقارنة بعام 2018 جراء التزام المملكة باتفاقيات أوبك بلس”.

وقدر التقرير الإيرادات غير النفطية للمملكة في عام 2020 بـ320 مليار ريال (85 مليار دولار) بزيادة قدرها 1.6%، وكانت هذه الإيرادات في عام 2019 قد بلغت 315 مليار ريال (84 مليار دولار).

 

بداية انكماش اقتصادي

يقول المحلل المالي عبد الرحمن العساف، في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين”: إن “موازنة السعودية للعام 2020 مؤشر مهم حول المخاطر التي يواجهها اقتصاد المملكة، والتراجع الحاد فيما يتعلق بتنفيذ خطط التنمية الطموحة، وهذا يظهر واضحاً في مؤشرات العجز والديون والإنفاق والإيرادات ومعدلات النمو”.

ويضيف العساف: “السعودية توقعت في موازنة العام 2019 تحقيق نمو اقتصادي بمعدل 2.6٪، ولكنها فشلت في ذلك، ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي للمملكة خلال العام الحالي 0.9٪، وهذا يعد انهياراً مقارنة بسنوات طويلة من الازدهار عاشتها السعودية قبل العام 2014، إضافة لأنه جرس إنذار لبداية انكماش اقتصاد الرياض”.

ويرى أن السعودية بالغت في تقديراتها بموازنة العام الماضي، ما ظهر في الفجوة بين التوقعات والأرقام الحقيقية في نهاية العام، مشيراً إلى أن المملكة لم تتعامل بواقعية مع اقتصادها، وبالغت بشكل كبير في الإنفاق.

ويبين أنه رغم تراجع اقتصاد السعودية فإن المملكة زادت إنفاقها العسكري خلال العام 2019 بواقع 7 مليارات ريال (نحو 2 مليار دولار) عن موازنتها المقررة في بداية العام، كما أنها خفضت إنفاقها على البنود الاقتصادية والموارد العامة بواقع 67 مليار ريال (نحو 18 مليار دولار) مقارنة مع أرقام الموازنة المقرَّة في بداية السنة.

ويعلق العساف على ذلك قائلاً: “كيف يمكن أن نصف زيادة الإنفاق العسكري وخفض النفقات الخاصة بالبنود الاقتصادية والموارد المالية إلا بأنه فشل وسوء إدارة لأموال البلاد”.

ويضيف: “الرياض حاولت التعامل بواقعية نسبية مع موازنة العام المقبل 2020، حيث قامت بتخفيض الإنفاق، بخلاف سياستها التي اتبعتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتوقعت تراجع الإيرادات وزيادة نسبة العجز”.

ويعتقد أن السعودية تحاول دعم نموها الاقتصادي من خلال خفض الإنفاق بعد فشل سياسة زيادة الإنفاق التي كانت متبعة سابقاً.

لكن النقطة الأكثر خطورة في موازنة 2020، كما يقول العساف، هي ارتفاع الدين العام؛ فالمملكة تتوقع أن يصل دينها بنهاية العام الجاري إلى 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، وذلك بزيادة نحو 118 مليار ريال (31.5 مليار دولار) عن 2018، بينما تتوقع زيادة بواقع 76 مليار ريال (نحو 20 مليار دولار) خلال 2020.

ويوضح أن الارتفاع المتواصل لديون السعودية دليل واضح على فشل محاولات المملكة لتنويع مصادر دخلها وتقليل الاعتماد على عوائد النفط.

 

فشل بالتنوع الاقتصادي

وحول قدرة المملكة على الخروج من عباءة الاقتصاد النفطي، يقول المحلل الاقتصادي محمد الشهري، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: إن “المملكة توقعت أن يصل مبلغ الإيرادات النفطية خلال 2020 إلى 513 مليار ريال (163.8 مليار دولار)، من أصل مجموع إيرادات يبلغ 833 مليار ريال (222.1 مليار دولار)”.

ويكمل الشهري: “هذه الأرقام تشير إلى أن عائدات النفط ما زالت تشكل ما يزيد عن 60٪ من إيرادات السعودية، وهذا دليل على فشل حكومة البلاد في الخروج من مستنقع الاقتصاد النفطي، وابتعادها عن النجاح في تنفيذ رؤية 2030 التي تعتمد بشكل أساسي على تحويل الاقتصاد بشكل شبه كلي للاعتماد على الإيرادات غير النفطية”.

وفيما يتعلق بزيادة نمو الناتج المحلي غير النفطي بنحو 2.5% خلال النصف الأول من العام 2019، يوضح الشهري أن الإيرادات غير النفطية لم تحصل السعودية على مجملها من مشاريع استثمارية، بل من خلال الضرائب والرسوم والغرامات التي بدأت المملكة بفرضها منذ العام 2017.

 

المواطن ضحية

ويشير المحلل الاقتصادي إلى أن تقرير موازنة 2020 توقع أن تبلغ إيرادات الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية نحو 16 مليار ريال (4.30 مليارات دولار) بمعدل نمو 2٪ مقارنة بالمتوقع في العام 2019.

وفي تقرير للإذاعة الدولية لألمانيا “دويتشه فيله” نشرته عبر موقعها الإلكتروني، ذكرت أن الرياض تمكنت من سد قسم كبير من عجز موازناتها خلال الأعوام الماضية عن طريق فرض وسائل متعددة؛ أبرزها فرض ضرائب ورسوم جديدة، إضافة إلى الاقتراض، ومصادرة أموال أمراء وأثرياء ورجال أعمال متهمين بالفساد.

وذكرت أن عوائد هذه الخطوات الضريبية لا تكفي لتغطية نفقات الدولة المتزايدة، وخاصة بمجال التسلح والأمن، الذي أنفقت عليه المملكة خلال العامين الماضيين أكثر من 120 مليار دولار، لتحتل بذلك المرتبة الرابعة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا.

وتوقع تقرير الإذاعة الألمانية فرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن خدمات وسلع؛ من أبرزها مصادر الطاقة، إضافة إلى خصخصة أجزاء إضافية من شركة أرامكو ومؤسسات حكومية أخرى.

المختص الاقتصادي الشهري توقع أيضاً أن تحمل الحكومة السعودية جزءاً كبيراً من عجز موازنتها ونفقاتها على المواطن؛ من خلال فرض ضرائب جديدة ورفع الدعم عن خدمات وسلع رئيسية مثل المحروقات.

 

رؤية 2030 نحو الفشل

ويبدو أن المشاريع الطموحة لرؤية 2030 ستكون ضحية فشل سياسات المملكة الاقتصادية، فبحسب ما ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية، فإن ولي العهد، محمد بن سلمان، غير راضٍ عن سير عملية تنفيذ مشاريع الرؤية، ويرى أن هناك حاجة لإعادة النظر فيها.

ونقلت الوكالة عن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، قوله: إن “مراجعة خطة 2030 تجري كل عام بناء على المعطيات المستجدة. ومن تبعات ذلك خفض البرامج والمشاريع ودمجها أو تعديلها، إضافة إلى استبدال مجالس إدارتها”.

وخلال الأعوام القليلة الماضية واجه الاقتصاد السعودي العديد من الضربات التي تسبّبت بهبوط جميع مؤشراته.

وتمثل أبرزها هذه الضربات بالهجمات التي تعرضت لها شركة أرامكو النفطية في سبتمبر 2019، والتي أدت خلال دقائق إلى تعطيل نصف الإنتاج النفطي السعودي.

وقبل ذلك أدت جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول إلى جعل صورة السعودية أكثر سوداوية وقتامة، لا سيما في عالمي السياسة والاقتصاد.