أثار قرار الحكومة السعودية الانضمام إلى منظمة “شنغهاي” للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني الكثير من الجدل عالميا، وسط حديث عن تقارب متزايد من المملكة مع الصين يقابله تباعد ملحوظ عن الولايات المتحدة.

ووافق مجلس الوزراء السعودي في 29 مارس/آذار 2023، على قرار الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، في الوقت الذي تبني فيه الرياض شراكة طويلة الأجل مع الصين، على الرغم من المخاوف الأمنية الأميركية.

وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن المملكة وافقت على مذكرة بشأن منح المملكة بصفة “شريك الحوار” في منظمة شنغهاي للتعاون.

وأكدت وكالة “رويترز” البريطانية في 29 مارس أن وضع الشريك في الحوار “سيكون الخطوة الأولى داخل المنظمة قبل منح المملكة العضوية الكاملة في منتصف المدة”.

وجاء القرار بعد يوم واحد من إعلان شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة، أنها زادت استثماراتها في بكين بعدة مليارات الدولارات من خلال إتمام مشروع مشترك كان مخططاً له في شمال شرق الصين.

كما جاء بعد توسط الصين في صفقة بين الخصمين اللدودين السعودية وإيران، على إعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية خلال مارس، عقب قطيعة استمرت 7 سنوات.

وهو ما عده مراقبون إنجازا سياسيا غير متوقع، وتساءلوا عما إذا كانت هذه الوساطة بداية لتراجع النفوذ الأميركي بالخليج.

ومنظمة شنغهاي للتعاون، هي كتلة سياسية واقتصادية وأمنية تأسست عام 2001، تضم الصين والهند وإيران وكازاخستان وقيرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان.

ثم توسعت لتضم الهند وباكستان، وتتطلع للعب دور أكبر في مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة.

ومن بين شركاء الحوار الآخرين أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ومصر ونيبال وقطر وسريلانكا وتركيا وبيلاروس ومنغوليا.

وينظر لمنظومة شنغهاي إلى جانب نظيرتها بريكس (الصين، وروسيا، والبرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا)، على أنهما باتتا البديل لنظيراتها في العالم الغربي بزعامة أميركا.

مثل منظومة الدول الثماني، وحلف شمال الأطلسي “الناتو” والنظام العالمي المالي القديم الذي تأسس على أنقاض الحرب العالمية الثانية.

وترجع أهميتها إلي تربع الصين على عرش العالم بشكل متسارع، وسحبها البساط تدريجيا من تحت أقدام الولايات المتحدة المنشغلة حاليا في حرب استنزاف اقتصادية وسياسية وعسكرية مع روسيا في أوكرانيا.

 

انفصال عن أميركا

أثيرت تساؤلات عن دلالات انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي التي تقودها الصين وهل يعني هذا انفصالا عن الولايات المتحدة؟ أم مجرد مناكفة من ولي العهد محمد بن سلمان لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مستخدما أدوات سياسية واقتصادية قوية؟

إذ أعربت السعودية ودول خليجية أخرى في أوقات سابقة عن قلقها بشأن ما تعده انسحابا من المنطقة من قبل الولايات المتحدة الضامن الأمني ​​الرئيس وتحركت لتنويع الشركاء لكن واشنطن قالت في بيانات رسمية عديدة إنها ستبقى شريكا نشطا لتلك البلدان.

وقالت وكالة “رويترز” 29 مارس 2023 إن علاقات الرياض المتنامية مع بكين تثير مخاوف أمنية في واشنطن حليفتها التقليدية، التي تقول إن سياستها تجاه الشرق الأوسط لن تتغير.

وأوضح محللون لمجلة “نيوزويك” الأميركية في اليوم ذاته أن هذه الخطوة “جزء من جهد واسع في السعودية وبعض دول الخليج المجاورة لتوسيع الشراكات الدبلوماسية إلى ما بعد الحلفاء الغربيين التقليديين في محور ملحوظ نحو الشرق”.

وكانت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تراجعت منذ أن تولى جو بايدن، منصبه قبل عامين بعد أن أصدر وعودا انتخابية بجعل المملكة الخليجية “منبوذة” بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان.

ونقلت “نيوزويك” عن المحلل السياسي السعودي، علي الشهابي، أن “المملكة تنتهج نهجا أكثر تنوعا لتطوير روابطها مع شركاء إستراتيجيين آخرين لتكملة علاقاتها مع الغرب”.

أوضح أن “إستراتيجية التنويع السعودية تحاول سد الثغرات التي خلفها فقدان الولايات المتحدة الاهتمام أو الإرادة في الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة”، بحسب تعبيره.

وقال إن “اعتماد الصين بشكل كبير على نفط الخليج جعل منها القوة العالمية صاحبة المصلحة الأكبر في استقرار الوضع الراهن”.

لذا عملت السعودية على جلب بكين إلى دور أكثر نشاطا في المساعدة على استقرار هذه المنطقة المضطربة، بحسب تقديره.

ورغم تأكيد محللين أن انضمام المملكة لـ “شنغهاي” لن يؤثر على علاقتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، يشير تحليل لصحيفة “رأي اليوم” في لندن 30 مارس 2023 إلى أنه “يُشكل صفعة قوية ومؤثرة لأميركا ودولارها”.

ورأت الصحيفة أن هذه الصفعات السعودية للولايات المتحدة “تؤكد تسارع خطوات فك الارتباط السياسي والاقتصادي والأمني بين البلدين بعد تحالفٍ استمر ما يقرب من ثمانين عاما”.

وشددت على أن “الاقتصاد والدولار الأميركي سيكونان من أبرز الضحايا في المستقبل المنظور”.\

لذا قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية 29 مارس 2023، إن انضمام السعودية لمنظمة شنغهاي، وتوجهها نحو الصين وروسيا، قد يقابل برد فعل عنيف من واشنطن.

أوضحت أن واشنطن “تشعر بالقلق من تعاملات شركائها الأمنيين التقليديين في المنطقة مع منافسيها العالميين”.

مجلة “ناشيونال إنتريست” الأميركية أكدت أيضا في 23 مارس 2023، أن دور الصين في إبرام الاتفاق السعودي مع إيران أدى إلى “بعض القلق المفرط في واشنطن”.

لكن أميركيين بدأوا يقولون إنه لا توجد مشكلة لأن أميركا لم تعد تحتاج السعودية، وفق المجلة.

وقالت المجلة، إن الولايات المتحدة لا تفكر في الخليج العربي سوى على أنه منطقة خاصة بها، وتحافظ على وجود عسكري كبير جداً هناك، وتميل إلى خوض الحروب فيها، وكانت لعقود زمنية الضامن الأساسي لعدم إعاقة وصول نفط الخليج للأسواق العالمية.

وفي المقابل، النفوذ السياسي الأميركي يتضاءل في الشرق الأوسط، وربما بشكل مقلق، والصين آخذة في الصعود، وفق “ناشيونال إنتريست”.

لذلك عنونت المجلة تقريرها بعبارة ذات دلالة تقول: “إن هذا هو الوقت المناسب لمغادرة (أميركا) الخليج”، وعدت تقارب السعودية وإيران بوساطة صينية “ليس خبرا سيئا”.

وأضافت: “بل في الواقع، يمثل فرصة ذهبية للولايات المتحدة للانخراط في إعادة تقييم طال انتظارها لالتزاماتها العسكرية والسياسية في المنطقة”.

تابعت: “الولايات المتحدة الآن في الموقف الذي لخصه بوب ديلان (مغن أميركي) في أغنية: “كنت أهتم .. لكن الوضع تغير”، حيث تغيرت أسواق الطاقة العالمية وصارت الولايات المتحدة الآن ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم.

لكن المفارقة أن هذا التوجه الأميركي، ولو إعلاميا، يخدم الصين وإحلالها محل واشنطن في الشرق الأوسط.

 

خسائر ومناكفات

أثار انضمام المملكة لـ “شنغهاي” تساؤلات عن الدلالات الاقتصادية الأخرى التي كان يتخوف منها الغرب باعتماد دول شنغهاي على عملات آسيوية أخرى بخلاف الدولار، ما سيشكل ضربة اقتصادية للدولار الأميركي.

وفي تعليقها على ذلك، قالت مونيكا كرولي مساعدة وزير الخارجية السابق للشؤون العامة بوزارة الخزانة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب إن “خطوة واحدة من السعودية بالانضمام لأعداء أميركا والتعامل بعملة غير للدولار ستقلب النظام الاقتصادي العالمي”.

وحذرت في 25 مارس 2023 من عواقب “كارثية” إذا فقد الدولار مكانته كعملة احتياطية في العالم”.

وقالت: “هذا سيعني نهاية الدولار”، متوقعة أنه “سيكون هناك انهيار كامل للنظام الاقتصادي العالمي”.

وكانت مونيكا كرولي ترد على سؤال لقناة “فوكس نيوز”: ما الذي سيحدث إذا ابتعدت الاقتصادات الناشئة عن الدولار الأميركي باتجاه اليوان الصيني ولم يعد هو العملة المهيمنة في العالم.

وشددت على أن وضع الدولار في وضع العملة الاحتياطية في العالم “كان امتيازًا حقيقيًا”، لكن السياسة النقدية والمالية الأميركية المتهورة لسنوات عديدة، وما أسمته “ضعف بايدن” خفضت قيمة العملة.

قالت: لدينا أعداء بقيادة الصين، التي تعمل على تشكيل كتلة اقتصادية جديدة والسعوديون سيكونون منفتحين على التفكير في تداول العملات الأخرى في النفط.

وشددت على أنه “إذا جرى ذلك، فسيحدث انهيار كامل للنظام الاقتصادي العالمي والأميركي، ولكن الأهم، أننا سنفقد هيمنتنا الاقتصادية وسنفقد وضعنا كقوة عظمى”.

وفي 15 مارس 2022 نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن “مصادر مطلعة” أن السعودية، التي أكبر مصدر للنفط في العالم، تدرس قبول اليوان الصيني بدلا من الدولار في مبيعات النفط للصين.

وقالت إن المملكة تجري محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان، وهي خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار على سوق النفط العالمية وتمثل تحولا آخر من قبل أكبر مصدر خام إلى آسيا.

وفسرت الصحيفة الأميركية الخطوة السعودية في حال جرت بالفعل بتساؤل: “هل تستخدم السعودية الصين للضغط على أميركا؟”

لكن “مسؤول أميركي كبير” وصف فكرة بيع السعوديين للنفط إلى الصين باليوان بأنها “غير مرجحة للغاية”، مشيرًا إلى أن السعوديين طرحوا الفكرة في الماضي عندما كان هناك توتر بين واشنطن والرياض.

وقال المسؤول لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “إن تحويل ملايين براميل النفط من الدولار إلى اليوان كل يوم يمكن أن يضر الاقتصاد السعودي، والذي ترتبط عملته الريال بالدولار الأميركي”..

ويرجح مراقبون ألا تتخلى السعودية عن الدولار لأجل اليوان الصيني، لأن ذلك سيضرها اقتصاديا.

قالوا إن الصين هي التي تحتاج إلى واردات السعودية النفطية أكثر مما تحتاج المملكة إلى عملة الصين المحلية.

ويشير تقرير “وول ستريت جورنال”: إلى أن الرياض من الصعب أن تتخلى عن الدولار، مستدلة باحتياطات السعودية من العملات الأجنبية، والتي بلغت 472.8 مليار دولار في عام 2020.

قالت إن تلك الاحتياطات، يمكن أن تغطي ديون الرياض الخارجية بشكل مريح، مما يمنحها مستوى من الاستقرار يجعلها لا تفكر في استبدال الدولار، مقارنة بدول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأخرى التي تعاني عجزا تجاريا وماليا كبيرا.

ويشير تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية في مارس 2022 إلى أن نسبة استخدام اليوان في التعاملات التجارية العالمية لا يتخطى 2.7 بالمائة وهي نسبة متواضعة مقارنة بـ 41 بالمئة للدولار الأميركي، الذي احتل المرتبة الأولى لعقود، و36.6 بالمئة لليورو.

وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تعد الصين أكبر مستورد من السعودية بـ 45.8 مليار دولار، ثم الهند بـ 25.1 مليار دولار، فاليابان بـ 24.5 مليار دولار، وكوريا الجنوبية بـ 19.5 مليار دولار، وأخيرا الولايات المتحدة بـ 12.2 مليار دولار.

وتعد المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم بقيمة 145 مليار دولار، والصين أكبر مشترٍ بـ 204 مليارات دولار سنويا، وفق أرقام قدمها موقع أوراسيا ريفيو في 30 مارس 2022، ولكنها أرقام تعود لسنة 2019.

وقد أكد محللون أميركيون لشبكة سي إن إن في 31 مارس 2023 أنه من غير المرجح أن تصبح العلاقة السعودية الصينية تحالفا شاملا، لأن اقتصاد المملكة مرتبط بواشنطن، وعملتها مرتبطة بالدولار.

كما أن السعودية تبيع نفطها للصين بالدولار، وتعتمد البنية التحتية الدفاعية للمملكة بشكل كبير على المعدات الأميركية.

وكل هذا دفع مراقبون لترجيح أن تكون الخطوات السعودية بالتقارب مع الصين وروسيا وإيران جزءا من لعبة سياسية لمنع الضغط الأميركي على المملكة والتلويح بانفصال تاريخي عنها.