24 ساعة فقط فصلت بين كتابة كلمة “إخلاء” باللون الأحمر على جدران آلاف المنازل جنوبي مدينة جدة الساحلية السعودية، وبين قيام الجرافات واللوادر بشكل مفاجئ بتنفيذ عمليات هدم لتلك المنازل، دون مبرر أو مناقشة، أو مسكن بديل.

كان هذا حال مئات الآلاف من السكان في جدة الذين لم يكن أمامهم سوى الصراخ والعويل في مواجهة قرار سلطات “محمد بن سلمان” القائد الفعلي للسعودية، بحسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، وهي تقوم بهدم أحياء كاملة جنوبي جدة، العاصمة الاقتصادية للمملكة.

وقال “ميدل إيست آي”، إن نحو مليون شخص على الأقل في جدة، وفقًا لتقديرات محلية، انقلبت حياتهم رأسًا على عقب في الثلاثة أشهر الأخيرة وسط عمليات هدم تقوم بها الحكومة على نطاق واسع.

وبينما ذكرت صحيفة “سبق” السعودية أن هذا الهدم جزء من خطة للتخلص من عشوائيات المدينة والمنازل غير المخططة لأجل سلسلة من مشاريع إعادة التطوير الكبرى، فإن سكان محليين قالوا للموقع إن الهدم شمل أحياء ومنازل جديدة وليست عشوائية، دون مبرر.

ووفق الموقع، هُدمت 10 أحياء على الأقل تمامًا وما زال العمل مستمرًا في 10 مناطق أخرى، تستهدف الخطة 60 منطقة تقع معظمها في الجزء الجنوبي للمدينة ومن المتوقع أن يستمر الأمر لعد أشهر.

ونقل الموقع عن عدد من السكان أن عمليات الهدم كانت مفاجئة ولم تمنحهم وقتًا كافيًا للتخطيط للانتقال إلى مكان آخر أو توديع أحيائهم التي عاشوا فيها لأجيال.

وأضاف السكان أن السلطات لم تضعهم في منازل مؤقتة تابعة للحكومة أو تعرض عليهم تعويضًا، ما حولهم فعليًا من أصحاب منازل إلى مستأجرين.

ولفت الموقع إلى أن النزوح تسبب في أزمة سكن، فقد ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل صاروخي في أنحاء المدينة، وفي بعض الحالات تضاعف الإيجار خلال عدة أيام فقط كما يقول السكان، وهناك كثيرون لا يمكنهم تحمل هذه التكلفة.

وبحسب شهود عيان، فقد أُجبر بعض الناس على إخراج أثاثهم في العراء فاحتموا بالجسور، بينما اضطرت بعض الأسر للنوم في سياراتها.

وقال أحد السكان: “هناك أسر سعودية لا تملك المال ولا يمكنها حتى تحمل تكلفة نقل أثاثها، هناك أطفال بحاجة للمدارس، وهناك كبار في السن وأرامل وأشخاص من ذوي الإعاقة، لقد رأيت نساءً يبكين في الشوارع”.

ونقل الموقع بعض صور الأقمار الصناعية التي بينت عمليات الهدم واسعة النطاق لأحياء بأكملها تحولت إلى غبار، في حي غليل – من أوائل المناطق التي هُدمت – تظهر صور الأقمار الصناعية قبل وبعد الهدم كيف تحولت منطقة تاريخية وشعبية إلى أنقاض.

كما أظهرت صور الطائرات من دون طيار مناطق شاسعة تمتلئ بالحطام، ويقارنها السكان بمناطق الحرب، يقول أحد السكان: “الأمر مأساوي، فقد حدثت عملية الهدم لأحياء كاملة بطريقة لا يمكن وصفها، وعدد النازحين غير معقول”.

ووفق الموقع، فإن مئات المئات من منازل السكان والمدارس والمساجد ودور العجزة وذوي الإعاقة تحولت إلى أنقاض، إذ نشر بعض السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي صورهم في الأسابيع الأخيرة وهم يودعون مساجدهم وشوارعهم وأسواقهم.

وكانت مقترحات قدمت لهدم الأحياء الفقيرة منذ عام 2007، لكنها لم تتم لعدة أسباب، من بينها عدم رغبة الحكومة في إثارة السكان

ورفض بعض السكان حديث وسائل الإعلام المحلية التي سخرت من الأحياء ووصفتها بمناطق عشوائية غير مخططة، فقد أشار بعضهم إلى أن المناطق المبنية حديثًا تضررت أيضًا.

يقول أحد السكان: “هذا الحديث عن العشوائيات والمنازل غير المرخصة خاطئ تمامًا، فهناك منازل حديثة بُنيت قبل عام أو اثنين ومكونة من 5 أو 6 طوابق، وقد تعرضت للهدم أيضًا”.

وتعد جدة – ثاني أكبر مدينة سعودية – موطنًا لنحو 4.5 مليون مواطن، وهي مركز اقتصادي مهم، وبوابة ملايين الأشخاص الذين يزورون المدينة سنويًا في طريقهم لأداء شعائر الحج في مكة.

وتقع المناطق المهدومة جنوبي جدة، وهي منطقة يراها الكثيرون كقلب وروح المدينة المطلة على البحر الأحمر، كانت المنطقة مهملة بسبب مشاريع التنمية حيث توسعت المدينة شمالًا عبر السنين، لكنها كانت مركزًا اجتماعيًا نابضًا بالحياة يتشكل من خليط من الجماعات العرقية التي استوطنتها قبل عقود.

ويرتبط جنوب جدة بالمدينة القديمة العتيقة وسط المدينة المعروف بـ”البلد”، وقد أصبح في خطط الحكومة التنموية منذ سنوات، قُدمت مقترحات لهدم الأحياء الفقيرة منذ عام 2007، لكنها لم تتم لعدة أسباب، من بينها عدم رغبة الحكومة في إثارة السكان، لكن الحكومة السعودية الحاليّة التي تتابع خطتها الاقتصادية الشاملة “رؤية 2030″، تضع أحياء جنوب جدة صوب أنظارها.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن صندوق الاستثمارات العامة برئاسة ولي العهد “محمد بن سلمان” عن خطط بناء “جدة المركزية” وهو مشروع يهدف إلى إنشاء جهة عالمية تطل على البحر الأحمر شمال المدينة.

وسيضم المشروع المبني في قلب جدة – بتكلفة نحو 20 مليار دولار – متحف ودار أوبرا وإستاد رياضي ومربى مائي، سيتم بناء مرسى عالمي ومنتجعات شاطئة ساحرة كذلك، إضافة إلى 17 ألف وحدة سكنية وفنادق توفر أكثر من 2700 غرفة.

وفي 2020 وقعت أحداث هدم مشابهة شمال محافظة تبوك وتصدرت الأخبار بعد مقتل “عبد الرحيم الحويطي” – ناشط قبلي احتج على إخلاء منزله – برصاص قوات الأمن، ففي مقطع فيديو نشره على الإنترنت قبل مقتله، ندد “الحويطي” بإجلائه من منزله لإفساح المجال لتشييد مدينة “نيوم” الضخمة المستقبلية.

وآنذاك، رفض الناشط مغادرة منزله الذي يقع في منطقة استوطنتها قبيلة الحويطي لمئات السنين، عندما وقع الحادث، وقالت السلطات السعودية في ذلك الوقت إن الحويطي رفض الاستسلام لقوات الأمن وفتح عليهم النار، ثم فقد حياته لاحقًا في أثناء تبادل لإطلاق النيران.

ومن المتوقع أن ينتهي مشروع نيوم – الذي سيكلف مليارات الدولارات – عام 2025 على ساحل البحر الأحمر في تبوك، خضعت المدينة – المصممة لجذب المستثمرين الدوليين – لفحص دقيق منذ الإعلان عنها في 2017، فقد قال النقاد إنها تنم عن إسراف شديد وغير فعالة في معالجة مشاكل السعودية الاقتصادية بما في ذلك البطالة والاعتماد على النفط.

وأثارت تفاصيل المشروع موجة من ردود الفعل الساخرة والمرتبكة على وسائل التواصل الاجتماعي عند الإعلان عنها لأول مرة، فقد اتهم الناس محمد بن سلمان باستخدام التكنولوجيا المكلفة للتغطية على انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان.