قالت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، إن كلا من السعودية وباكستان يواجهان عزلتهما الدولية بالعمل على إصلاح العلاقات بينهما.
ويأتي ذلك بعد مرور شهر على زيارة رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، وقائد الجيش الجنرال “قمر جاويد باجوا” السعودية.
وأضافت أن العلاقة السعودية الباكستانية أظهرت مرونة في تحمل التحديات الناشئة عن التغيرات الجيوسياسية في جنوب آسيا والشرق الأوسط.
ومع ذلك، فقد تغيرت علاقتهما، مما يتطلب من القيادة العليا على كلا الجانبين إعادة تقييم توقعات كل منهما ومطالبه وخطوطه الحمراء للحفاظ على نفس المستوى من العلاقة التي كانت موجودة قبل عام 2015، بحسب باحثان تحدثا للمجلة.
وأشار الباحثان إلى “عوامل تعكس التقارب السعودي الباكستاني”، من بينها ما وصفه الباحثان بـ”العزلة” التي تواجه كل من إسلام أباد والرياض، حيث تحتاج كل منهما إلى الأخرى أكثر من أي وقت مضى.
ووفق الباحثين “توقفت الدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة عن مساعدة الرياض في حربها في اليمن، بما في ذلك بعض الدول التي تفرض حظرا على الأسلحة على المملكة. وفي الوقت نفسه، يتضاءل بروز باكستان في عواصم غربية مهمة مع انسحاب الولايات المتحدة وقوات الناتو من أفغانستان”.
إلى جانب ذلك، كانت إسلام أباد منزعجة أيضًا من وضع مجموعة العمل المالي باكستان على القائمة الرمادية فيما يتعلق بتمويل الإرهاب.
وبحسب الباحثان، فإنه للتخلص من هذه الانتقادات الغربية، تعمل السعودية على تصالحها مع قوى إسلامية مهمة، مثل باكستان وقطر وتركيا وإيران.
وتابعا: “الرياض بحاجة إلى إسلام أباد -القوة النووية المسلمة الوحيدة- لضمان عدم انجراف الأخيرة نحو تركيا والاحتفاظ بمكانتها كزعيم بلا منازع للعالم الإسلامي. لقد دعمت باكستان تاريخياً قيادة المملكة للأمة. في غضون ذلك، تحتاج باكستان إلى سخاء السعودية لأسباب اجتماعية واقتصادية لتجنب الشروط القاسية التي يفرضها صندوق النقد الدولي”.
وتعليقا على ذلك، يقول المحلل الباكستاني “قمر تشيما” لموقع “الحرة” إن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” وكذلك “عمران خان” لم يتلقيا أي مكالمة من الولايات المتحدة.
وفي فبراير/شباط الماضي، أجرى العاهل السعودي الملك “سلمان” محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، وذلك قبل صدور تقرير للمخابرات نُزعت عنه السرية عن مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، متجنبا الحديث مع ولي العهد الذي ينظر عليه على أنه الحاكم الفعلي للمملكة.
وفي هذا السياق، قال “تشيما” إنه في إطار تقارب السعودية بدول مثل باكستان قطر وتركيا وإيران “نجحت الرياض في إقناع إسلام أباد بأنها لن تكون ذلك الشريك الصريح لها في قضية كشمير مع الهند، وقد أدركت باكستان ذلك”.
فيما علق اللواء السعودي المتقاعد “محمد الحربي”، المتخصص في الدراسات السياسية والاستراتيجية، قائلا: “تعتبر عضوية باكستان في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الاٍرهاب، الذي أنشأته الرياض، إضافة نوعية لهذا التحالف الذي يعد المنظومة الأساسية لمكافحة التطرف ودعم قيم الوسطية والاعتدال على مستوى العالم الإسلامي”.
وأضاف “الحربي”: “هناك تعاون كبير مشترك في المجال العسكري بين المملكة وباكستان، وتنفذ الدولتان تمارين عسكرية دورية ومناورات مشتركة، لتطوير المهارات القتالية لضباط وأفراد القوات”.
وكانت السعودية أعلنت تشكيل هذا التحالف الإسلامي العسكري، المكون من 34 دولة لمحاربة الإرهاب، في ديسمبر/كانون الأول 2015.
وبحسب “تشيما”، فقد شهدت العلاقة بين البلدين صراعات منذ عام 2015 ولكنها لم تكن مهددة، بل أعادت قيادة البلدين تقييمها.
وفي أبريل/نيسان 2015، صوت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يقضي بعدم التدخل العسكري في اليمن، في إطار عملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين، وذلك بعد أن طلبت الرياض من إسلام أباد المساهمة في الحرب بسفن وطائرات وجنود، الأمر الذي أغضب الرياض.
لكن التوترات بين البلدين بلغت ذروتها على خلفية منطقة كشمير المتنازع عليها، فقد بدت المملكة الثرية مستاءة من باكستان، العام الماضي، بعدما حاولت إسلام أباد دفع الرياض لاتخاذ موقف حازم بشأن كشمير.
وفي بيان شديد اللهجة في أغسطس/آب الماضي، دعا وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قريشي” منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية إلى عقد اجتماع رفيع المستوى بشأن كشمير المتنازع عليها مع الهند.
وأثار التعليق غضب الرياض التي رأت فيه تحذيرا من أن باكستان تستعد للدعوة لعقد اجتماع لدول إسلامية خارج منظمة التعاون، وبالتالي محاولة لتقويض قيادتها للمنظمة الإسلامية المكونة من 57 عضوا.
وآنذاك، استدعت المملكة مليار دولار من قرض بقيمة 3 مليارات دولار من باكستان التي تعاني من ضائقة مالية، كما لم يتم تجديد تسهيل ائتماني نفطي منتهي الصلاحية بمليارات الدولارات.
وفي السنوات الأخيرة، دعمت المملكة باكستان بمساعدات مالية، وقروض بمليارات الدولارات لكن مراقبين يقولون إن السعودية حريصة أيضا على عدم إثارة غضب الهند، الشريك التجاري الرئيسي والمستورد للنفط الخام السعودي، والتي تتنازع مع باكستان بشأن منطقة كشمير.
وقدم الصندوق السعودي للتنمية العديد من المساعدات لباكستان، منها 20 قرضاً تنموياً للمساهمة في تنفيذ 17 مشروعاً في قطاعات الطاقة والسدود والمياه والصرف الصحي والنقل والبنية التحتية بقيمة 3.5 مليار ريال.
كما قدم عمليات تمويل وضمان صادرات بقيمة 17.6 مليوناً، وتمويل دعم استيراد باكستان مشتقات نفطية سعودية بقيمة 270 مليوناً، وتخصيص 3 منح بقيمة 1.250 ملياراً لتمويل مشروعات إعادة الإعمار وتأهيل المناطق المتضررة من الزلازل.
لكن الدفء الذي حمله “خان” و”باجوا” في زيارتهما الأخيرة للسعودية التي تقول إسلام أباد إنها جاءت تلبية لدعوة من ولي العهد السعودي، لا يعنيان المصالحة التامة بين البلدين.
وفي هذا الصدد، يقول “تشيما”: “أدركت باكستان والسعودية أنه يتعين عليهما خفض التوقعات، وإعادة التوافق بمعايير جديدة”.
كما استبعد استئناف المساعدات المالية السعودية لباكستان، قائلا: “مع نقص الثقة وإعادة تنظيم العلاقات بين الدولتين، قد لا تكون مسألة المساعدة المالية بهذه السهولة”.