قارن الكاتب التركي “إسماعيل ياشا” في مقال له بين تصرف المملكة العربية السعودية في كل من حادثتي “مقتل جمال خاشقجي” وحادثة هجوم “أرامكو”، وبينما كانت السعودية تتصرف ببرود في الأولى، استنهضت العالم أجمع في الثانية، ليبدو وكأن سائل النفط أهم وأولى بكثير عند حكام السعودية من الدم البشري.

وبدأ الكاتب مقاله في صحيفة “ديرليش بوستاسي”، مذكرًا بما تعرض له الصحفي السعودي جمال خاشقجي من “ذبح وحشي” في مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 “أكتوبر/تشرين الأول” من العام الماضي، مؤكدًا أن “قصة خاشقجي وما حل به تعرفها كل الدنيا” حيث تناولت كل صحف العالم تقريبًا سيما الرصينة والمشهورة منها حادثة الجريمة.

 

جريمة وحشية

وأكد الجميع أن الجريمة وحشية، واعترفت السعودية بحدوثها ووصفتها بـ”حادثة ذبح وحشية”؛ في حين زعمت أن فريق القتل كله سيق للمحاكمة وقضي عليهم بين الإعدام والسجن المؤبد.

لكن الكاتب يرى أن هذه المحاكمة ما هي إلا مسرحية ولعبة تحاك من أجل حماية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو بمثابة حراك صوري نُظم لخداع العالم لهذا الغرض ليس إلا.

وفي الوقت الذي طالبت فيه تركيا أن تكون إسطنبول كما كانت مسرح الجريمة، أن تكون أيضا المكان الذي تنعقد فيه المحاكمة، رفضت الرياض هذا الطلب خشية أن تظهر الحقيقة عارية؛ كما تعارض السعودية بشدة المطالبة بإجراء تحقيق دولي في مقتل خاشقجي ومحاكمة الجناة في المحاكم الدولية.

هكذا كان المشهد منذ العام الماضي وحتى قبل نحو أسبوعين من الآن، حيث شنت جماعة الحوثيين (كما أعلنت)، هجومًا بالطائرات المسيرة على “أرامكو” وهي المنشأة الأكبر في العالم لإنتاج النفط وتقع في العمق السعودي، لتتغير بذلك مجريات الأمور بحسب الكاتب.

هذه المرة طالبت المملكة العربية السعودية المساعدة من المجتمع الدولي، وتريد الرياض من الأمم المتحدة إجراء تحقيق وفضح المتورطين بهذا الهجوم.

وعلق إسماعيل ياشا على ذلك بقوله “السعودية تدعو المجتمع الدولي للتدخل عندما يكون الأمر بصالحها، وعندما يكون عكس ذلك تقول إنها لن تسمح لأحد بالتدخل بشؤونها الخاصة”، مؤكدًا أن هذه المعايير المزدوجة في التصرف ليس من العسير فهمها واستيعابها.

تريد الرياض من المجتمع الدولي أن يستبين ويحدد جريمة العدو الذي هاجم أرامكو، لكنها تشعر بالقلق من أن تلك الدول نفسها ستحل مكان دور ولي العهد محمد بن سلمان في اغتيال خاشقجي؛ وهذا الأمر ليس بالشيء الهين، لأن الملك سلمان بن عبدالعزيز يعرف أكثر من أي شخص آخر أن ابنه متورط في القتل سيما وأن قتل خاشقجي ليس جريمة قتل عادية؛ لذلك، لا تستطيع الرياض إخفاء هذه الجريمة والأشخاص الذين يقفون وراءها بذريعة “الشؤون الداخلية”.

 

لا جدوى

ورأى الكاتب أنه وعلى الرغم من أن أكثر من 20 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أدانت انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية خلال الأسبوع الأخير من دورتها الثانية والأربعين في جنيف وطالبت بتوضيح جريمة قتل خاشقجي ومعاقبة المسؤولين عنها فإنه لا جدوى من الاتصال بالرياض بهذه الطريقة.

وقال إن “على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات جادة وأكثر صرامة، بدلا من إطلاق تصريحات لرفع العتب أو استنكارات لا تقدم ولا تؤخر في سير القضية، ومنها على سبيل المثل وكأقل القليل، استنطاق السلطات السعودية حول مصير جثة خاشقجي وما الذي حل بها؟!”.

من جانبه قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمته أمام الجالية التركية والإسلامية في نيويورك قبل أيام، إننا سنواصل السعي للحصول على حق الصحفي خاشقجي والرئيس المصري الراحل محمد مرسي، حتى لو كان البعض لا يريد ذلك.

وتابع الرئيس التركي أن هاتين القضيتين مثلتا “رمزا للحاجة العميقة في المنطقة إلى العدل والمساواة”.

فيما أكد الكاتب أنه وعلى الرغم من العديد من الدول حول العالم تريد تجاهل جريمة مقتل خاشقجي وتقديم ملفات قد تراها أكثر أولوية، منها مثلا هجوم أرامكو، فإن أنقرة لن تسقط هذه الجريمة عن أولوياتها، ولن تغلق الملف قبل أن يلقى المجرمون جزاءهم، وسيغدو سعيهم لتجاهل هذا الملف هباء.

وبيّن الكاتب أنه ومع حلول ذكرى مقتل “جمال خاشقجي” ستنظم الكثير من دول العالم العربية منها والدولية عددًا من الفعاليات التي تُؤبِّن خاشقجي وتندد بمقتله وتعمل على إبقاء القضية حية.