في مفاجئة جديدة عكست الحجم الحقيقي للتعاون والتنسيق الأمني السري المتبادل بين السعودية و”إسرائيل”، كشفت وسائل إعلام عبرية عن معلومات جديدة متعلقة بالحملة التي يشنها الأمن السعودي منذ أسابيع على أبناء الجالية الفلسطينية المقيمة في المملكة وتحديداً قادة ومناصري حركة “حماس”.

قناة “كان” العبرية، التي كشفت عن هذه التفاصيل، قالت بشكل صريح إن “اعتقال المملكة لعشرات الكوادر من حماس خلال الفترة الماضية، تم بناءً على معلومات عن المعتقلين وصلت للسعودية من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية”.

هذه التفاصيل التي تُكشف لأول مرة رغم أن حملة السعودية ضد “حماس” قد بدأت منذ أكثر من عامين، وتم تأكيدها من قبل “حماس” بأنها “تخدم إسرائيل”، فتحت معها باب كبير من الجدل والتساؤل حول مدى التغول الإسرائيلي داخل أروقه القصر السعودي وتحكمه في قرارات أمرائه، وكذلك حجم التنسيق الأمني الذي يبدو انه تجاوز “التطبيع” بمراحل.

وبعد صمت دام خمسة أشهر أعلنت “حماس” الاثنين الماضي (9 سبتمبر 2019)، اعتقال جهاز أمن الدولة السعودي “محمد الخضري” أحد قادتها المقيم في مدينة جدّة منذ نحو ثلاثة عقود، واصفةً العملية بأنها “غريبة ومستهجنة”، مشيرة إلى أن الخضري كان مسؤولاً عن إدارة العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، قبل توتر العلاقة ووصولها إلى هذه الحالة.

 

المرحلة الأخطر

القيادي في حركة “حماس”، والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، مروان أبو راس، وصف الحديث عن تبادل المعلومات الأمنية بين “إسرائيل” والسعودية حول اعتقال أنصار “حماس” داخل المملكة بأنه “دخول في مرحلة بغاية الخطورة”.

وقال أبو راس في تصريحات خاصة، أن ذلك يعد مؤشر خطير ويدلل بشكل صريح على وجود تعاون أمني متقدم بين السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، سيكون أكثر المتضررين منه الفلسطينيون في الداخل والخارج في حال تم تأكيده من قبل الرياض”.

ورفض القيادي في حركة “حماس” أن تكون خطوة تقرب السعودية من “إسرائيل” وفتح أبواب التطبيع معها من خلال اعتقال قادة وأنصار “حماس” داخل المملكة، مؤكداً أن ما يجري هناك من ملاحقات واعتقالات “غير مبرر وتجاوز للقيم الإنسانية وخارجة عن السياق الوطني والعربي”.

وأضاف “المعتقلين لا يشكلون أي خطر على النظام الحاكم في السعودية، وحتى هذه اللحظة لم توجه لهم أي الأحكام وحتى لم يعرضوا على القضاء السعودي، لذلك فان ما يجري تعسف غير مقبول”.

وكان الوزير الفلسطيني السابق والقيادي في “حماس”، وصفي قبها، قد كشف لأول مرة في تصريحات عن اعتقال السعودية أكثر من 56 فلسطينياً ينتمون للحركة.

وقال إن “السلطات السعودية تعتقل منذ أكثر من 6 أشهر 56 عنصراً من أبناء حماس كانوا مقيمين داخل المملكة، وحتى هذه اللحظة فشلت كل الاتصالات والوساطات في تجاوز هذا الملف والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين”.

وأوضح القيادي في “حماس” أن العلاقات السعودية مع حركته بدأت تأخذ منحنيات توتر غير مسبوقة، منذ عامين تقريباً، وشهدت خلال تلك الفترات العديد من الملاحقات والاعتقالات، وتضييق الخناق على عناصر الحركة الموجودين داخل المملكة.

وكذلك وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي في بيان له، احتجاز السلطات السعودية 60 فلسطينياً، بينهم حجاج وطلبة ومقيمون وأكاديميون ورجال أعمال، مطالباً في الوقت ذاته بالكشف الفوري عنهم، وإطلاق سراحهم على ما لم يوجَّه اتهام لهم بارتكاب مخالفة فيه.

وعن تلك الحملة، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود الكاتب والباحث السعودي أحمد بن راشد السعيد، إن “اعتقال المملكة للفلسطينيين والشيخ الثمانيني محمد الخضري، إساءة لنفسها”.

وأضاف السعيد في حديث لصحيفة “الرسالة” المحلية أن الاعتقالات تسيء كثيرا للمملكة لا سيما في ظل ما يتناقله النشطاء عن تعرض هؤلاء المعتقلين لانتهاكات، مشيراً إلى اعتقال الدكتور الخضري وهو شيخ قارب على منتصف الثمانين “أمر غير مقبول أو مفهوم”.

 

اختراق النظام السعودي

البروفيسور والمحلل السياسي عبد الستار قاسم، أكد أن النظام الملكي السعودي بات مُخترق من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكل التحركات والخطوات التي يقوم بها تجاه أي شي يتعلق بفلسطين وقضيتها يتم أخذه من قبل “إسرائيل”، وما يُنشر بخصوص تبادل المعلومات بين “تل أبيب” والرياض صحيح ويتم منذ شهور طويلة.

وقال في تصريحات السعودية باتت من أكثر الدول العربية والإسلامية دفاعاً عن دولة الاحتلال، لذلك هي تنفذ كل المخططات التي تساعد في بقاء إسرائيل من خلال الاعتقالات لأنصار حركة حماس وتضييق الخناق على المقاومة في قطاع غزة.

وأوضح أن “إسرائيل” تغذي السعودية بالمعلومات الأمنية الحساسة، وهذه المعلومات تجاوزت قضية التطبيع بمراحل بعيدة، وبات القصر السعودي مخترق أمنياً وسياسياً من قبل دولة الاحتلال وحتى الإدارة الأمريكية اللذان يوجهانه بسهولة في كل مكان يريدونه.

المحلل السياسي لفت إلى أن السعودية هي من أول الدول التي تنفذ المخطط الأخطر للقضاء على أي دولة أو منظمة تشكل تهديداً لإسرائيل، وهذا كان واضح فيما جرى بالعراق واليمن وحزب الله وحتى “حماس” التي ذاقت منها الكثير من ملاحقات واعتقالات وتضييق الخناق على مقاومتها من قبل النظام السعودي.

وذكر قاسم أن المعلومات الأمنية والحساسة لا تُنقل فقط من “إسرائيل” للمملكة، بل الأخيرة تنقل لها معلومات أخرى حساسة لدولة الاحتلال تساعدها في القضاء على أي تحرك قد يشكل خطر عليها، معتبرًا أن النظام السعودي الحالي تجاوز كل المحرمات والخطوط الحمر في عداء الفلسطينيين والتقرب من “إسرائيل” وأمريكا.

وختم المحلل السياسي حديثه بأن ما تتعرض له الجالية الفلسطينية داخل السعودية من اعتقالات وتحقيقات وتهديد وتعذيب، ماهو إلا مخطط تسير عليه الرياض بتوجيه من “إسرائيل” والإدارة الأمريكية، وثمن للتطبيع والبقاء.

يشار إلى أن الفلسطينيين المقيمين داخل أراضي السعودية يتعرضون منذ مدة لحملات اعتقال وتهديد وملاحقة هي الأكبر والأخطر التي تنفذها قوات الأمن السعودية بصورة سرية، ودون أي تدخلات أو تحركات تذكر من قبل السفارة الفلسطينية في الرياض.

وتواصل السلطات السعودية حملات الاعتقال التي بدأتها منذ صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى سدة الحكم في عام 2017، ومنذ ذلك الحين اعتقلت السعودية آلاف النشطاء والمثقفين ورجال الدين والصحفيين ورجال الأعمال، على مدى عامين ماضيين، في إطار القضاء على أي معارضة محتملة لمحمد بن سلمان.