بقلم/ عبد الرحمن عطيف

سمو الأمير.. قضينا على حراك المجتمع المدني!

يعد الحراك المدني المنظم المؤسسي أحد أسلحة الشعوب الفعالة في مقاومة المستبد والحكم الشمولي، وهو يسعى لتفكيك ما ينتج عن هذا الاستبداد من قمع وتخويف وحصار للحريات والحقوق.

وهذا الحراك عادة ما يدفع لتوسيع مساحة الديمقراطية والتقليل من هيمنة الاستبداد على المجال العام، وهذا ما يخيف الأنظمة المستبدة الشمولية التي تخشى من الاتجاه لتأسيس مجموعات منظمة تهدف للتعاضد والعمل لأجل الصالح العام، حتى وإن كانت هذه الجمعيات تعمل في مجالات سلمية مدنية لا تسعى للسلطة بأي شكل كان، فإن السلطات تعمل وتسعى لإزالتها والتضييق عليها، ومطاردة مؤسسيها ومحاكمتهم، ورفض التصريح لها، وفي حالات أخرى مراقبتها والتدخل في أعمالها وأنشطتها.

عادة ما تستهدف السلطات الشمولية المنظمات العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، والنقابات العمالية، والمهتمة بتوفير الدعم والرعاية لفئات معينة، والتي تنشر الوعي في المجتمع. تمثل هذه المنظمات صوت لقضايا وهموم المجتمع، وحماية له، وتراقب الانتهاكات القانونية، وتنشر التقارير والدراسات.

تعمل الأنظمة الشمولية على التخلص من هذه المنظمات المدنية، ويعد نجاح هذه الأنظمة في القضاء عليها مؤشر على ازدياد القمع والتخويف، وانتهاك حقوق الإنسان، وفقدان العدالة والمشاركة السياسية. في حين أن النظام يكتسب الهيمنة والسلطة دون مشاركة أو تفاعل أو تقييد من المجتمع يخسر الشعب حقوقه، ويزداد القمع عليه، ولا يجد وسيلة للتعبيرعن نفسه، ويفقد طرق التواصل مع السلطة، ويغيب عن اهتمامات الحكومة، ولا يُخشى منه.

 

عودة للداخل السعودي

قد لوحظ في السنوات الأخيرة موجة كبيرة من القمع غير المسبوق الذي تم فيه القضاء على عدد من الجمعيات المدنية التي حاولت أن تدفع في اتجاه حماية وتمثيل والدفاع عن المجتمع وحقوقه. كانت محاولات قوية بعدد منظمات قليل، ولكنها كانت شجاعة جدا، ونبيلة جدا في محاولاتها هذه. وبناء على شجاعة عدد من الأبطال فقد تعرضوا للسجن لفترات طويلة، وتم إغلاق جمعياتهم المدنية. كانت هذه الجمعيات القليلة تقوم بدور يسد قصور السلطة، ويدافع عن الشعب، ويرشدهم قانونيا وحقوقيا، وحتى أن بعضها عزم على فضح السلطات وما تقوم به من انتهاكات قد تمثل جرائم ضد الإنسانية.

إنني أريد أن أؤكد أن هذه السلطات لا يمكن أن تحفظ حقوق الإنسان، وأن القمع والبطش والتعذيب والإخفاء القسري قد بلغ أقصى حدوده، وأن محاولات تلميع نفسها أمام الدول والمنظمات الغربية والداخل في السعودية يجب أن يتم فضحه وكشفه.

ومن خلال هذا المقال أسرد لكم بشكل موجز عدد منظمات المجتمع المدني التي حاولت أو قدمت مساهمات للصالح العام وواجهت القمع والحصار والتضييق، حتى اختفت جميع الجمعيات وأفرادها وأصبح الشعب وحيدا أمام سلطة جائرة تعمل على افتراس ما تبقى من حقوق الشعب وحرياته!

 

جمعية الحقوق المدنية والسياسية

تأسست الجمعية في عام 2009 على يد عدد من النشطاء البارزين، وقد لاقى خطابها انتشارا واسعا. طالبت الجمعية بالملكية الدستورية، ومحاكمة ضباط وزارة الداخلية المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، والسماح بتكوين الأحزاب والانتخابات، وقد عملت الجمعية على جمع أدلة الانتهاكات الحقوقية ورفع القضايا على مؤسسات الدولة المسؤولة عن تلك الانتهاكات. تم حل الجمعية ومحاكمة أعضائها وسجنهم.

 

مرصد حقوق الإنسان

أسس وليد أبو الخير مرصد حقوق الإنسان في 2009 ورفضت السلطات السعودية إعطاء الموافقة والترخيص، عمل المرصد على كشف انتهاكات حقوق الإنسان، وتمثيل المعتقلين السياسيين، ورفع دعوى ضد وزارة الداخلية. تم الحكم على مؤسس مرصد حقوق الإنسان بالسجن لمدة 15 عام، وكانت أحد التهم إنشاء منظمة غير مرخصة والإشراف عليها.

 

مركز العدالة لحقوق الإنسان

شارك مجموعة من النشطاء في تأسيس مركز العدالة لحقوق الإنسان في المنطقة الشرقية، أبرز هؤلاء النشطاء هم فاضل المناسف ونسيمة السادة. عمل المركز على التوعية بحقوق الإنسان، ورصد الانتهاكات وتوثيقها، ودعم ومساعدة الضحايا، ونشر الأخبار والتقارير الحقوقية. تم رفض التصريح لمركز العدالة، ورد المركز برفع قضية على وزارة الشؤون الاجتماعية لرفضها إعطاء ترخيص. تم رفض قضية مركز العدالة لحقوق الإنسان.

 

جمعية الإتحاد لحقوق الإنسان

كانت جمعية الإتحاد فكرة في ذهن أصحابها منذ فترة طويلة، وبسبب ما حدث مع جمعية الحقوق المدنية والسياسية من حلها والحكم على أعضائها بالسجن قرر المؤسسون الرد بتعجيل إنشاء الجمعية لسد الفراغ. من أهداف الجمعية تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، والقيام بحملات لإنهاء عقوبة الإعدام التعزيرية، واللجوء للقضاء والهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة لحماية الحقوق والحريات. كان إنشاء الجمعية بعد الحكم على  أعضاء جمعية حسم شجاعة كبيرة. رفضت وزارة الشؤون الاجتماعية إصدار التصريح للجمعية، وتم الحكم على أعضائها محمد العتيبي وعبدالله العطاوي بالسجن.

 

مبادرة آمنة لإيواء المعنفات

مبادرة حاول من خلالها مجموعة من الناشطات تأسيس مركز لإيواء الفتيات المعنفات، وتوفير الحماية والرعاية لهن بعد أن تخلت الحكومة السعودية عن دورها تجاه حقوق المرأة، وتركتها عرضة للعنف والقتل والتشرد. تم توجيه الاتهام إلى عزيزة اليوسف ولجين الهذلول بالسعي لإنشاء منظمة لحماية المعنفات. ماتت المبادرة قبل بداية تنفيذها، ودخل أصحابها إلى السجون.

وهكذا تباعا، مجموعة من المنظمات المدنية السلمية والمبادرات التي تغلقها السلطات السعودية وتعتقل أفرادها، هؤلاء الأفراد الأبطال الذين حرصوا على تقديم شيء لأجل الصالح العام، وقاموا بجهودهم في محاسبة ومراقبة السلطات التي لا تريد أن يكشفها أحد أو يعمل على تخفيف معاناة الشعب. أغلقت الحكومة الشمولية أخيرا كل سبل العمل المدني، وحاصرت الشعب في الداخل، واضطر بعض النشطاء لتأسيس أعمالهم في خارج البلد. بعد سنوات من هذه المحاولات الحقوقية والمدنية لم يعد هناك صوت يدافع عن الشعب، وأصبحت السلطات أكثر جرأة في قمع الشعب ونزع حقوقه.

أصبح الإخفاء القسري والإعتقال التعسفي والتعذيب والقتل داخل السجون ونزع الأملاك بدون تعويضات سمة بارزة للنظام، ولم يعد هناك من يستطيع الاعتراض أو التعبير عن الرفض في الداخل، ومع غياب المنظمات المدنية نتجه أكثر لواقع مأساوي تعمل فيه السلطات على إنتهاك حقوق الإنسان دون رقيب ولا حسيب.