في “مؤتمر بغداد 2” الذي عُقد على ساحل البحر الميت في الأردن، اجتمع دبلوماسيون من البحرين وعُمان والسعودية والإمارات والعراق والأردن وإيران وفرنسا؛ بهدف مواجهة التحديات الأمنية للعراق المتمثلة في عودة تنظيم “الدولة” والاقتتال الداخلي بين الميليشيات والهجمات الخارجية والمنافسة على الموارد الطبيعية، لكن المؤتمر أثمر القليل، حيث دعا البيان الختامي فقط إلى استمرار التعاون الدولي دون توضيح أي عناصر عمل نهائية.

لكن المسؤولين لم يغادروا فارغي الأيدي بشكل كامل، فقد كانت هناك نتيجة غير متوقعة من “بغداد 2″، وتتمثل في إشارة الدبلوماسيين الإيرانيين بأن طهران قد تكون على استعداد للانخراط، وربما حتى استئناف العلاقات، مع واحدة من أكبر منافسيها الإقليميين: السعودية.

وعلى وجه التحديد، قال وزير الخارجية الإيراني إن بلاده على استعداد لاستئناف العلاقات “عندما تكون الرياض على استعداد لذلك”، فيما يعد تخليًا عن التصريحات الأكثر تشددًا التي تم تبادلها مع السعودية منذ أن جمدت الدولتان العلاقات الدبلوماسية في يناير/كانون الثاني 2016.

 

دوافع السعودية وإيران

وتأتي هذه التلميحات من مؤتمر “بغداد 2” بعد جهود كبيرة لإقامة حوار بين إيران والسعودية، كما تأتي وسط تحديات اقتصادية وسياسية أجبرت كلا البلدين على إعادة النظر في سياساتهم الخارجية.

لكن في حين يبدو أن إيران والسعودية تتجهان إلى تهدئة التصعيد، فإن الظروف لم تنضج حتى الآن بما يكفي لجعل المتنافسين ينخرطان في تقارب جوهري. وبينما يرغب الجانبان في تجنب تصعيد كبير، ستستمر التحديات التي تمنع أي استئناف كامل للعلاقات.

وحاليا، هناك ضغوط على السعودية وإيران؛ حيث تريد السعودية الحفاظ على الأمن في المنطقة لتعزيز مشاريع “رؤية 2030” والاستفادة من زخم كأس العالم 2022. وبالنسبة للرياض، يضمن استقرار الخليج استمرار تدفق الاستثمارات والتجارة وتطوير البنية التحتية والمشاركة التي تدفع هدفها لتنويع اقتصادها فيما يتجاوز قطاع النفط. وتدرك المملكة أن أي هجوم من إيران – مثل الهجوم على مرافق أرامكو في عام 2019 – من شأنه أن يعرقل هذه الاستراتيجية.

أما في إيران، فإن الاحتجاجات المناهضة للحكومة على مستوى البلاد وآثار العقوبات الدولية، إلى جانب جمود محادثات إحياء الاتفاق النووي، أجبرت طهران على إيجاد طرق بديلة للتخفيف الاقتصادي والاستقرار النسبي.

علاوة على ذلك، فقد أثارت الموجات الأخيرة من التقارب بين المتنافسين السابقين مثل دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وإسرائيل قلقًا في طهران بشأن تحالف إقليمي محتمل يمكن أن يكبح نفوذها من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.

وخلقت هذه الضغوط حوافز جديدة لإيران والسعودية لإعادة التفكير في مقارباتهم للمنافسة الإقليمية، وهو ما تجلي في جولات الحوار بين الجانبين منذ عام 2021 بوساطة عراقية.

 

سقف التوقعات منخفض

كان سقف التوقعات حول ما يمكن أن تنتجه جولات الحوار  منخفضًا دائمًا، بالنظر إلى مدى صعوبة إحضار قادة البلدين إلى طاولة الحوار. ولم تنتج الجولات المتعددة من القمة أي اختراقات كبيرة، فقط تدابير محدودة لبناء الثقة مثل مكتب إيران الذي أعيد فتحه لدى منظمة التعاون الإسلامي في جدة في يناير/كانون الثاني 2022.

ومع ذلك، فإن التصريحات الأكثر دبلوماسية من المسؤولين الإيرانيين قوبلت بتصريحات أكثر تشددًا من مسؤولي المخابرات الإيرانية وفيلق الحرس الثوري. وعلى سبيل المثال، فبعد قمة “بغداد 2″ مباشرة، رفض قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري محاولات المؤتمر المحدودة للمصالحة، واصفا السعودية بـ”الرعاع”. وحذر وزير الاستخبارات الإيراني السعودية من أنه “لا ضامن لاستمرار استراتيجية الصبر”.

صعدت إيران أيضًا اتهاماتها للسعودية والمنظمات الإعلامية الممولة من قبلها بتأجيج الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية، كما أن الزيارة الأخيرة للمسؤولين الصينيين للرياض خففت من حماس إيران للانخراط مع السعودية.

وتفضل طهران أن تبقى الصين في صفها، أو على الأقل أن تواصل التصرف بشكل محايد سياسيًا فيما توجه الاستثمارات إلى الطاقة والبتروكيماويات الإيرانية. وبالتالي، فإن الإدانات السعودية الصينية المشتركة لدعم طهران للجماعات المسلحة الإرهابية والطائفية، وكذلك الدعوات لحل قضايا مثل البرنامج النووي ونزاعات الجزر مع الإمارات، كانت مثيرة للقلق بشكل خاص.

 

عراقيل التطبيع الكامل

لدى السعودية تحفظاتها الخاصة، وفي حين أن المسؤولين الإيرانيين كانوا صريحين بشأن احتمال التطبيع، فإن المسؤولين السعوديين امتنعوا عن الإشارة إلى أي آفاق جدية لاجتماع المسؤولين في نفس الغرفة، وقد أُحبطت الرياض بشكل خاص من عجز إيران عن التأثير على سلوك وكلائها في اليمن (الحوثيون) والضغط عليهم لاستئناف الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة.

وأطلق المسؤولون الإيرانيون موجة من التصريحات المتناقضة حول العلاقات مع السعودية، ما يجعل من الصعب فهم نواياهم الحقيقية. وهناك الكثير من العوامل التي ستحد من قدرتهم على التصالح، على افتراض أنهم يريدون ذلك.

وبالرغم أن كلا الجانبين سيعمل بجد لمنع تصعيد الأمور إلى أبعد مما كانت عليه بالفعل، فليس من المتوقع إقامة حفل افتتاح السفارة الإيرانية في الرياض في أي وقت قريب، بل ستحافظ كلتا الدولتين على مسافة آمنة من التطبيع الكامل.