تشير استطلاعات رأي حديثة إلى أن مواطني السعودية لا يزالون يبدون قدرا كبيرا من الدعم للحكومة، لكن هذا الدعم قد يتلاشى بسرعة عندما تتخذ الرياض قرارات صعبة بشأن إعادة الهيكلة الاقتصادية.

ويعطي استطلاع “مؤشر الرأي العربي” الذي أجراه معهد الدوحة في قطر، نظرة نادرة على التوجهات الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط، وتكشف نتائج المسح الأخير بالنسبة للسعودية أن السكان راضون إلى حد كبير عن أوضاعهم الاقتصادية والسياسية.

ومع ذلك، فإن الرفاهية الاقتصادية للسعوديين سوف تتعرض للتقويض لأن الخسائر في عائدات النفط نتيجة “كورونا” فضلا عن الوصول إلى ذروة الطلب على النفط تجبر حكومتهم على إجراء تخفيضات أكبر في البرامج الاجتماعية الحيوية، ما يخلق جيوبًا من الاضطرابات في جميع أنحاء المملكة.

 

نفور شعبي من الثورات

لا تزال المواقف الاجتماعية والثقافية السعودية محافظة إلى حد كبير وتكره التغيير الاجتماعي والسياسي، ما ساعد منذ فترة طويلة على استقرار الجبهة المحلية للمملكة، ولا يزال السعوديون محافظين على مواقف إيجابية تجاه الاقتصاد، على الرغم من سنوات البطالة المرتفعة والضرائب الجديدة وخفض الدعم، كما يظهر السعوديون نفورًا من التغيير الثوري، ما يشير إلى أن مواقفهم تجاه السياسة الراديكالية تظل عدائية.

ويُظهر “مؤشر الرأي العربي” لعام 2019-2020 أنه حتى مع الآثار الاقتصادية للجائحة وخفض الدعم، لا يزال السعوديون يعتقدون أن وضعهم الاقتصادي “جيد” (بنسبة 25%) أو “جيد جدًا” (69%).

ويأتي ذلك بالرغم من ارتفاع معدل البطالة في المملكة بين السعوديين المولودين في البلاد، حيث كان معدل البطالة للمواطنين (غير الأجانب) في السعودية مرتفعًا في الربع الأول من عام 2020 (11.8%)، ومع اندلاع أزمة “كوفيد-19″، ارتفعت البطالة الوطنية إلى 15.4% في الربع الثاني.

كما يظهر الاستطلاع أن العديد من السعوديين يعارضون الثورات في الجزائر والسودان، حيث يؤيد 24% فقط من السعوديين الاحتجاجات الشعبية في السودان، بينما يؤيد 18% الاحتجاجات في الجزائر، ويعكس ذلك المواقف الشعبية تجاه الثورة بشكل عام، حيث كان السعوديون أيضًا غير داعمين للعديد من الاحتجاجات خلال الربيع العربي.

وتظهر الردود السعودية على الاستطلاع أيضاً نفوراً ثقافياً من نشر الخلافات علانية، ولا سيما السياسية منها، حيث قال 64% من المشاركين السعوديين إنهم لم يستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي أبدًا للمشاركة في مناقشات حول القضايا الاجتماعية، على الرغم من ارتفاع استخدام السعوديين للإنترنت (93%).

 

تخفيضات الميزانية حتمية

أدت جائحة “كوفيد-19” والانتكاسات اللاحقة في الطلب العالمي على النفط إلى مزيد من الإضرار بقدرة المملكة على تلبية احتياجات الميزانية من خلال المصادر التقليدية للإيرادات، وكان ارتفاع سعر نقطة التعادل للنفط في السعودية قد أجهد ميزانيتها سابقًا، كما ستتضاءل قدرة الرياض على الاقتراض بثمن بخس ما لم تشرع في إعادة هيكلة الإنفاق الذي يحسن من جدارة الائتمان.

تفترض الميزانية الوطنية للمملكة بقاء أسعار النفط العالمية قرب 50 دولارًا للبرميل، لكن هذا لا يرقى إلى سعر نقطة التعادل التي يحسبها صندوق النقد الدولي، والبالغة 76 دولارًا للبرميل هذا العام، و66 دولارًا العام المقبل، ما يشير إلى أن الرياض تنوي إجراء مزيد من التخفيضات للمساعدة في خفض سعر نقطة التعادل لميزانيتها.

في مايو/أيار أيار، أصبحت وكالة “موديز” أول وكالة ائتمان رئيسية تخفض التصنيف الائتماني للسعودية، مشيرة إلى حالة من عدم اليقين بشأن قدرة المملكة على سداد القروض بسبب أنماط الاقتراض وقاعدتها الضريبية الصغيرة.

ومن شأن المزيد من التخفيضات الائتمانية من جانب كل من وكالة “موديز” ووكالات التصنيف الأخرى أن يرفع تكاليف الاقتراض، ما يزيد الضغط على الميزانية السعودية، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 6.8% هذا العام، والعودة إلى نمو 3.1% فقط في عام 2021.

وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التخفيضات حين تفشل الإيرادات غير النفطية في تلبية توقعات النمو، أما على النطاق الأوسع، فستضطر السعودية بشكل متزايد للعمل في بيئة “ما بعد النفط”، حيث تشير بعض شركات الطاقة الكبيرة، بما في ذلك شركة “بريتيش بتروليوم”، إلى أن الاقتصاد العالمي قد وصل بالفعل إلى ذروة الطلب على النفط.

وهكذا يمكن أن تتطور مشاعر مناهضة للنظام الملكي مع عمل تخفيضات الإنفاق على إعادة تشكيل أنماط حياة السعوديين وعلاقتهم مع حكومتهم.

 

اختبار ولاء للسعوديين

إن نظرة السعوديين المستقبلية التي لا تزال إيجابية على الرغم من أزمة “كوفيد-19″، كما ينعكس في “مؤشر الرأي العربي”، يحتمل أن ترجع جزئيًا إلى حقيقة أن تخفيضات الإنفاق في المملكة حتى الآن لم تؤثر بشدة على أمن وظائف الدولة، حيث لم ينخفض العدد الإجمالي للموظفين السعوديين بشكل كبير.

ومع ذلك، فإن أي تخفيضات في الوظائف والأجور في القطاع العام ستجبر المزيد من المواطنين السعوديين على دخول القطاع الخاص، الذي لا يمتلك الكثيرون المهارات الوظيفية اللازمة له، ونتيجة لذلك، يمكن للسعوديين أن ينتقدوا بشكل متزايد سياسات الإصلاح ويغيروا وجهات نظرهم حول الاقتصاد والنظام السياسي.

وفي حال تعثر الدعم الشعبي؛ ليس لدى النظام الملكي السعودي أدوات للتحكم في شعبه بخلاف القمع المباشر، وكانت الرياض قد استخدمت سابقًا قواتها الأمنية، ونفوذها على سوق العمل، والسيطرة على المحاكم وعلى وسائل الإعلام لإحباط المعارضة ودفعها إلى العمل السري.

وقد أثبتت هذه الأدوات أنها الأكثر فعالية في قمع المعارضة بين الأقليات والمجموعات المحلية التي تقع على أطراف المجتمع السعودي، ومن المرجح أيضًا أن يظهر الإحباط الشعبي من الإصلاحات الاقتصادية الجديدة داخل هذه الفئات المحرومة أولاً.

لكن الأجهزة الأمنية في السعودية ستكافح لاحتواء المعارضة التي تنتشر في المدن الكبيرة بسبب كثافتها السكانية وتأثيرها على الدولة.

لدى السكان الأكثر تهميشًا في المملكة تاريخ طويل من المعارضة والمشاكل الأمنية، وهذا يشمل السكان ذوي الدخل المنخفض في المدن الكبيرة والسكان الشيعة في المنطقة الشرقية، فضلاً عن السكان المعزولين جغرافياً في المحافظات النائية مثل عسير وتبوك والباحة.

لكن مع قلة القوة الاقتصادية والاجتماعية، لا تهدد هذه المجموعات النظام الملكي المركزي، الذي تتجذر قوته في الرياض ومكة والمدينة والدمام.

وتعد المدن الكبيرة موطنًا للجزء الأكبر من الطبقات المتوسطة والعليا في المملكة، وغالبًا ما تحتوي على قطاعات غير نفطية أكثر تقدمًا توفر فرصًا اقتصادية أكبر.

ومع ذلك، لا يزال رد الفعل العكسي ضد الإصلاحات الاقتصادية في هذه المدن ممكنًا، حيث لا يزال سكانها الأكثر ثراء يعتمدون على الدولة لتوفير شبكة أمان اجتماعي سخية تحميهم من الانكماش في القطاع غير النفطي.