فتح اتفاق تقاسم السلطة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الباب أمام إنهاء النزاع الذي خلف آلاف القتلى في اليمن، مع إعلان السعودية عن قنوات اتصال مع الحوثيين في مسعى قد ينتج اتفاقاً مشابهاً.

وبالتزامن مع التحركات المستمرة لإجراء حوار بين الطرفين، قدمت السعودية حوافز جديدة في محاولة منها لتعزيز مسار التهدئة العسكرية، من خلال إفراجها عن أكثر من 120 أسيراً حوثياً، وإعلان إعادة فتح مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون أمام الرحلات الخاصة بنقل المرضى.

وتحاول السعودية الخروج من مأزق الحرب في اليمن، بعد مرور نحو 5 أعوام، دون تحقيق الأهداف التي رسمتها مع انطلاق الحرب مطلع عام 2015، والتي كانت في مقدمتها إعادة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم، وسط خسائر كبيرة تلقتها في اليمن.

 

حافز جديد.. ورد موجع!

لم تجد الرياض من طريقة لتقديم حوافز للحوثيين من أجل إنجاح المفاوضات غير الإفراج عن أسرى من المليشيا لديها، حيث أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نقل 128 أسيراً حوثياً من السعودية إلى صنعاء الخاضعة لسلطة الحوثيين، بعد يومين من إعلان التحالف السعودي الإماراتي عن مبادرة لإطلاق سراح 200 أسير حوثي.

وأوضحت في تغريدة على “تويتر”، في 28 نوفمبر، “نعيد اليوم 128 محتجزاً من السعودية إلى صنعاء”، مضيفة: “نرحب بهذه المبادرة، ويسرنا أن تتم مراعاة الاعتبارات الإنسانية من أجل العائلات التي تنتظر عودة أحبائها إلى ديارهم”.

ويوم 26 نوفمبر، أعلن الناطق باسم التحالف العسكري بقيادة الرياض في اليمن، تركي المالكي، نيته إطلاق مئتي أسير من الحوثيين، والسماح بسفر مرضى من صنعاء، في خطوة تدعم التحركات القائمة لإنهاء النزاع في هذا البلد.

وجاء القرار بعد نحو شهرين على خفض الهجمات الحوثية ضد السعودية، وبعيد إعلان مسؤول سعودي أن المملكة فتحت “قناة اتصال” مع الحوثيين من أجل إنهاء الحرب المستمرة منذ 2014.

وعقب ساعات من وصول الأسرى الحوثيين، أعلنت جماعة الحوثيين، في 29 نوفمبر، تمكن عناصرها من إسقاط مروحية عسكرية سعودية ومصرع طاقمها المؤلف من شخصين، على الحدود بين البلدين.

وصرح المتحدث باسم قوات الحوثيين، يحيى سريع، للصحفيين أن الطائرة من طراز “إيه إتش-64 أباتشي”، أسقطت بـ”صاروخ أرض-جو بتقنية جديدة سيُكشف عنها لاحقاً”، أثناء “قيامها بأعمال عدائية” في منطقة مجازة قبالة عسير، واحترقت بالكامل.

 

هدف غير إنساني

ومع حديث ناطق التحالف، تركي المالكي، بأن إطلاق الأسرى الحوثيين وفتح مطار صنعاء للحالات المرضية، هدفه “إنساني وديني”، سخر الناشط السياسي اليمني محمد التام من تلك التصريحات، وقال: “إن ما قاله التحالف مضحك، فهو لا يعبر عن الشهامة العربية ولا حسن النية، بل له مسار مختلف، وهدفه إخراج أسرى سعوديين لدى الحوثي”.

وأضاف: “لو كانوا عند هذه المصداقية لكانوا طلبوا أيضاً من الحوثيين الإفراج مقابل ذلك عن معتقلين يمنيين لدى المليشيا، وطلبوا بطابع إنساني من الحوثيين رفع الحصار عن مدينة تعز المحاصرة منذ أكثر من 4 أعوام”.

ووفق حديثه فإن ما حدث من إطلاق أسرى الحوثيين يعد “اعتداءً على اتفاق السويد الذي ينص على ثلاثة مسارات تفاوضية، بشأن الحديدة، وإنهاء الحصار على تعز، وتبادل الأسرى الذين تصل أعدادهم إلى الآلاف، وأن يكون الكل مقابل الكل، وهذا ما لم يحدث بهذا الاتفاق”.

ويرى أن المملكة “تستخدم كل أدوات الصراع وتجندها لمصلحتها وأهدافها باليمن، والتي تحاول من خلالها الاستيلاء على أهم المواقع والمناطق اليمنية ومصادر النفط والموانئ والجزر، وتود أن تكون كل خيوط اللعبة بيدها”.

 

تجاوز الحكومة اليمنية

من جانبه أبدى الكاتب والمحلل السياسي نصر الروحاني استياءه من هذه الخطوة السعودية، قائلاً: “إنها تجاوزت المسار التفاوضي الذي ينبغي أن يكون بين السلطة الشرعية والحوثيين، وأن يكون التحالف خلف الحكومة لا أن يكون المتقدم، كما يحدث حالياً”.

وفي حديثه أشار إلى أن السعودية “على وشك الانسحاب من المعركة المصيرية التي جاء التحالف من أجلها، وهي إعادة الشرعية إلى صنعاء”، مؤكداً أن فشل الرياض في هذا الهدف هو ما يدفعها للخوض في هذه الخطوات بعيداً عن الحكومة المنوط بها ذلك.

وأضاف: “السعودية اليوم تبحث الخروج من مأزق الحرب باليمن، والبحث عن السلام من أجل أولوياتها وليس من أجل الحكومة اليمنية، ومن الواضح أن المملكة حين تعطي الحوثيين هذه الإشارات الإيجابية وهذه المكافآت؛ فهذا يعني أنها ذاهبة إلى عقد صفقات سياسية وأمنية وعسكرية مع الحوثيين”.

وأوضح أن هذه الخطوات السعودية “لن تخدم الشعب اليمني ولا السلام المستدام الذي تنشده المملكة، بل تحاول إقناع المجتمع الدولي أنها تبحث عن السلام لتخفيف الضغط الدولي عليها، وأيضاً تخفيف خسائر الضربات الموجعة التي تتلقاها من الحوثيين”.

 

حوار سري بين الطرفين

غداة توقيع الاتفاق بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وبين الانفصاليين المدعومين من الإمارات، في 5 نوفمبر الجاري، كشف مسؤول سعودي عن وجود قنوات اتصال مع الحوثيين.

وقال المسؤول السعودي، الذي لم يكشف عن اسمه، وفقاً لقناة “الحرة”، إن قناة الاتصال مفتوحة منذ عام 2016، لدعم إحلال السلام في البلد الغارق في نزاع مسلح، مضيفاً: “نواصل هذه الاتصالات، لا نغلق أبوابنا مع الحوثيين”.

ويبدو أن تصريحات المسؤول السعودي كانت تتحدث عن الوفد الحوثي الموجود في المملكة، ففي 12 نوفمبر الجاري، كشفت قناة “بلقيس” اليمنية عن مصادر قولها إن وفداً حوثياً يجري مشاورات مع مسؤولين سعوديين في الرياض منذ منتصف أكتوبر الماضي.

وذكرت أن الوفد الحوثي الموجود في الرياض يرأسه وزير العدل السابق إسماعيل الوزير، وعضو المجلس السياسي للحوثيين حسين العزي، والقيادي المؤتمري المقرب من الحوثيين أحمد الكحلاني، وشخصيات حوثية: فضل أبوطالب، وزيد الذاري، وأمة العليم السوسوة، وعلي الكحلاني.

وأوضحت أن الوفد الحوثي المقيم في فندق الريتس كارلتون التقى برئيس جهاز الاستخبارات السعودية في 15 أكتوبر الماضي، والتقى برئيس اللجنة الخاصة في 17 أكتوبر، وفي الثالث من نوفمبر الجاري التقى بنائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان.

وأكدت أنه تم التطرق لموضوع إيقاف الحرب والاستغناء عن الدعم الإيراني، مقابل قيام المملكة بتعويض ذلك الدعم وبشكل أكثر سخاءً، فيما يلتزم الحوثيون بتأمين الحدود ووقف استهداف المنشآت السعودية.

 

السعودية تبحث عن مخرج

وجاءت هذه الأنباء بالتزامن مع تحركات يقودها خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي، الذي يبدو أنه تولى ملف حل الأزمة في اليمن، حيث زار، في 11 نوفمبر الجاري، سلطنة عُمان، وعقد لقاءات في مسقط مع كلٍّ من السلطان قابوس بن سعيد، ووزير الدفاع في سلطنة عمان بدر البورسعيدي، ومسؤولين آخرين.

ولم يُعلن أيٌّ من الجانبين؛ السعودي أو العماني، المزيد من التفاصيل بشأن ما تناولته المحادثات، لكن كان واضحاً أن الملف اليمني محور أجندة الزيارة، سواء بحضور خالد بن سلمان أو على صعيد أعضاء وفده، والذي ضم أيضاً السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر.

وجاءت الزيارة بالترافق مع التسريبات المثارة بشأن حوارٍ جارٍ بين الحوثيين، الذين لهم أيضاً وفد برئاسة المتحدث الرسمي للجماعة، محمد عبدالسلام، في مسقط منذ شهور طويلة، وبين الجانب السعودي. وعلى مدى السنوات الماضية كانت السلطنة بوابة الجهود الدبلوماسية الدولية مع الحوثيين.

وفي أواخر أغسطس الماضي، قالت وسائل إعلام أمريكية إن زيارة خالد بن سلمان إلى واشنطن كانت تهدف للقاء مسؤولين أمريكيين، بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، لمناقشة الأزمة اليمنية والحرب مع الحوثيين، إضافة إلى الأزمة مع إيران.