بالتزامن مع تصعيد الحوثيين هجماتهم على المناطق السعودية أجرى وير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، فيما يبدو تحركاً جديداً لفتح قناة دبلوماسية لحلحلة أزمات المنطقة المتصاعدة.

وقال الوزير القطري، (الثلاثاء 16 فبراير)، إنه أجرى مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف مشاورات بنَّاءة بشأن سبل تعزيز أمن المنطقة، مشيراً إلى أنه سلَّم الرئيس الإيراني رسالة من أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ووصل الوزير القطري (الاثنين 15 فبراير) إلى طهران على رأس وفد رفيع المستوى، لبحث جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، في مقدمتها الاتفاق النووي.

وخلال الزيارة، سلَّم الوزير القطري الرئيس الإيراني حسن روحاني رسالة من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وتزامنت الزيارة مع تصعيد الحوثيين هجماتهم على السعودية بموازاة السجال المتصاعد بين واشنطن وطهران على خلفية محاولات العودة للاتفاق النووي.

وأكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن “ضرورة اتباع نهج جديد وتعاون شامل في المنطقة”، معرباً عن استعداد بلاده لأداء دور رئيسي وفعّال في هذا الشأن.

من جانبه شدد ظريف على “ضرورة التعاون بين دول المنطقة لحل القضايا، والتوصل إلى ترتيب إقليمي ومستقر”، مؤكداً أنه “يمكن لقطر أداء دور هام في هذا الإطار”.

وسبق أن عرضت قطر الوساطة بين السعودية وإيران أو بين الأخيرة والولايات المتحدة، وقالت إن ذلك يأتي في إطار حرصها على حل خلافات المنطقة عبر الحوار.

ويرى كثيرون أن حل الملف اليمني يمر عبر طهران بالنظر إلى الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه إيران لمليشيا الحوثي اليمنية في حربها على الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف الذي تقوده الرياض.

ورغم تأكيد التحالف أنه سيرد على هجمات الحوثيين الأخيرة وفق القوانين الدولية، فإن المملكة أكدت مراراً دعمها أي حل سياسي في اليمن، ما يعزز احتمالية قبولها بمفاوضات غير مباشرة لحل النزاع.

وتمتلك قطر علاقات قوية مع النظام الإيراني، رغم موقفها العلني مما تقوم به من ممارسات في بعض دول المنطقة، وقد دعت أكثر من مرة لجلوس الأطراف كافة إلى طاولة الحوار.

وقبل أسبوع من زيارة الوزير القطري لطهران، يوم الأربعاء 10 فبراير 2021، استقبل الوزير القطري للشؤون الخارجية القطرية سلطان بن سعد المريخي، القائم بأعمال سفارة السعودية لدى الدوحة سعد القحطاني، في أول لقاء من نوعه منذ يونيو 2017.

وأثار اللقاء، رغم أنه لم يكن رفيع المستوى، تساؤلات عن إمكانية وجود رغبة سعودية في الاستعانة بالدبلوماسية القطرية لتفكيك بعض الأزمات.

كما تزامن اللقاء مع تأكيد وزير الخارجية القطري، في مؤتمر صحفي مع نظيرته الإسبانية، سعي بلاده لخفض التصعيد في المنطقة وحل الأزمات القائمة عبر الحوار.

وجاء لقاء المريخي والقحطاني بعد ساعات من استهدفت مليشيا الحوثي مطار أبها جنوبي السعودية وإلحاق أضرار بطائرة مدنية.

وأعلن التحالف أن الطائرة التي استهدفت مطار أبها هي نسخة من طائرة “أبابيل تي” الإيرانية، واتهم المليشيا اليمنية بأنها تنفذ أجندة الحرس الثوري.

 

دعوة للحوار وتصعيد متواصل

وتشهد العلاقات السعودية القطرية تطوراً ملحوظاً منذ إعلان المصالحة في قمة العلا التي جرت في 5 يناير الجاري. وقد عرضت الدوحة التوسط بين الرياض وطهران لحل الخلافات المتصاعدة بينهما.

وأعرب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن قبول الدعوة القطرية للحوار، لكن نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال إن الحوار مع إيران غير مجد، رغم تأكيده مد يده بالسلام.

وكان الشيخ محمد بن عبد الرحمن قد أكد، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الإسبانية آرانشا غونزاليس، أن بلاده تتعامل مع الولايات المتحدة بوصفها حليفاً استراتيجياً وتتعامل مع إيران كدولة جارة.

وقال إن كل ما يثار في المنطقة من مشكلات يؤثر بشكل مباشر على مصالح قطر، ما يدفعها لمواصلة اتصالاتها مع الجانبين، بهدف إعادتهما للاتفاق النووي عبر طاولة الحوار.

 

دور قطري مهم

وفي السياق، أكد قائد المنطقة المركزية الوسطى الأمريكية الجنرال كينيث ماكينزي، (الاثنين 8 فبراير)، أن الموقع الجغرافي لدولة قطر يجعلها مهمة جداً فيما يتعلق بالتعامل مع أزمة إيران.

وبينما تعيد الرياض تفعيل علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، تواصل واشنطن تفعيل خطتها الرامية لإنهاء الحرب في اليمن تنفيذاً لتعهد انتخابي قطعه الرئيس جو بايدن، ما يعزز أهمية وجود وسيط يملك مقومات التأثير في الأزمة المتفاقمة.

وقد أعرب وزير الخارجية الإيراني مؤخراً عن رغبة بلاده في بدء حوار مع جيرانها الخليجيين، مؤكداً أن التعاون هو السبيل الوحيد لحل أزمات المنطقة.

وقد زار نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، نهاية ديسمبر 2022، العاصمة القطرية، وبحث مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير الدولة القطري لشؤون الدفاع الدكتور خالد العطية، تطورات منطقة الخليج والتهديدات التي تواجهها.

وبعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض دعا رئيس وزراء قطر السابق، الشيخ حمد بن جاسم، دول الخليج إلى فتح حوار مباشر مع إيران، داعياً إياهم إلى التوقف عن الاعتماد على الرهانات الخاسرة، حسب قوله.

ويبدو جلياً أن قطر باتت أكثر قوة من الناحية الدبلوماسية بعدما تمكنت من التعامل مع أزمة هي الأصعب في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، وواصلت على مدار 3 سنوات ونصف التعامل مع كل الملفات بخُطا محسوبة لاقت إشادة دولية واسعة.

 

مفاتيح التفاوض بيد الدوحة

المحلل السياسي الكويتي عبد العزيز سلطان، يعود إلى تصريح أدلى به وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، في يونيو 2018، وأكد خلاله أن بلاده لا تدعم موقف إيران ولا موقف التحالف العربي في حرب اليمن، وإنما تدعم “جلوس فرقاء الأزمة معاً إلى طاولة واحدة، وإيجاد حل لشعبيهما”.

وأضاف سلطان، في تصريح له “فسّر وزير الخارجية القطري آنذاك سبب انسحاب بلاده من التحالف بأن الوضع في اليمن قد تغيّر؛ لأن المنتظر كان الوصول لحل سياسي، وأن يجتمع اليمنيون حول مبادرة مجلس التعاون، لكن التوجه برمّته تغير”.

وتابع: “من هذا المنطلق، وخلال فترة المقاطعة، وطدت قطر علاقتها بإيران، كما كان لها علاقة جيدة بأطراف الصراع في اليمن، ومن بينهم الحوثيون الذين يعتبرون ذراع إيران هناك، وزعمت جهات مناوئة لقطر آنذاك أنها تدعم أطرافاً في السلطة الشرعية تناوئ التحالف العربي”.

لكن تقارير فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، للأعوام 2015 إلى 2019، لم تأت من قريب أو بعيد على أي دور رسمي لقطر في دعم جماعة الحوثي، أو أي طرف في السلطة الشرعية، بحسب سلطان.

ويتسق ذلك، بحسب المحلل الكويتي، مع موقف قطر المتجدد من إدانة أي هجوم صاروخي يستهدف المملكة من جانب الحوثيين. وأضاف: “لذلك يمكنني التأكيد على قدرة الدبلوماسية القطرية على الاضطلاع بدور فاعل في أي وساطة مرتقبة بين السعودية وأطراف النزاع في اليمن وإيران أيضاً”.

ويعتقد سلطان أن لدى قطر مفاتيح لكثير من المشكلات العالقة، ويمكنها أن تمارس ضغوطاً على جماعة الحوثي للدخول في أي اتفاق منصف وملزم.

كما يمكن لقطر، برأي سلطان، أن تكون مفاوضاً بالنيابة عن الدبلوماسية السعودية التي تتحاشى الجلوس المباشر على طاولة المفاوضات مع إيران.

ويؤكد المحلل الكويتي أن الدبلوماسية القطرية يمكنها القيام بدور فاعل في الملف اليمني بخلفيته الإيرانية، لكنه يتساءل: “هل تُقْدم الدبلوماسية السعودية التي ترى نفسها الأكثر عراقة وذات الخبرة الطويلة في مختلف ملفات المنطقة على الاستعانة بالدبلوماسية القطرية لتكون مفاوضاً بالنيابة عنها؟”.

وخلص إلى القول: “أعتقد أن المملكة قد تجنح لتفويض قطر في هذا الملف رغم حجم المعارضة الكبيرة التي قد تتكون ضد هذا القرار”، مشيراً إلى أن المتغيرات الدولية، خاصة بعد رحيل ترامب ومجيء جو بايدن، “تدفع باتجاه قبول المملكة بالدبلوماسية القطرية مفتاحاً للأزمة في اليمن”.