نشرت الاستخبارات الأمريكية قبل أيام تقريرا حول واقعة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي من قبل سلطات بلاده، أكد أن ولي العهد محمد بن سلمان كان على علم بالجريمة.

وبرغم استثناء الولايات المتحدة لابن سلمان من العقوبات التي فرضتها على مجموعة من المسؤولين السعوديين، إلا أن عمل إدارة بايدن للحد من سياسات ابن سلمان الداخلية بات واضحا، بحسب مراقبين.

وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن إدارة بايدن تتطلع إلى إعادة تقييم العلاقة الأمريكية السعودي.

وتابع: “ما فعلناه من خلال الإجراءات التي اتخذناها هو في الحقيقة ليس قطع العلاقة، ولكن إعادة تقويمها، لنكون أكثر انسجامًا مع مصالحنا وقيمنا. وأعتقد أنه يجب علينا أن نفهم أيضًا أن هذا أكبر من أي شخص”.

وشدد بلينكن على أن “العلاقات الأمريكية السعودية لا تتعلق فقط بعلاقة الولايات المتحدة مع ولي العهد”.

 

تغيير حتمي

المعارض السعودي، ومدير مركز “الجزيرة العربية للإعلام”، محمد العُمري، رأى أن الإطاحة بمحمد بن سلمان حتمية، ولن تتأخر كثيرا.

وذكر أن الولايات المتحدة باتت تعمل بالفعل على تغيير ابن سلمان، لكن بطريقة الانقلاب الناعم، للحفاظ على الدولة السعودية، وعدم السماح بحدوث أي بلبلة داخلية

وتابع أن الأمر ليس مقدسا بأن يبقى فلان في هذا المنصب دون غيره، مذكرا بأن الملك سلمان أطاح باثنين من أولياء العهد (مقرن بن عبد العزيز، ومحمد بن نايف)، وقد يقوم بذات الأمر مع نجله.

وبحسب العُمري فإن إدارة بايدن ربما تحضر لتقارير ومشاريع قوانين أخرى قد تقوّض حركة ابن سلمان بالفعل، وتؤدي إلى عزله بالتدريج.

 

“موقف ضعيف”

رأى محمد العُمري أنه وبرغم الإدانة الواضحة لابن سلمان بالتقرير الأمريكي، إلا أن موقف الرياض كان ضعيفا، عبر بيان احتجاجي “ناعم” من قبل وزارة الخارجية.

وتابع أن هذا البيان “لا يتناسب مع الحدث الكبير”، ولم يتبعه استدعاء السفير الأمريكي، أو اتخاذ أي خطوات احتجاجية غاضبة.

أضاف أن محمد بن سلمان “سقط سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا، وبات مرفوضا خارجيا”.

بدوره، قال المعارض المقيم في لندن سعد الفقيه، إن “محمد بن سلمان صار في عرف العالم كله أنه قاتل، ومعظم الدول الديمقراطية بالغرب ستتعامل معه على هذا الأساس، بأنه قاتل وخارق للقانون الدولي”.

وتابع أن موقف ابن سلمان بات ضعيفا بعد الخطوات الأمريكية التي اتخذها بايدن، من وقف دعم حرب اليمن، إلى رفع تصنيف الحوثي على قوائم الإرهاب، مرورا بالضغط على السعودية لرفع الحصار عن قطر.

 

“بايدن ليس ترامب”

وقال سعد الفقيه، إن شخصية بايدن بالتعامل مع ابن سلمان، تختلف عن سلفه دونالد ترامب، إذ أن الأخير غض الطرف عن تورط ولي العهد السعودي بمقتل خاشقجي، وقبل بـ”رشوى” منه.

وتابع الفقيه أن ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو قاما بالكذب بالقول إن تقرير الاستخبارات لم يثبت أن ابن سلمان متورط بالقتل، برغم أن الاستخبارات الأمريكية لديها معلومات دقيقة لم تنشر بعد، تثبت تواصل ابن سلمان مع شقيقه خالد، وسعود القحطاني، وربما غاريد كوشنر، من أجل التخلص من خاشقجي.

وأضاف: “بايدن ليس له علاقة شخصية بابن سلمان، ولا يأمل بالاستفادة منه كما فعل ترامب، وبالتالي فإنه لن يتوانى عن تنفيذ قوانين الكونغرس بهذا الخصوص”.

وتابع أن الأمر الآخر هو أن “بايدن حاقد شخصيا على ابن سلمان لأنه وقف بماله وإعلامه في دعم حملة ترامب”.

 

الخطر الأكبر

اتفق العُمري والفقيه على أن أخطر ورقة قد تلعبها إدارة بايدن ضد ابن سلمان، هي إجباره على إخراج الأمراء المعتقلين.

وذكر العُمري أن إطلاق أمير كأحمد بن عبد العزيز، آخر الأمراء العقلاء، وشخصية متمكنة ومتمرسة ولها حاضنة واسعة في أجهزة الدولة، سيشكل خطرا كبيرا على ابن سلمان.

بدوره، قال الفقيه إن “ما يهم أمريكا بالدرجة الأولى هو إخراج المعتقلين من آل سعود”.

وقال إن ما هو أخطر على ابن سلمان من فرض عقوبات بحقه، هو إجباره على إطلاق سراح الأمراء، لا سيما محمد بن نايف، وتركي بن عبد الله، وأحمد بن عبد العزيز، ومنحهم حصانة، ورفع أي قيود عنهم.

وأضاف: “حينها سيجتمعون وبإمكانهم إسقاطه بسهولة”، مضيفا أن ابن سلمان سيفشل في كسب تأييد أي جهة خارجية، ولن تسمح له الولايات المتحدة بعقد تحالفات استراتيجية مع الصين وروسيا.

وبرغم ذلك، قال الفقيه إن الإطاحة بمحمد بن سلمان ستأخذ وقتا ليس بالقليل، مضيفا أنه في حال فشل كبار الأمراء بالإطاحة به خلال عامين، فإنه سيثبت أقدامه بالحكم لسنوات طويلة قادمة.

 

تغيير سياسات فقط

مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية، استبعدت أن تعمل إدارة بايدن على الإطاحة بمحمد بن سلمان.

وقالت في مقال لغريم وود، إن تقرير الاستخبارات الأمريكية، وسياسات بايدن، ستدفع ابن سلمان حتما إلى تغيير سياساته.

وأوضحت بحسب ما ترجمت “عربي21″، أن إيران على سبيل المثال متورطة باغتيال معارضين أكبر بكثير من السعودية، ولم يتم الإطاحة بأي من رؤسائها.

ولفتت إلى أن من أبرز السياسات التي يجب أن تتغير بضغط أمريكي، هي وقف حرب اليمن بشكل نهائي، رغم أن ذلك يعني إقرارا بانتصار الحوثي الذي يحارب السعودية بالوكالة عن إيران، بحسب “ذا أتلانتك”.

 

تقييم بندر بن سلطان

قيّم السفير السعودي السابق لدى واشنطن، بندر بن سلطان، ورئيس الاستخبارات، الأمير بندر بن سلطان، تقرير المخابرات الأمريكية، وتعامل إدارة بايدن مع قضية خاشقجي.

وقال بحسب ما نقل موقع “أساس” الذي يديره صحفيون عربا موالون للسعودية، إن هناك “حوادث كثيرة انطوت على جرائم ارتكبها ضبّاط كبار أو جنود أميركيون، في سياق عمليات عسكرية أو أمنية حاصلة على جواز من أعلى السلطات الأميركية، بيد أنّ ذلك لم يعنِ أنّ المسؤول عن هذه الجرائم هو الرئيس الأميركي بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلّحة”.

وذكر أن محكمة رفيق الحريري الدولية وبعد أن استمرت لسنوات طويلة، أدانت شخصا واحدا فقط هو من أعضاء حزب الله، ويدعى سليم عياش، بيد أنها لم تتهم الأمين العام للحزب، أو أي شخصية أخرى.

يضيف بندر بن سلطان: “فكرة السجون السرية أو تغيير قواعد التحقيق مع الإرهابيين بعد أحداث 11 أيلول 2001، هي سياسة أميركية أجازتها السلطات الأميركية، وولدت من رحم التفكير في الدائرة الضيقة للرئيس جورج دبليو بوش يومها ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد وبعض المستشارين الرفيعين في الإدارة. فضيحة “سجن أبو غريب” التي نتجت عن هذه السياسة، المُجازة من الرئيس مرة أخرى، كانت شذوذاً عن مقاصد هذه السياسة، وخللاً خطيراً في إدارتها”.

وتابع: “لكن لنسأل، هل وفق ما نعرفه اليوم عن كيفية ولادة هذه السياسة، وآلية اتّخاذ القرار بشأنها، ودقّة متابعتها من أرفع المسؤولين في مجتمعي الاستخبارات والدفاع الأميركيين، يعني أنّ الرئيس الأميركي أو وزير دفاعه، مسؤول مباشرة عن الجرائم بالمعنى الجنائي؟”… “بالطبع لا”.