مع بدء الحديث عن تحسن العلاقات السعودية التركية ظهرت مؤشرات جديدة قد تعيد حالة التوتر بين البلدين والحالة إلى المربع الأول من جديد؛ مع إعلان اليونان بدء مناورات جوية مع الرياض.

ولم تخفِ تركيا غضبها من المناورات العسكرية بين السعودية واليونان، حيث أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان امتعاضه منها، مؤكداً أن بلاده ستبحث مع السلطات السعودية قرار إجرائها مناورات عسكرية مع اليونان.

وفي تصريحات صحفية أدلى بها أردوغان، الجمعة 12 مارس، بمدينة إسطنبول قال: “أحزنتنا المناورات العسكرية المشتركة بين السعودية واليونان، ولم نكن نود رؤيتها، وسنناقش هذا الأمر مع المعنيين السعوديين”.

ووصلت طائرات حربية تتبع القوات الجوية الملكية السعودية، السبت 13 مارس، إلى اليونان؛ للمشاركة في المناورات الجوية، رغم تعبير أردوغان عن امتعاضه من خطوة الرياض.

وستشارك في المناورة وفق وكالة الأنباء السعودية (واس) مقاتلات من طراز “إف – 15 سي” مع كامل أطقمها الجوية والفنية والمساندة، حيث وصلت إلى قاعدة سودا الجوية بجزيرة كريت اليونانية للمشاركة في تمرين “عين الصقر 1” الذي يجري خلال الشهر الحالي.

وخلال المناورة ستنفذ القوات الجوية السعودية واليونانية طلعاتهما الجوية، وتمارينهما المشتركة، في سماء البحر الأبيض المتوسط.

وتهدف المناورة، حسب الوكالة الرسمية، إلى “صقل وتطوير مهارات الأطقم الجوية والفنية، ورفع الجاهزية القتالية لقواتنا الجوية، ‏إضافة إلى تبادل الخبرات العسكرية في مجال تنفيذ وتخطيط العمليات الجوية”.

 

تحسن العلاقات

شهدت الفترة الأخيرة تصريحات مبشرة حول العلاقات بين السعودية وتركيا، كان أبرزها ما جاء على لسان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بأن بلاده لا ترى أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع السعودية، وأنها مستعدة للتجاوب مع أي خطوات إيجابية من الرياض وأبوظبي أيضاً، بالإضافة لبدء محادثات مع مصر.

وحسب تشاووش أوغلو، لا يوجد أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أن “حدة الحملات السلبية ضد تركيا لدى بعض دول الخليج العربي خفت”.

وأضاف: “في حال أقدمت السعودية على خطوات إيجابية فسنقابلها بالمثل، والأمر ذاته ينطبق على الإمارات”.

في المقابل نقلت وكالة “بلومبيرغ” عن مصادر مطلعة أن السعودية ومعها الإمارات بدأتا تحركات أولية لتحسين العلاقات مع تركيا، مبينة في تقرير نشرته، الخميس 4 فبراير 2021، أن هذا التحرك “يمكن أن يفيد التجارة والأمن في المنطقة غير المستقرة”.

وأوضحت “بلومبيرغ” أن “هذه الخطوات أولية على خلفية التوترات والصراع طويل الأمد على النفوذ”، مرجحة أنها قد تتعثر بسبب مطالبة الدولتين الخليجيتين لتركيا بالتخلي عن دعم جماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبرها السعودية والإمارات “إرهابية”.

لكن التقرير أشار في الوقت ذاته إلى أنه “حتى التقدم المحدود قد يخفف من التوترات حول قضايا إقليمية أوسع، خاصة أن هذه التطورات تأتي بعد المصالحة بين كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، حيث تعتبر الأخيرة حليفاً وثيقاً لتركيا في المنطقة”.

 

أثينا والرياض وأنقرة

لكن في المقابل عززت الرياض من علاقاتها مع أثينا بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة، في وقت تعيش فيه العلاقات التركية-اليونانية توتراً ملحوظاً؛ بسبب التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.

ففي فبراير الماضي، أكد وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، أن بلاده ستوقع اتفاقية مع السعودية لتسليمها نظام صواريخ “باتريوت” ونصبه وتشغيله في أراضي المملكة.

وبالتزامن مع ذلك عقد في أثينا اجتماع حضره وزراء خارجية اليونان والسعودية ومصر والإمارات والبحرين وقبرص، إضافة إلى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي شارك في هذا الاجتماع عبر الفيديو، ناقشوا فيه أبرز قضايا الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وأهميـة تعزيـز التعـاون والتنسيق المشترك لتحقيق الأمن والسلم الدوليين.

هذا الاجتماع لم يرق لتركيا، حيث اتهمت أنقرة المنتدى الذي احتضنته أثينا بأنه “محاولة لتأسيس تحالف على أساس العداء لتركيا”، كما تمر العلاقات التركية اليونانية بحالة من التوتر، كان أحدثها ما شهدته الحدود بين البلدين، خاصة بعد مصادقة البرلمان اليوناني، 28 أغسطس 2020، على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع مصر.

المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، يؤكد أن توقيت بدء المناورات العسكرية بين السعودية واليونان تأتي في ظل تقارب سعودي تركي، ومحاولة يونانية لإنشاء قطب عربي حولها.

وتحاول اليونان، حسب حديث رضوان أوغلو، جذب السعودية نحوها من النواحي السياحية، والاقتصادية؛ لأن هناك خلافات في بعض المواقع مع تركيا، وتوسيعها في الإعلام السعودي، ولفت الانتباه.

وتريد اليونان من تلك المناورات، كما يقول: “تقوية علاقاتها بمحور عربي إسلامي، حيث بدأت مند سنوات إقامة منتجعات سياحية خالية من الكحول من أجل استقطاب السياحة الخليجية، والآن تحاول عبر المناورات إقامة علاقات أكثر قوة مع دولة عربية كبيرة جداً وهي قلب العالم الإسلامي”.

ولليونان، وفق المحلل السياسي التركي، “الحق في إقامة مناورات عسكرية مع السعودية، ولكن يحق لتركيا الاستفسار عن تلك المناورات ومكان وجودها لحساسية الموقف، والعلاقات بين أنقرة وأثينا، وخلاف الحدود بينهما”.

وتحاول اليونان من تلك المناورات، كما يؤكد رضوان أوغلو، “استقطاب الدول العربية الغنية الأخرى، إعلامياً وسياسياً، إضافة إلى أن السعودية تريد منها تخفيف العبء القادم وتنويع مصادرها السياسية، خاصة الرسائل غير المبشرة القادمة من الولايات المتحدة”.

وتريد السعودية من المناورات، وفق رضوان أوغلو، “تنويع ثقلها السياسي في القوى الخارجية والعسكرية من خلال تركيا واليونان”.

ويستبعد المحلل السياسي التركي “وجود أي تأثير كبير قد تسبب فيه المناورات اليونانية السعودية على العلاقات بين أنقرة والرياض؛ لعدة أسباب أبرزها سياسية، وجغرافية، حيث لا يوجد توافق أو حدود مشترك بين اليونان والسعودية، وأي اشتراكات عسكرية من قبل بين البلدين”.