من جديد عادت سهام الاتهامات الموجهة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في فضيحة جديدة قد تنهي ما قام به خلال أكثر من عام لتحسين صورته دولياً.

يأتي الادّعاء الخطير بأن بن سلمان كان متورطاً في عملية اختراق الهاتف المحمول للرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيف بيزوس، ليعيد توجيه سهام الانتقادات إلى الأمير الشاب المثير للجدل، الذي قد يدفع نحو إعادة فتح ملف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصيلة بلاده في إسطنبول التركية (أكتوبر 2018)، بعد غياب الحديث عنه مؤخراً.

ويحظى نجل الملك سلمان بسمعة ملطخة دولياً؛ بعد أن ارتبط اسمه بمؤامرات وفضائح وقمع داخلي، وتحول إلى واحد من أكثر القادة المنبوذين عالمياً، كما تشير التقارير والاستطلاعات الدولية.

 

الكثير لا يثقون به

أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “بيو” للأبحاث أن غالبية المستجوبين في الشرق الأوسط والولايات المتحدة لا يثقون بقدرة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على اتخاذ القرارات الصائبة في القضايا الدولية.

وشمل الاستطلاع، الذي نشرت نتائجه في (30 يناير 2020)، كلاً من لبنان وتركيا وتونس و”إسرائيل” والولايات المتحدة.

وكان الإسرائيليون -وفق الاستطلاع- الأقل وثوقاً بولي العهد السعودي، حيث شكّك نحو 80% من المستجوبين بقدرته على إدارة القضايا الدولية بفعالية.

وبين نحو 20% من المستجوبين الأمريكيين واللبنانيين أن لديهم ثقة في قدرة الأمير محمد بن سلمان على التعامل بفعالية مع القضايا الدولية.

وفي الولايات المتحدة أعرب نحو ربع الجمهوريين (ما نسبته 27%) عن ثقتهم بولي العهد السعودي في اتخاذ القرارات الصائبة فيما يتعلق بالشؤون الدولية، مقارنة بـ18% من الديمقراطيين.

ولفت معهد “بيو” إلى أن أربعاً من الدول الخمس التي شملها الاستطلاع تعد فيها الفئة التي تثق بمحمد بن سلمان الأضعف مقارنة بالفئات التي تثق بزعماء العالم.

 

فضيحة جديدة قد تنهي تلميع صورته

ولعل ما نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، في منتصف يناير من العام الجاري، التي تحدثت عن تجسس بن سلمان على هاتف جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، والذي يمتلك أيضاً صحيفة “واشنطن بوست”، يجعل ولي العهد أمام مواجهة قادمة مع المجتمع الدولي.

وأمضى المسؤولون السعوديون في 2019 جهوداً كبيرة لإعادة بناء سمعة البلاد بعد جريمة قتل خاشقجي، وحصلوا على دعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دافع عن الأمير الشاب، وعمل على وقاية المملكة من أي عقوبات كبيرة من جانب النواب الأمريكيين.

وطالب خبيران في الأمم المتحدة بأن تجري الولايات المتحدة تحقيقاً فورياً في مزاعم مشاركة بن سلمان في مخطط لاختراق هاتف بيزوس.

وقال كل من أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالإعدام خارج نطاق القضاء، وديفيد كاي، المقرر الأممي الخاص المعني بحرية التعبير، إن لديهما معلومات تشير إلى “احتمال ضلوع” ولي العهد السعودي في اختراق هاتف الملياردير بيزوس في هجوم إلكتروني مزعوم عام 2018.

وأشار مقررا الأمم المتحدة إلى أن تحليلات -اعتبراها موثوقة- خلصت إلى أنه خلال ساعات من استقبال الفيديو طرأ “تغير غريب ومفرط” على الجهاز؛ حيث قفز معدل تسريب البيانات منه بنحو 300 ضعف تقريباً.

وسيرفع المقرران الخاصان كالامارد وكاي، اللذان نشرا نتائجهما في بيان، تقريرهما لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال الفترة القادمة، لكنهما مجرد جهة رقابية مستقلة وليسا من مسؤولي المنظمة الدولية.

ويمكن أن يتسبب التقرير في تشويه سمعة المملكة لدى القوى والمستثمرين الأجانب.

 

تهديدات وملاحقات

وبينما كانت كالامارد تحقق في احتمال ضلوع ولي العهد السعودي في اختراق هاتف جيف بيزوس، كشفت عن تلقيها تهديدات بالقتل، دون أن تحدد ظروف أو توقيت ذلك.

ونقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في 25 يناير، عن كالامارد قولها إن إصرارها على كشف قضية القرصنة يهدف إلى تبيان من يمثل أهمية استراتيجية للسعودية، مشددة على أنها “مصممة على كشف تفاصيل قرصنة هاتف بيزوس” مهما حدث.

ولم تكن قضية الكشف عن اختراق هاتف بيزوس إلا واحدة من قضايا أخرى كشفت مؤخراً عما يقوم به بن سلمان، ففي 30 يناير، اتهم الناشط السعودي المعارض غانم الدوسري، ولي العهد السعودي بالوقوف وراء الهجمات السرية التي تستهدف منتقدي النظام السعودي”، مشيراً إلى أن “استهداف المعارضين في عهد بن سلمان بات يجري بشكل علني”.

وادعى الدوسري أن هاتفه النقال تعرض للتجسس، وأنه رفع دعوى قضائية ضد الإدارة السعودية في بريطانيا لهذا السبب.

وأضاف أنه تعرض لاعتداء من قِبل سعوديين في العاصمة لندن التي يعيش فيها، مشيراً إلى وجود أشخاص يراقبون تحركاته.

وفي 24 يناير 2020، ذكر موقع أمريكي أن السعودية حاولت اختطاف مواطنها الناشط عبد الرحمن المطيري من الولايات المتحدة.

ونقل موقع “ديلي بيست” عن مصادر أمريكية (لم يسمها) قولها: إن “الناشط عبد الرحمن المطيري يقول إن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أنقذه من مصير جمال خاشقجي”.

 

سمعة السعودية تعود للتدهور

وحاولت الرياض الفكاك من المشاكل والخلافات وتحسين صورة ولي العهد، إلا أن ذلك لم يعد عليها بالفائدة مع حادثة اختراق الهواتف، التي أعادت الصورة السيئة المرسومة للمملكة ولولي عهدها.

وذكرت صحيفة “ديلي ميل” اللندنية، في 26 يناير، أنه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هاتف رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، من الاختراق من خلال رسائل “واتساب” تحمل الرموز التعبيرية “إيموجي” كان يرسلها إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بكثرة.

وأشارت إلى أن استخدام بن سلمان لـ”الإيموجي” باستمرار حيَّر جونسون وفريقه، مضيفة أن مصادر أمنية قالت إن مستوى اتصال ولي العهد السعودي بجونسون كان “مثيراً للقلق”، وإن العلاقات الحالية مع المملكة “يتم تقييمها” بشدة؛ بسبب سلوك بن سلمان.

من جانب آخر طالبت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، ماريا أرينا، الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في حضوره قمة مجموعة العشرين المزمع عقدها في الرياض، في نوفمبر المقبل.

وقالت أرينا: إن “هذه القرصنة تندرج ضمن نمط أوسع من المراقبة السعودية للمعارضين؛ من ضمنهم الصحفي جمال خاشقجي الذي تعرض للقتل وتقطيع جثته داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول”.

بدورها قالت لجنة حماية الصحفيين الدولية: إن “اختراق هاتف جيف بيزوس يثير القلق بشأن حرية الصحافة في السعودية والانتهاكات التي طالتها”.

 

سمعة ملطخة

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي انتقد نشطاء وصفحات ما يقوم به بن سلمان من تشويه لصورة السعودية، وكتب حساب “نحو الحرية” الشهير على “تويتر” قائلاً: “محمد بن سلمان؛ سمعة ملطخة دولياً، ارتبط اسمه بمؤامرات وفضائح وقمع داخلي، وتحول إلى واحد من أكثر القادة المنبوذين عالمياً “.

وأضاف: “بسببه أصبحت السعودية (دولة مارقة) لا أحد يحترمها ولا أحد يثق بها، غباء هذا الشخص وجرائمه حطمت البلد ودمرت صورتها”.

وتساءل الناشط سعيد بن ناصر الغامدي عن تكاليف اختراق محمد بن سلمان لهاتف مالك أمازون، وقال: إنها “ستكلف رشاوى وتعويضات باهظة جداً، من أين ستُدفع هذه المبالغ؟”.

وقال الحساب الشهير أيضاً “مفتاح” على “تويتر”، إن تناول الصحف الغربية حادثة اختراق محمد بن سلمان لهاتف جيف بيزوس “أجمع الإعلام الغربي من خلاله على أن ما قام به هو تصرف متهور أخرق، جعل من ولي العهد يبدو بمظهر الصبي الشرير الذي يمكن كشف أفعاله بسهولة”.

أما سمير القحطاني فقال: بن سلمان “ما زال لا يدرك أبعاد جريمته، وظن أن بإمكانه التشويش أو التشكيك في قضيتَي (الاختراق والابتزاز) التي ارتكبهما بحق جيف”.

وأضاف: “عموماً بمجرد انتهاء التحقيقات وصدور مذكرة الاتهام الرسمية يستطيع بيزوس مقاضاة بن سلمان زعيم العصابة الفاشل!”.