في تطور جديد، لكن لم يكن مستبعدا بشأن مقتل “جمال خاشقجي”، غرد “صلاح”، نجل الصحفي القتيل، في 21 مايو/أيار، ليعلن عفوه عن قاتلي والده.

وقال “صلاح”: “في هذه الليلة الفضيلة، في هذا الشهر الفضيل، نسترجع ما قاله الله تعالى في كتابه الكريم:”وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40).. ولذلك، نعلن -نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي- أنا عفونا عمن قتل والدنا -رحمه الله- لوجه الله تعالى، وكلنا رجاء واحتساب للأجر من الله تعالى”.

وكان هذا “العفو”، الصادر في الأسبوع الأخير من رمضان، آخر حلقة في اللعبة الساخرة في القضية التي طغت على السعودية خلال العامين الماضيين فيما يتعلق بالقتل الوحشي لـ”خاشقجي” في القنصلية السعودية في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. لكنها قد لا تكون بمثابة إسدال الستار على القضية التي شغلت المسرح العالمي.

وكان “خاشقجي” صحفيا سعوديا في المنفى الذاتي في الولايات المتحدة، وكاتبا في صحيفة “واشنطن بوست”. ولم يكن ينتقد سياسات النظام السعودي فقط، إلا أنه، ربما بشكل أكثر خطورة من وجهة نظر النظام، كان لديه رؤية للتعبير الحر في العالم العربي، من خلال إنشاء مشروع يسمى “الديمقراطية للعالم العربي الآن” (داون).

وكان الاغتيال الوحشي بدم بارد لـ”خاشقجي” وتقطيع جثته من قبل فرقة سعودية من 15 عضوا صدم العالم وأصابه بالاشمئزاز، وكذلك فعلت السردية المتغيرة من قبل النظام السعودي في محاولة للتستر على الأمر على مدار العام التالي. و لم تظهر جثة “خاشقجي” حتى الآن.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أدانت محكمة سعودية 8 أشخاص؛ حيث صدر حكم بالإعدام على 5 منهم، وبالسجن بحق 3 متهمين، فيما جرى تبرئة 3 آخرين. ولم تفصح المحكمة عن أسمائهم فيما وصفت وزارة الخارجية الأمريكية الأمر بالمحاكمة الصورية.

وظهرت هوية المدانين فقط في أبريل/نيسان 2020 عندما قدم المدعي العام التركي لائحة اتهام ضد 20 سعوديا في محكمة تركية.

وتدعي السعودية أنها تعمل وفقا للشريعة الإسلامية التي بموجبها يمكن للقاتل أن يلتمس العفو لدى أسرة الضحية، ولا يتطلب الأمر إلا العفو من فرد واحد من أفراد الأسرة للحصول على العفو.

والآن، بعد أن أعلن ابن “خاشقجي” العفو عن قاتل أبيه، فإن ذلك يفتح الباب أمام عفو محتمل من قبل المحكمة عن المدانين في الجريمة أو الرأفة من قبل الملك.

وقد يختلف علماء الإسلام حول ما إذا كان من الممكن “العفو” في جريمة قتل عمد مثل جريمة “خاشقجي” أم لا.

وقال الباحث في مركز جامعة جورجتاون للتفاهم بين المسلمين والمسيحيين “عبد الله العودة”، في مقال افتتاحي، أن مقتل “خاشقجي” مع سبق الإصرار، لا يمكن العفو عنه، حتى من قبل أحد أفراد الأسرة، وذلك بموجب أحكام سابقة للمحكمة العليا السعودية.

ويؤكد “العودة” أيضا أن ابن “خاشقجي” تم إكراهه على منح العفو، وأن الحكومة السعودية اعتادت على إخفاء أشخاص لاستخراج اعترافات أو عفو.

ولا يعد عفو الأسرة ملزما للسلطات السعودية. إنه فقط يفتح لها الباب. لكن من الناحية العملية في السعودية، يعني عفو العائلة أنه من المرجح جدا أن تخفف السلطات الأحكام بحق مرتكبي الجريمة البشعة، بما في ذلك العقل المدبر.

ومن الواضح تماما أن عشرات الملايين من الدولارات والعقارات التي منحتها الحكومة السعودية لعائلة “خاشقجي” منذ مقتله بمثابة “الدية”. ومما لا شك فيه أن ذلك ثمن عفو الأسرة عن المجرمين وإزالة هذه البقعة التي لطخت الصورة التي يحاول “محمد بن سلمان” جاهدا إعادة تأهيلها.

وقد لا يتم تنظيف الصورة بهذه السهولة، نظرا للقمع المتفشي وقتل المعارضين، ومآسي الحرب السعودية الفاشلة التي شنتها في اليمن على مدى الأعوام الخمسة الماضية، والسجن المستمر لناشطات حقوق المرأة، ومن بينهن “لجين الهذلول”، التي طالبت مع أخريات بحق المرأة في قيادة السيارة، الذي تم منحه الآن للسعوديات، حيث تم سجنها لأكثر من عامين منذ مايو/أيار 2018، وتعرضت للتعذيب، ولم يُسمع عنها منذ أسابيع، حسب تصريح لعائلتها في 2 يونيو/حزيران.

ولا يظهر المجتمع الدولي استعدادا في الوقت الحالي لترك القضية تمر مرور الكرام. وما زالت المقررة الخاص للأمم المتحدة “أجنيس كالامارد”، التي خلص تحقيقها إلى أن أوامر قتل “خاشقجي” جاءت من القمة أي ولي العهد نفسه، (وهو نفس رأي وكالة الاستخبارات المركزية وجميع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي)، تطالب بمحاسبته على هذا “الإعدام المروع” والانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان.

وكتبت “كالامارد”، في بيان: “تمارس السلطات السعودية ما تأمل أن يكون آخر لعبة في حلقة محاكاة العدالة التي تم تجهيزها جيدا لخداع المجتمع الدولي”، مؤكدة أن “الدولة السعودية مسؤولة عن قتل خاشقجي. وقد جاء الأمر بالقتل والإشراف علي تنفيذه من أعلى مستوى في الدولة”.

وحذرت من أن العفو لن يكون الفصل الأخير من المحاكاة الساخرة. وأوضحت “كالامارد” بالتفصيل الأدوات والمنتديات العديدة التي يمكن للمجتمع الدولي من خلالها مواصلة السعي لمساءلة الضالعين في الجريمة، بما في ذلك ولي العهد.

وذكرت في هذا الخصوص دور البرلمانات، والمؤسسات الدولية مثل مجموعة العشرين، والمحاكم الأخرى مثل المحاكم التركية، والأمم المتحدة، في بدء تحقيق لمتابعة العدالة على أعلى المستويات.

وأدان خبراء حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وأصدقاء “خاشقجي” وخطيبته التركية “خديجة جنكيز” العفو الممنوح، وطالبوا بتحقيق العدالة.

وكما قالت “كالامارد”، “تعني العدالة لخاشقجي أن علينا كمجتمع دولي أن نبذل قصارى جهدنا لمنع ووقف إعدام الصحفيين”.

وللوصول إلى الجزء الأخير من قضية “خاشقجي”، يجب محاسبة العقل المدبر والذي يظُن الآن أنه مع هذا “العفو” وجد طريقه لحل القضية وتجنب المساءلة التي يعمل الكثيرون خلف الكواليس حتى لا تحدث.