واصلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية طرح التساؤلات حول مدى استعداد قادة دول مجموعة العشرينن لاسيما الديمقراطيين منهم، لإعطاء الفرصة لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لغسل سمعته مجددا، والعودة بأريحية إلى صدارة قادة المجتمع الدولي، رغم أفعاله التي جلبت سخطا عالميا.

وفي تقرير لها، الإثنين، سلطت الصحيفة الضوء على الناشطة النسوية السعودية “لجين الهذلول”، والمعتقلة في سجون المملكة في ظروف بائسة، طارحة سؤالا حول إمكانية إفراج السعودية عنها وزميلاتها المعتقلات، قبل انعقاد قمة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بطلبات من قادة بعض الدول.

واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن السعودية تحاول بشتى الطرق إخراج الاجتماع المقبل، تحت رئاستها، لقمة العشرين كما يجب، وذلك كي يستعيد “بن سلمان” مكانته على المسرح الدولي، رغم قيادته حربا وحشية في اليمن شهدت جرائم بشعة، وقمعه الكبير للناشطين والمفكرين بالسعودية.

ووجهت “واشنطن بوست” تساؤلا إلى قادة دول العشرين الذين ينتوون “تشريف” ولي العهد السعودي بالحضور إلى الرياض أو حتى حضور الاجتماع، افتراضيا، تحت رئاسة “بن سلمان” ووالده العاهل السعودي.

وكان السؤال هو: “هل سيمنح قادة العشرين بن سلمان البراءة في الوقت الذي تقبع فيه لجين الهذلول في سجن الحائر سيئ السمعة، الذي يبعد عن الرياض، مقر المؤتمر، 25 ميلا؟”.

وقالت الصحيفة إن “الهذلول” هي الأشهر من بين 28 ناشطة نسوية سجنت في السعودية منذ عام 2018، وتعرض عدد منهن لتعذيب شرس ولم تتم إدانة أي واحدة منهن.

واعتبرت أن “بن سلمان” يراهن على تجاهل معاناتهن وجرائمه ضدهن “من أجل مؤتمر نخبة لا معنى له وناد أنشئ عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية، ولم يحقق أي شيء مهم منذ عقد”.

واستبعدت الصحيفة أن يتحقق ذلك التجاهل الدولي تجاه “الهذلول”، التي كانت وهي في سن العشرين قائدة للاحتجاج في السعودية وطالبت بمنح المرأة حق قيادة السيارة ونهاية نظام وصاية الرجل على المرأة، واختار “بن سلمان”، الذي كان يبحث عن المكانة الدولية والاستثمار، رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في عام 2018 ولكنه سحق من دعا للإصلاح من الناشطين والناشطات.

ولفتت إلى أن”لجين الهذلول” كانت تعيش في المنفى واختطفت في مارس/آذار 2018 في الإمارات، وأعيدت قسرا إلى المملكة، وأفرج عنها لفترة قصيرة قبل أن يعاد اعتقالها في 15 مايو/أيار 2018 مع عدد من الناشطات، ونقلن إلى مراكز اعتقال سرية بدون معرفة مكانهن لأشهر، وتبين لاحقا أن عددا منهن تعرضن للتعذيب.

ولا تزال “الهذلول” في السجن -والكلام للصحيفة- لأنها أخبرت بشجاعة عائلتها ومسؤولية في مفوضية حقوق الإنسان السعودية ما جرى لها؛ فقد جردت من ملابسها وانتهكت جنسيا وضربت وتعرضت للصعقات الكهربائية، ومورس عليها أسلوب الإيهام بالغرق.

وقد أشرف على تعذيبها “سعود القحطاني”، أكبر مستشار لـ”محمد بن سلمان” في ذلك الوقت وهددها باغتصابها وقتلها.

وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن تفجر أزمة اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” ببشاعة داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، طغت على قضية الناشطات المعتقلات، وأضرت ردود الأفعال على اغتيال “خاشقجي” صورة “بن سلمان” التي سعى لترسيخها دوليا، لكنها في الأخير لم تدفعه إلى تغيير أسلوبه، حيث واصل قمع السعوديين في الداخل والخارج ممن انتقدوا نظامه، ورفض مطالب التخلص من “القحطاني”.

وبدلا من تحقيق العدالة والاقتصاص من القتلة، قدم ولي العهد السعودي “ورقة تين”؛ فقبل أسبوع، أعلنت محكمة أن 8 أشخاص من 15 شخصا شاركوا في قتل “خاشقجي” تلقوا أحكاما بالسجن لمدد تتراوح ما بين 7 إلى 20 عاما.

وفي نفس اليوم اتصل الملك “سلمان” بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، والروسي “فلاديمير بوتين”، والفرنسي “إيمانويل ماكرون” لمناقشة خطط تتعلق بقمة العشرين القادمة، واتصل يوم الأربعاء بالرئيس الصيني “شي جين بينج”، ورئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، والمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، لنفس الغرض.

وعودة إلى موضوع الناشطات المعتقلات، حيث قالت الصحيفة إن “بن سلمان” قدم في هذا الملف تنازلات قليلة، شملت الإفراج عن 8 منهن بداية 2019، وفرضت عليهن الإقامة الجبرية، وقدمن مع 4 أخريات للمحاكمة، بلائحة اتهامات سخيفة، فـ”لجين الهذلول”، التي لم يفرج عنها، اتهمت مثلا بتقديم معلومات لجماعات حقوق إنسان والاتحاد الأوروبي.

وهذا يفسر حالة السكون التي طغت على المحاكمات، ولم تنظم جلسات استماع منذ أشهر ولا توجد جلسات أخرى مجدولة.

وقبل عام قالت عائلة “لجين الهذلول” إنه عرض عليها الإفراج عنها بشرط تسجيل شريط فيديو تؤكد فيه بصراحة أنها لم تتعرض للتعذيب، ورفضت “لجين” ذلك، ولا تزال تقبع في زنزانة بسجن الحائر، واختفت لثلاثة أشهر هذا الصيف، وسمح لوالديها أخيرا بزيارتها في 31 أغسطس/آب الماضي، واكتشفا ضعفها بسبب الإضراب عن الطعام.

وافترضت الصحيفة السيناريو السيئ، وهو إمكانية وفاة “لجين” داخل محبسها، مشيرة إلى أن النظام السعودي يعرف أن هذا الأمر قد يؤدي في النهاية إلى “صحوة ضمير” قادة مجموعة العشرين، لكن يجب ألا يصل الأمر إلى هذا الحد.

وألمحت “واشنطن بوست”، بدلا عن ذلك، إلى إمكانية إطلاق مفاجئ لسراح “لجين” وزميلاتها المعتقلات قبيل قمة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث ربما ربط “ماكرون” و”ميركل” و”جونسون” و”جاستن ترودو” الذين لا يتشاركون مع “ترامب” في حبه للديكتاتوريين حضورهم القمة بالإفراج عن الناشطات.