اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن إدارة الرئيس “جو بايدن” وضح أنها “تفتقر إلى الخيارات اللازمة للرد على السعودية ومعاقبتها في حال عملت على تقويض مصالح الولايات المتحدة في المنطقة”.

وقالت الصحيفة، في تحليل كتبته الصحفية المتخصصة بشؤون الأمن القومي “ميسي رايان”، وترجمه “الخليج الجديد”، إنه بعد أشهر من تعهد البيت الأبيض بمعاقبة السعودية بسبب قرارها خفض إنتاج النفط في تحد للرغبات الأمريكية، أنهت إدارة “بايدن” حديثها عن الانتقام من المملكة الخليجية، مؤكدة على العلاقات الأمنية الطويلة بين البلدين وخطوات الرياض لدعم واشنطن.

وبينما كان الكونجرس يسعى للرد بشكل أكثر قوة ووضوحا على الخطوة السعودية، مركزا على مسألة العقاب بتقليل أو منع توريد الأسلحة الأمريكية للرياض، بدا أن إدارة “بايدن” لا تفضل هذا النهج التصعيدي السريع، رغم أن الرئيس الأمريكي غاضب بشدة بعد قرار “أوبك+” بخفض الإنتاج وأكد أن تبعات القرار السلبية على العلاقات الأمريكية السعودية ستكون واضحة.

وبحسب الكاتبة، يسلط هذا التغيير المفاجئ الضوء على ندرة الخيارات المستساغة المتاحة لصانعي السياسة الأمريكيين في هذا الملف، وسط منافسة شديدة مع روسيا والصين اللتين تلعبان في الشرق الأوسط وما وراءه.

ونقل التحليل عن مسؤول أمريكي (لم يذكر اسمه) قوله إنه رغم أن خطوة خفض إنتاج النفط كان له تأثير سلبي على العلاقات الأمريكية السعودية وأسعار الطاقة، فإن التعاون الفعلي بين واشنطن والرياض بالمنطقة يعزز المصالح الأمريكية في النهاية.

وتقول “ميسي” إن التطور الدراماتيكي في استجابة الإدارة الأمريكية لما حدث يؤكد على أهمية المملكة بالنسبة للولايات المتحدة، ليس فقط بسبب احتياطياتها النفطية الهائلة، ولكن أيضًا بسبب تأثيرها الواسع في جميع أنحاء العالم الإسلامي ومكانتها كقوة إقليمية موازنة كبرى لخصم الولايات المتحدة؛ إيران.

ومع ذلك، تواجه الإدارة الأمريكية ضغوطًا مستمرة من الحلفاء الديمقراطيين الذين استشهدوا بقرار “أوبك+” كسبب للتشكيك في مصداقية المملكة العربية السعودية كحليف، وعبروا أيضًا عن قلقهم بشأن علاقاتها العميقة مع الصين، وسجلها السيئ في حقوق الإنسان والقمع السياسي، وأفعال زعيمها الفعلي ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، الذي تقدر الحكومة الأمريكية أنه مسؤول عن مقتل الصحفي في “واشنطن بوست”، “جمال خاشقجي”.

وبعيدا عن الاستقطاب السياسي، يرى “كيفين بوك”، المدير الإداري لشركة كليرفيو المستقلة للطاقة والأبحاث، أن قرار السعودية بدفع “أوبك+” لخفض إنتاج النفط كان سليما ويستند إلى أسس اقتصادية وليس سياسية، وهو ما أدركته واشنطن، والدليل على ذلك هو أن أسعار النفط اتبعت مسارًا هبوطيًا، وليس تصاعديًا، عقب ذلك القرار، وهو ما يشير، بحسب “بوك”، إلى أن حجة المسؤولين السعوديين بضرورة خفض الإنتاج لمنع انهيار الأسعار وسط ضعف الطلب العالمي تبدو سليمة في النهاية.

ويشير التحليل إلى مشكلة تتعلق بالتباين في وجهات النظر بين الكونجرس والإدارة الأمريكية حول مسألة طبيعة الرد على التصعيد السعودي، ففي حين يفضل الكونجرس ردودا سريعة وقوية ودرامية، ترى إدارة “بايدن” أنها ملتزمة بإعادة مراجعة العلاقات مع الرياض، ولكن بشكل أكثر هدوءا وروية.

والأسبوع الماضي، عندما سئل المتحدث باسم البيت الأبيض عن ملف العلاقات مع السعودية ووعود “بايدن” بأه ستكون هناك عواقب لما فعلته المملكة قال: “لم نقل إننا سنقوم بنوع من المهام المنزلية ونعود إليك في غضون أسبوعين.. قلنا إننا سنواصل النظر في هذه العلاقة، وهو ما يحدث بالفعل”.

ويلفت التحليل إلى مسارعة إدارة “بايدن” لتوعد إيران وتهديدها عندما أشارت تقارير استخباراتية إلى أن طهران كانت تحضر لهجوم وشيك على المملكة، وذلك في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد أيام من قرار خفض إنتاج النفط الذي أغضب واشنطن.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني قررت وزارة الخارجية الأمريكية أن “محمد بن سلمان” كرئيس للحكومة السعودية يتمتع بالحصانة من الدعوى المرفوعة من خطيبة “خاشقجي” ومجموعة حقوق الإنسان التي أسسها.

 

ما البديل أمام إدارة “بايدن”؟

يرى “جيرالد فيرستين”، الباحث في معهد الشرق الأوسط والسفير السابق في اليمن، إن أفضل مسار للولايات المتحدة وهي تراجع العلاقات مع السعودية هو تقليل تعطش واشنطن للوقود الأحفوري، خاصة من الشرق الأوسط.

وأضاف: “إذا كنت تريد أن تُظهر للسعوديين أنك ستسعى وراء ما هو في مصلحة الولايات المتحدة، يجب أن تتحرك لتسريع استقلالك عن الطاقة التي ينتجونها.. هل تريد تأديب السعوديين؟ أظهر لهم أننا لسنا بحاجة إلى النفط”.