تلاحق فضائح الفساد كبار المسئولين في صندوق الاستثمارات السعودي الذي يترأسه ولي العهد محمد بن سلمان ويستخدمه في تبديد ثروات المملكة ومقدراتها.

وصندوق الاستثمارات العامة هو صندوق الثروة السيادية للمملكة تأسس سنة 1971م، ويعتبر من بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، إذ يحتل المركز السابع بإجمالي أصول تقدر بـ 430 مليار دولار.

وكشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن تفاصيل صادمة ومروعة بشأن سجل محافظ صندوق الثروة السيادية السعودي ياسر الرميان المقرب من محمد بن سلمان.

وقالت الصحيفة إن وثائق داخلية سعودية سرية مرفوعة إلى محكمة كندية تظهر صلته بقضية حملة مكافحة الفساد الشائنة بـ2017.

وأظهرت الوثائق أن واحدة من 20 شركة استولى الرميان عليها كانت شركة طائرات مستأجرة استخدمت بمؤامرة السعودية لقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وعين بن سلمان المقرب منه الرميان رئيسًا لنادي نيوكاسل عدا عن رئاسة مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية.

وتوكد تقارير أن بن سلمان أهدر أكثر 3.5 مليار دولار من أموال الشعب السعودي، كاستثمار خارجي من دون فوائد مجدية.

ولم يترك بن سلمان، صندوقا أو شركة أو مالا إلا وأخضعه تحت سيادته؛ بشكل يعكس عقلية الحاكم المستبد.

غير أن هذه الاندماجات والخطط غير المدروسة تزيد من مخاطر فشل رؤية 2030 التي أطلقها بن سلمان لتنويع مصادر الدخل في المملكة.

وأعلن بن سلمان قبل ست سنوات عن رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع موارد الاقتصاد المعتمد تماماً على النفط

والآن توصف أحدث خطة اقتصادية كشف عنها بأنها عالية الطموح لكنها لا تخلو من مخاطر عالية.

وتقوم الخطة على تخفيض الأرباح التي تدفعها الشركات الكبرى للموازنة العامة للمملكة في مقابل توجيه تلك الشركات

وعلى رأسها عملاق النفط أرامكو وشركة سابك جزءاً من أرباحها نحو المساهمة في مشاريع البنية التحتية وغيرها من المشاريع في الداخل السعودي بغرض خلق مزيد من فرص العمل.

وفي هذا السياق يعتبر صندوق الاستثمارات العامة حجر الزاوية في تحقيق رؤية التنويع الاقتصادي التي تبناها ولي العهد، والمعروفة برؤية 2030

 

ضغوطات مالية

وبالتالي فإن الصندوق سيكون على الأرجح الوجهة التي تتولى الإشراف على تلك الخطة الاقتصادية الجديدة.

إذا كانت الميزانية – التي بلغ عجزها 12% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي- مضغوطة بسبب انخفاض مدفوعات أرباح الشركات السعودية،

فقد يكون صندوق الثروة السيادي البالغة قيمته حالياً 400 مليار دولار قادراً على تعويض هذا الركود، بعد أن ساهم ارتفاع أسعار النفط في إنعاشه مقارنة بالعام الماضي.

فقد كانت السعودية تمتلك عدداً من الصناديق السيادية، تم دمج أغلبها تحت إدارة صندوق الاستثمارات العامة الذي انخفض حجم الأصول التي يديرها العام الماضي إلى 320 مليار دولار

كان يحتل بها المركز الرابع خليجياً، والحادي عشر عالمياً، ويرأس مجلس إدارته ولي العهد.

وتم ضخ عائدات بيع جزء من أسهم شركة أرامكو من خلال الإدراج في البورصة السعودية أواخر العام الماضي في صندوق الاستثمارات العامة، الذي يتولى تمويل المشاريع الاستراتيجية في المملكة

إضافة إلى الاستثمارات المباشرة في الخارج، وعلى المستوى المحلي يتولى الصندوق إدارة المشاريع الثلاثة الرئيسية لرؤية 2030: مدينة نيوم بقيمة 500 مليار دولار، ومدينة الترفيه، ومشروع البحر الأحمر السياحي.

والآن يجهز صندوق الاستثمارات العامة نفسه بالفعل لدفع الاقتصاد المحلي، حيث تعهد الأمير محمد بإنفاق ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنوياً في الداخل حتى عام 2025

لإنشاء مدن ومنتجعات جديدة وتوفير 1.8 مليون فرصة عمل.

ويقول محمد أبو باشا، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في البنك الاستثماري “المجموعة المالية-هيرميس القابضة” ومقره القاهرة لبلومبرغ:

“تركز الميزانية بشكل متزايد على إدارة النفقات اليومية للحكومة بدلاً من أن تكون محركاً للنمو الاقتصادي”.

ونفقات رأس المال “تتحول في الغالب إلى صندوق الاستثمارات العامة ومؤسسات الدولة الشقيقة”.

وكانت صناديق الثروة السيادية حول العالم قد تكبّدت خسائر كبيرة بسبب تداعيات وباء كورونا الكارثية على الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت أسهم غالبية الشركات الكبرى في جميع بورصات العالم.

وبحسب تقرير لرويترز أواخر مارس/آذار من العام الماضي، خسرت صناديق الثروة السيادية حول العالم أكثر من 225 مليار دولار خلال الربع الأول من العام، بينما خسرت الصناديق السيادية الخليجية أكثر من 300 مليار دولار بنهاية العام.

 

مخاطر عالية

لكن تصاحب تلك الخطة الاقتصادية الجديدة لولي العهد مخاطر كبيرة رغم ما تحمله من طموح واعد.

ففي حين أنها قد تساعد في تعزيز الاستثمار، فقد تضر أيضاً بأموال الحكومة، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

إذ يريد ولي العهد من أكبر الشركات في المملكة – ومن ضمنها شركة النفط العملاقة أرامكو السعودية وشركة سابك لصناعة الكيماويات – خفض أرباحها،

التي يُدفع معظمها للدولة، وإنفاق هذه الأموال على المستوى المحلي، والفكرة هي أن إنفاق هذه الشركات على البنية التحتية الجديدة والتكنولوجيا سيكون كبيراً بما يكفي لتسريع نمو البلاد وإحداث طفرة في فرص العمل.

وقالت كارين يونغ، الباحثة المقيمة في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة بواشنطن، في مقال رأي، إن استراتيجية الحاكم الفعلي للسعودية ترقى

إلى “التضحية بالأرباح الحالية لصالح استثمارات مستقبلية. وهذا مرتبط بالتحول الجذري لبناء حقبة ما بعد النفط، ولكن على المدى القصير، سيؤدي هذا إلى استنفاد الحكومة لمواردها”.

وتتمثل التأثيرات المحتملة لهذه الخطة على الميزانية والاقتصاد، الذي تضرر بشدة العام الماضي بسبب جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، في عدد من النقاط الرئيسية:

حوّلت أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم، 110 مليارات دولار إلى الحكومة عام 2020 في صورة مدفوعات المساهمين وضرائب القطاع الخاص وضريبة الدخل، بانخفاض بنسبة 30% عن العام السابق.

ووفقاً لجيمس سوانستون من شركة كابيتال إيكونوميكس، فإن انخفاض الأرباح من الشركة، المملوكة للدولة بنسبة 98%: “سيؤثر على إيرادات الحكومة”.

وهو غير مقتنع بأن الاستثمار الإضافي في الاقتصاد سيؤدي إلى زيادة كبيرة في جباية الضرائب الحكومية من الصناعات الأخرى، على الأقل في المدى القصير، بحسب بلومبيرغ.

لكن أرامكو قالت إن بإمكانها الحفاظ على أرباحها، التي وصلت إلى 75 مليار دولار وكانت الأكبر في العالم العام الماضي.

وقد ساعد على ذلك ارتفاع سعر خام برنت بنسبة 30% تقريباً منذ ديسمبر/كانون الأول إلى 67 دولاراً للبرميل في ظل رفع المزيد من الدول للإغلاق.

وأعلنت الشركة الأسبوع الماضي عن صفقة ستشهد استثمار اتحاد تقوده الولايات المتحدة لـ 12.4 مليار دولار في خطوط أنابيبها. وقد تساعد الميزانية العمومية الأقوى والتدفق النقدي الأعلى على الاحتفاظ بالأرباح وزيادة الاستثمار محلياً.

ويُتوقع أن تصل أجور ومعاشات العاملين بالدولة إلى 491 مليار ريال (131 مليار دولار) هذا العام، بما يمثل نحو نصف إجمالي الإنفاق البالغ 990 مليار ريال.

ومع ذلك، إذا ظلت أسعار النفط أعلى من 60 دولاراً، فقد تتمكن السعودية من تغطية الرواتب من مبيعات النفط الخام وحدها، وفقاً لزياد داود، كبير خبراء اقتصاد الأسواق الناشئة في بلومبيرغ إيكونوميكس.

وتمكنت البلاد من رفع الإيرادات غير النفطية من 166 مليار ريال عام 2015 إلى 358 مليار ريال عام 2020.

 

تحسن محفوف بالمخاطر

ولكن توجد مشكلة، إذ يعود جزء كبير من هذا التحسن إلى التسويات مع عدد من أثرياء المملكة التي بدأت عام 2017 فيما عُرف باسم اعتقالات فندق ريتز كارلتون، في إطار حملة الأمير لمكافحة الفساد.

وقال داود لبلومبرغ: “نمو الإيرادات غير النفطية للسعودية طبيعي ولكن بشكل جزئي فقط”.

وهذه التسويات تمثل “خمس الإيرادات غير النفطية. وسيأتي وقت وتنتهي. وحين يحدث ذلك، لن تتوقف العائدات غير النفطية عن الارتفاع فحسب، بل ستنهار بالفعل. ولتحقيق نمواً مستداماً، يتعين على المملكة زيادة الإنتاجية وزيادة الصادرات غير النفطية”.

وكانت الحكومة السعودية قد توقعت في ديسمبر/كانون الثاني الماضي إيرادات بقيمة 849 مليار ريال لعام 2021 وعجزاً مالياً بنسبة 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي ذلك الوقت، وصل سعر النفط بالكاد إلى 50 دولاراً للبرميل. وقد ارتفع الآن إلى درجة بإمكان السعودية معها موازنة ميزانيتها، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

لكن التأثير الممتد للجائحة على الشركات السعودية والطلب العالمي على الطاقة يعني أن الأوضاع المالية للمملكة لا تزال محاطة بالمخاطر، وفقاً لأبو باشا.

وقال أبو باشا: “تعزيز الإيرادات غير النفطية في المستقبل سيعتمد على المضي قدماً في توزيعات الأرباح من كل هذه الاستثمارات المملوكة للدولة. وهذا يزيد من الضعف المالي”.