خاص: منذ اعتلاء ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” مقعد ولاية العهد في السعودية وهو يأخذ بالمملكة نحو الهاوية في كل المجالات، خصوصًا في مجال قمع الحريات والتعبير عن الرأي.

فمنذ قدومه وحاول “ابن سلمان” رسم صورة لنفسه عن الغرب باعتباره مصلحًا، يحاول إخراج السعودية من حياة البدو والقبيلة إلى حياة التمدن والحضارة، على حد وجهة نظر الغرب. ولكنه فشل في الحفاظ على تلك الصورة الوهمية التي أراد غرزها في وجدان الغرب؛ بسبب ملفات لجرائم اقترفها أدت لانهيار تلك الصورة في وجدان الغرب، حيث رأوه في النهاية دكتاتور قمعي، قاتل!

 

ضربة البداية “خاشقجي”:

كل الإصلاحات والرؤى والخطاب الانفتاحي الذي روج له “ابن سلمان” طمسه حادث واحد، هو مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ويبدو أن الواقعة وتبعاتها ما زالت تطارد سمعة النظام السعودي، وربما ولي العهد نفسه. إذ أقر محمد بن سلمان في حوار أنه يتحمل المسؤولية عن مقتل خاشقجي “كون ذلك حدث وأنا في موقع السلطة”.

وتوالت الاتهامات الدولية لبن سلمان بالمسؤولية عن مقتل خاشقجي، وقالت بعض الجهات صراحة إن الواقعة تمت بأوامر منه.

وكان الموقف السعودي الأولي هو إنكار وقوع الجريمة من الأساس، حتى انتهى الأمر بتقديم خمسة مسؤولين سعوديين للمحاكمة.

وقال مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية، فرانك غاردنر، إن السعودية “تواجه أكبر أزمة سياسية في البلاد منذ 11 سبتمبر/أيلول 2011”.

وذكر غاردنر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 إن الضغوط الأكبر على السياسة الخارجية السعودية ستكون بشأن حرب اليمن ومبيعات الأسلحة المرتبطة بها. وهو ما تجلي في أكثر من مناسبة خلال العالم الماضي.

وقد أدت الحادثة إلى تحجيم سلطات بن سلمان ولو لفترة، وعودة بعض وجوه الحكم القديمة للتدخل والمشاركة في اتخاذ القرارات.

واعتمدوا في ذلك على تصدر الملك سلمان نفسه للمشهد في أعقاب الواقعة، إذ اتصل بنجل خاشقجي لتقديم التعازي، واستقبله في القصر الملكي، وتعهده أمام مجلس الشورى في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بملاحقة ومعاقبة “المسؤولين عن أي جريمة”.

 

أبناء “الجبري” وقضاياه بالولايات المتحدة:

أثر رد فعل “ابن سلمان” على هروب المسؤول السعودي الاستخباراتي السابق، سعد الجبري، حالة من التذمر داخل الأوساط السياسية الرسمية الخارجية وخصوصًا في الولايات المتحدة، التي أدى الخلاف بين الغريمين والذي وصل لساحات القضاء الأمريكي؛ لتدخل وزارة العدل والمخابرات الأمريكية لوقف سجال القضايا بين الطرفين لاحتمالية كشف أسرار أمن قومي أمريكية.

الأهم هو، أن هذا النزاع القانوني يسلط الضوء على خصومات على مستوى عال من العائلة المالكة السعودية، لكن واشنطن تخشى أن تؤدي المواجهة المريرة في قاعة المحكمة إلى كشف أسرار حكومية أمريكية شديدة الحساسية.

من جانبه، قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، إن سعد الجبري لواء الأمن، والذراع اليمنى لولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، تحول إلى أمر أكثر خطورة على ولي العهد محمد بن سلمان من قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.

وقال الكاتب بمقال في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ترجمته “عربي21″، إنه لا أمل أمام “الملك الغلام” في تجنب النكبة، سوى فوز دونالد ترامب، لأنه في حال خسر، فإن ما حول ترامب سينهار، وتستعيد السي آي إيه ووزارة الخارجية ما كان لهما من دور في صنع القرارات، وسوف تسري رياح قارصة، عبر قصر ابن سلمان في الرياض، حتى لو نصب نفسه ملكا.

وأضاف: “لم تضع المعركة التي بدأها محمد بن سلمان بالإطاحة بمحمد بن نايف قبل ثلاثة أعوام أوزارها بعد. لعل محمد بن سلمان يعتقد أنه تمكن من دفن محمد بن نايف داخل المملكة، إلا أنه لم ينجح في قطع علاقاته مع المؤسسة الأمنية في الولايات المتحدة، فها هم المسؤولون فيها يعربون عن انحيازهم للجبري وعائلته ولابن نايف في محبسه.

وتابع: “سيخوض الجبري حربا مع محمد بن سلمان حتى النهاية، فهو حتى الآن، وبعد العديد من المحاولات لإسكاته، ما زال محمد بن سلمان يرسل العملاء إلى تورنتو لإتمام المهمة. يعيش الجبري حاليا تحت حراسة مشددة من قبل ضباط مسلحين تابعين لشرطة الخيالة الملكية الكندية، بالإضافة إلى حراس خاصين، كما ذكرت صحيفة ذي غلوب أند ميل”.

 

اعتقال الناشطات وتعذيبهن:

رغم دعوات “ابن سلمان” لتمكين المرأة، والخطوات الوهمية التي اتخذها من تعيين سفيرات في العواصم الغربية المهمة، منها واشنطن، إلا أن التقارير الحقوقية الدولية الرسمية وغير الرسمية التي امتلأت بوقائع تعذيب الناشطات على يد مقربين من “ابن سلمان”، كمستشاره المقرب سعود القحطاني، كان لها أكبر الأثر في تكذيب تلك الدعوات والخطوات على أرض الواقع.

فقد وصل عدد المعتقلات إلى العشرات منهن من لم يتم التعرف على مصيرهن منذ عدة سنوات، كما تعاني المعتقلات من التعذيب النفسي والجسدي والإخفاء القسري، فضلا عن الحرمان والانتهاكات المتعددة من قبل السجانين وأصحاب القرار في الدولة.

وتستخدم السلطات السعودية التضليل الإعلامي لغرض شرعنة قمع الناشطات والمعارضات والمعبرات عن الرأي، من خلال التشهير والتهم الكيدية ضدهن.

وتسعى السلطات لشرعنة جرائم القمع، لاسيما ضد النساء، عبر التضليل الإعلامي المزيف والاتهامات الكيدية والتشهير بهن بغير وجه حق.

ومن بين أبرز معتقلات الرأي اللاتي تعرضن للتشهير والاتهامات الكيدية من تخوين وغيرها، لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وسمر بدوي وغيرهن.

ولا يزال نحو 60 ناشطة تعاني من الاحتجاز التعسفي في السجون الحكومية، في ظل الانتهاكات المتواصلة التي يتورط بها السجانين بحقهن، بعيدا عن الإعلام، وبتواطؤ صريح من قبل رجال الدولة.

وتزعّم السلطات السعودية أنها تمنح الحرية للمفرج عنهم، إلا أنها تجبر معظم المفرج عنهم، بما فيهم الناشطات؛ على التوقيع على جملة من الشروط الواجب اتباعها.

ويتعرض كثير من الناشطات المعتقلات لما يعرف بـ “الإفراج المشروط”، حيث تفرض السلطات جملة من القيود وتجبر المفرج عنها بالتوقيع عليها، وفي حال عدم الالتزام بها فإنها تتعرض للاحتجاز التعسفي مجددا.

ومن بين أبرز المعتقلات الذين واجهن الإفراج المشروط، لجين الهذلول، وعزيزة اليوسف، وإيمان النفجان، وعبير نمنكاني، وشدن العنزي، وشيخة العرف، وعائشة المرزوق، وغيرهن الكثير.

 

كل تلك الملفات تركت أكبر الأثر في وجدان المجتمعات الغربية، التي حسمت أمرها عكس حكوماتها التي لا زالت تنظر للمصلحة مع النظام السعودي، وأصبحت تعامل “ابن سلمان” على أنه مجرم حرب، بينما لا حكوماتها تسعى لإبرام العقود والصفقات معه، ولكنها ترفض استقباله نتيجة لذلك الضغط الشعبي عليها.