أكدت وكالة “بلومبرج” الأمريكية أن السعودية وإسرائيل لم يعودا في حالة “عداء” في ظل سياسات ولي العهد محمد بن سلمان القائمة على فرض التطبيع التدريجي في المملكة.

وذكرت الوكالة أن الدافع الاقتصادي القوي” هو الذي يقود العلاقات بين السعودية وإسرائيل في الوقت الراهن، لدرجة أن البلدين لم يعودا في حالة “عداء”، رغم أن علاقاتهما “لا يمكن وصفها بالصداقة أيضا”.

وبحسب الوكالة فإن العلاقات السعودية الإسرائيلية، التي تنامت بشكل علني، خلال الأشهر الماضية، تظهر أحداثا “لم يكن من الممكن تصورها منذ وقت ليس ببعيد”.

وتزايدت التقارير حول استعداد السعودية للدخول إلى دائرة التطبيع مع إسرائيل بعد الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة، الشهر قبل الماضي، والتقى خلالها محمد بن سلمان الذي أشارت تقارير أخرى سابقة إلى أنه لا يمانع من التطبيع لكن وجود والده الملك “سلمان بن عبدالعزيز” هو العقبة الأبرز في هذا الطريق.

أبرز هذه الأحداث هو ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “بنيامين نتنياهو”، على قناة سعودية تديرها الدولة، وذهاب أمريكي إسرائيلي يقول إنه “الحاخام الأكبر في السعودية” إلى المملكة بتأشيرة سياحية، وقيام عائلة سعودية بارزة بالاستثمار في شركتين إسرائيليتين.

وبخلاف ذلك، وافقت المملكة على تخفيف قيود الطيران على مجالها الجوي لشركات الطيران التجارية، التي تسافر من تل أبيب وإليها.

وتشير “بلومبرج”، إلى أن “الروابط السرية في السابق باتت ظاهرة للعيان بشكل متزايد، حيث تفسح المنافسات بحذر المجال لعلاقات اقتصادية وأمنية براغماتية”.

وتوضح أن “الدافع الاقتصادي القوي” هو الذي يقود العلاقات بشكل أكثر وضوحا الآن، حيث يحاول “بن سلمان” تقليل اعتماد السعودية على النفط، وتطوير الصناعات المتقدمة.

ويسعى بن سلمان، إلى تسريع خططه لإصلاح الاقتصاد المعتمد على النفط، بينما تحرص إسرائيل على البناء على الاختراقات الدبلوماسية لعام 2020 (اتفاقيات التطبيع) مع دول الخليج الأصغر.

في مارس/آذار الماضي، قال بن سلمان إن المملكة تنظر إلى إسرائيل كـ”حليف محتمل” وليس كـ”عدو” في العديد من المصالح المشتركة، خلال مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية.

لكن استطلاعات الرأي، حسب “بلومبرج”، تظهر أن الغالبية العظمى في الخليج تعارض قبول إسرائيل كدولة، مما يشير إلى أن التطورات تتعلق بأجندة النخب الحاكمة، أكثر من تغيير جذري في وجهات نظر الشعوب العربية.

تشير الوكالة أيضا إلى أنه عندما وقعت الإمارات والبحرين “اتفاقيات إبراهيم”، كانت هناك تكهنات بأن المملكة سوف تنضم إليها.

وبالنسبة للقادة الإسرائيليين، فإن “الحصول على اعتراف من المملكة، صاحبة الوزن الجيوسياسي الثقيل في المنطقة، سيكون بمثابة جائزة”، لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك، بغض النظر عن الحكومة التي ستتولى زمام الأمور في إسرائيل بعد الانتخابات المقبلة.

ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المكانة البارزة الدينية والإقليمية للمملكة، تفرض اعتبارات سياسية مختلفة عن اعتبارات الجيران الأصغر.

ويؤكد المسؤولون السعوديون أن حل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين “يظل في صميم سياستهم”.

ولطالما ردد الملك سلمان في خطاباته أن المملكة يمكن أن تطبع العلاقات مع إسرائيل فقط حين تقوم دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية المحتلة.

يقول الباحث الذي يدرس السياسة الخارجية السعودية تجاه إسرائيل عبدالعزيز الغشيان، إن “الأمر يتعلق أكثر بالذوبان في العلاقات وليس الدفء في العلاقات.. لكن لايزال هذا أمر مهم جدا”.

ويرى أن المشهد السياسي الأمريكي يمثل عقبة أخرى، إذ لا يعتقد القادة السعوديون أن الرئيس جو بايدن سيحشد الإرادة لتقديم “التحلية” التي يريدونها بما في ذلك الضمانات الأمنية.

ويسافر الإسرائيليون إلى المملكة بسهولة أكبر باستخدام جوازات سفر دول ثالثة، وهناك عدد منهم يوجهون أعمالهم عبر كيانات خارجية، بل ويناقشون ذلك علنا.

شركة الهندسة والبرمجيات الإسرائيلية “كواليتيست” لا تعمل مباشرة في المملكة، لكنها تبيع منتجاتها إلى شركات أخرى، ثم تستخدم بعد ذلك في المملكة.

والاستثمار يسير في الاتجاه المعاكس أيضا، فشركة “ميثاق كابيتال”، التابعة لعائلة “الراجحي” السعودية، ومقرها الرئيسي الرياض، هي الآن أكبر مساهم في شركتين إسرائيليتين، هما “أوتونومو “، و”تريمور إنترناشونال”.

ويتحدث العضو المنتدب للشركة “محمد آصف سيماب” بالقول: “نحن نحب الابتكار وثقافة التكنولوجيا التي تمتلكها إسرائيل، ونحاول إيجاد طرق للاستفادة من ذلك”.

ولا يزال صاحب عمل إسرائيلي يزور الرياض غير قادر على إجراء مكالمة هاتفية مباشرة مع تل أبيب، ناهيك عن تحويل الأموال.

ويقول جيسون غرينبلات الذي كان مبعوثا خاصا للشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأحد مهندسي اتفاقيات التطبيع، إن القيادة السعودية “تدرك أن إسرائيل يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة للمنطقة”، حتى لو لم تكن مستعدة بعد لتوقيع اتفاقية التطبيع.

ويسعى الدبلوماسي السابق إلى تسهيل الاستثمار السعودي في إسرائيل، لكنه يرى أن ذلك سيستغرق بعض الوقت.

أما الباحث البارز في سياسات الخليج في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي يوئيل جوزانسكي، فيقول إنه سيكون من غير المجدي بالنسبة لإسرائيل أن تضغط على السعوديين بشدة، خشية “إلحاق الضرر بالعلاقة”.

ويتفق معه رجل الأعمال اليهودي الأمريكي بروس غورفين، الذي قاد مؤخرا سيارة بين دبي وإسرائيل، حين قال إنه يؤمن بالانفتاح التدريجي الحالي، وأضاف إنه سيكون مفيدا للأعمال التجارية.

ويعمل رجل الأعمال على مشروع يسمى “Future Gig”، لربط الشركات الناشئة الإسرائيلية بالسوق السعودي والعكس، مع التركيز على قضايا الطاقة المتجددة وندرة المياه والزراعة.

لا توجد علاقات دبلوماسية أو تجارية “رسمية” بين السعودية وإسرائيل، على الرغم من أنه يُعتقد أن لديهما روابط أمنية ودفاعية، تستند إلى مخاوفهما المشتركة بشأن طموحات إيران الإقليمية.

ويقول المسؤولون السعوديون والإسرائيليون إن التساؤل المطروح الآن لم يعد يتعلق بما إذا كانت السعودية سوف تقبل بالاعتراف بإسرائيل جارة لها، بل متى سوف تتخذ هذه الخطوة.