اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن السعودية باتت “دولة بوليسية” عنوانها “الخوف والصمت”، منتقدة تردي الأوضاع الحقوقية فيها.
وقال الباحث في جامعة كولومبيا “أنوج تشوبرا”، في مقال بالصحيفة، إن بعض المصادر التي تحدث معها، ممن عانت من انتهاكات، راسلته بشأن نشر قصص تتناول انتهاكات في سجون المملكة للعدول عن النشر.
وأضاف: “بدأ هاتفي باستقبال الرسائل النصية المرتبكة بعد منتصف الليل، رسائل مليئة بالذعر وخائفة. لقد كانت من مصادر تطلب بإلحاح مني: لا تنشر”.
وأضاف: “عملت في السعودية لأسابيع، كمراسل، لتجميع قصة عن ملاجئ تشبه السجون تديرها الحكومة السعودية. فعلى غرار مراكز الاحتجاز، احتجزت الملاجئ السرية من بين آخرين، نساء وصفن بأنهن عاصيات، هربن من أولياء أمورهن الذكور”.
وتابع: “على الرغم من الإصلاحات التي أُجريت في السنوات الأخيرة، لا تزال هناك ثغرات لا تزال تمنح الأوصياء سلطة تعسفية على قريباتهن من الإناث، اللواتي يمكن أن يتركهن سجينات هذه الملاجئ”.
وسلط التقرير الضوء بشكل حاسم على سبب خوض العديد من النساء الهاربات لمخاطر غير عادية للفرار من المملكة، رغم توفر بعض الحريات المستحدثة في عهد ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”.
لكنه قال: “بعد كل هذا العمل الشاق، أصبحت مصادري مترددة. فوسط حملة قمع شرسة ضد المنتقدين والناشطين ورجال الدين، وحتى أفراد العائلة المالكة، قالت المصادر إنه في كل مرة يطرق فيها شخص ما بابها، كانت تشعر بالشلل بسبب الخوف من أن عملاء الدولة قد جاءوا للإمساك بها”.
ووصف السعودية بدولة مراقَبة، تخشى أن يتم كشف ما فيها. وقال: “شعرت بضرورة الاحتفاظ بالقصة وعدم نشرها. كنت آمل أن أنشرها يوما ما إذا شعرت المصادر بالأمان. ولكن لم يأت ذلك اليوم”.
وتابع: “خلال السنوات الأربع التي أمضيتها كمراسل أجنبي في السعودية، لم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي يُرهب فيها المصدر ويلزم الصمت”.
وقال: “لطالما كانت السعودية دولة أوتوقراطية يحكمها نظام ملكي، لكن العديد من مواطني المملكة سيقولون لك في همسات صامتة إن القمع أسوأ من أي وقت مضى. يقولون إن السعودية أصبحت دولة بوليسية”.
وأثار مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” قبل ثلاث سنوات في القنصلية السعودية في إسطنبول، ضجة عالمية.
وما يزيد الرعب تعذيب الناشطات أثناء الاحتجاز، وتصاعد الاستبداد الرقمي -اعتقال أو اختفاء المنتقدين بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي- والحظر التعسفي على السفر إلى الخارج، الذي غالبا ما يمتد إلى أفراد عائلات المعتقلين.
وأضاف: “عشت في المملكة خلال فترة ربما كانت الأكثر تحوّلا في تاريخها الحديث. شهدت السعودية تغيرات في السنوات الأربع الماضية أكثر مما فعلت خلال الأربعين الماضية. فقد رفعت الحظر الوحيد في العالم على قيادة النساء للسيارات، وأعادت فتح دور السينما، منهية الحظر الذي استمر لعقود. وتم كبح جماح طبقة رجال الدين، في محاولة لإعادة ضبط دور الدين في بلد مرتبط منذ فترة طويلة بالوهابية المتشددة. وسمحت بمساحات عمل مختلطة بين الجنسين وحفلات موسيقية في بلد كان سيئ السمعة في السابق لفصله بين الجنسين.
حملة تحرير متناقضة
ويقول أنصار “بن سلمان” المتحمسون إنه يجر البلاد من شعرها، وهي تتلوى وتصرخ ليدخلها إلى القرن الحادي والعشرين.
واستدرك “تشوبرا”: “لكن القصص غير المروية في دفاتر ملاحظاتي التي لا تعد ولا تحصى تشهد على حقيقة أخرى: كيف يعيق الخوف الأمة وشعبها”.
واعتبر أن “فهم السعودية الجديدة يتطلب الاطلاع على بنية هذا الخوف”.
ولفت إلى “بن سلمان” حاول “تغيير صورة المملكة في عصر ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 من خلال حملة تحرير شاملة رحب بها العديد من الشباب السعودي المتعطش للحريات الاجتماعية. لكنها مليئة بالتناقضات الصارخة”.
وقال “تشوبرا” إن “حملة التحرير مصحوبة بقمع عقابي ضد الليبراليين؛ فبن سلمان يسعى إلى الدفاع عن حقوق المرأة، لكنه يسجن في الوقت ذاته النساء اللائي ناضلن منذ فترة طويلة من أجل الحقوق ذاتها”.
وأضاف أن ولي العهد السعودي “يسعى لمناصرة الإسلام المعتدل، لكن العديد من ضحايا حملته هم من رجال الدين المعتدلين”.
وتابع: “أصبحت الخطوط الحمراء المتغيرة باستمرار مربكة للغاية لدرجة أن المواطنين العاديين يخافون باستمرار من حمل آراء “خاطئة”.
واستطرد: “يختار الكثيرون من طبقة المثقفين، الذين يمكن أن يساهموا في إصلاحات بن سلمان بنقد بنّاء، التزام الصمت، والعثور على الأمان في الإذعان”.