قبل سنوات وتحديدا في مطلع أبريل/ نيسان 2016، أعلن ولي ولي العهد السعودي آنذاك، محمد بن سلمان، أنه بصدد التخطيط لتأسيس “الصندوق السيادي” الأضخم على وجه الأرض بقيمة تريليوني دولار، لحقبة ما بعد النفط.

مرت السنوات وطرأت التحولات وأصبح ابن سلمان هو ولي العهد، والرجل الأقوى في المملكة على الإطلاق، لكن لم يتحقق الوعد، بل أضحى “صندوق الثروة السعودي” محل جدل ويؤشر على سوء إدارة ابن سلمان.

وفي 3 يناير/ كانون الثاني 2023، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، تقريرها المعنون بـ”ولي العهد السعودي يتشابك مع صندوق الثروة السيادي بشأن كيفية استثمار ثروات النفط”.

وذكرت أن ابن سلمان أثار حفيظة كبار المسؤولين الماليين في بعض الأحيان، لأنه يدفع بمشاريع صغيرة في صندوق الاستثمارات العامة، بما في ذلك صفقات مع جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

 

مخاوف متصاعدة

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن “ابن سلمان ضغط بالفعل على إدارة صندوق الثروة السيادي، في الوقت الذي تسببت فيه جائحة كورونا في إصابة الأسواق العالمية بالضعف أوائل عام 2020، وذلك بعد أن استشعر فرصة رابحة في عملية شراء الأسهم الدولية”.

وتابعت: “حينها حاول مجلس إدارة الصندوق إرجاء الخطوة لكونها محفوفة بالمخاطر، لكنه سرعان ما وجد نفسه محكوما من قبل أعلى سلطة، الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي مرر إرادة ولي العهد، رغم المخاوف المتصاعدة”.

ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين سعوديين قولهم إنه “في ظل عدم وجود أصول سائلة كافية لإشباع رغبة ابن سلمان في التحرك بسرعة، فقد طلب الصندوق من البنك المركزي السعودي منحه عشرات المليارات من الدولارات، رغم مخاوف المسؤولين الحكوميين من أن ذلك قد يقوض ربط العملة المحلية بالدولار”.

وذكرت أن “محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، اختار بنفسه العديد من الأسهم التي اشتراها، وتتبع عمليات الشراء بسرعة من خلال لجنة مخصصة تجاوزت قنوات صنع القرار العادية”.

ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن “ذلك الوضع تحديدا صعد من صراع السلطة على مستقبل سابع أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، حيث يدير قرابة 600 مليار دولار”.

وشددت على أن “النتيجة الحتمية للصراع المكتوم، سيكون لها تأثير كبير على مستقبل الاقتصاد السعودي”.

وأوجه القصور المبكرة في صندوق الاستثمارات العامة، تكمن في أن ولي العهد لم تكن لديه الخبرة والمعرفة الفنية الكافية، ولم تكن هناك عمليات ناجحة للصندوق جاءت بعوائد ضخمة، في ظل غياب أنظمة محددة تعطي إشارات لمستقبل مبشر، بحسب خبراء.

لذلك اشتعلت السجالات بين ابن سلمان ومديري الصندوق في ظل الحالة القاتمة، حيث خفف موظفو الصندوق ومجلس إدارته من دوافع ولي العهد أحيانا.

ومن أبرز الأمثلة علاقته الوثيقة بالرئيس التنفيذي لشركة “سوفت بنك”، ماسايوشي سون.

ففي أغسطس/آب 2019، قدم سون إلى صندوق الاستثمارات العامة “فكرة خطيرة” تمس دور السعودية كوصي على أقدس المواقع الإسلامية.

واقترح سون حينها كسب مزيد من الأموال من الحجاج والمعتمرين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومضاعفة عدد الزوار السنوي إلى 20 مليونا بحلول عام 2030.

لذلك دعا سون صندوق “تمويل الرؤية الثاني” التابع لسوفت بنك والسعودية إلى الاستثمار في المشروع وإنفاق 40 مليار دولار في سبيل تنفيذه.

ولي العهد أعجب بالفكرة، لكن الاقتراح لم يتخط لجان الاستثمار التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.

وقال بعض المسؤولين السعوديين إن “المشروع سيكون بمثابة إفراط في تطوير أقدس مكان للإسلام، ويمس صميم دور ومكانة المملكة في العالمين العربي والإسلامي”.

 

ضغوط غير مسبوقة

في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2022 حذرت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني المملكة من مخاطر تباطؤ نمو الإقراض خلال 2023 وقالت إنه “”في حال لم يتدخل البنك المركزي في دعم السيولة الإضافية، يمكن أن ترتفع معدلات الفائدة بين البنوك في جميع أنحاء المملكة أيضا”.

وبحسب وكالة “بلومبيرغ” الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 2022، تحاول الحكومة السعودية “تأكيد سيطرتها على تكاليف رؤوس الأموال للبنوك، لأن أزمة السيولة تهدد بتقويض قدرتها على تمويل مشاريع ابن سلمان”.

ومنذ أشهر تتعرض السيولة المصرفية في السعودية لضغوط غير مسبوقة، حيث تجاوز التوسع في الائتمان نمو الودائع، بحسب الوكالة.

وكانت أخطر الأزمات التي طرأت على إدارة ابن سلمان لصندوق الثروة، وفجرت تحفظات جمة لدى المسؤولين، ذلك الذي حدث عام 2021، عندما سعى كوشنر للحصول على مليارات الدولارات من صندوق الاستثمارات العامة لصندوق استثمار يركز على الشرق الأوسط فقط.

ورفضت حينها لجنة الاستثمار في صندوق الاستثمارات العامة الأمر بشكل قاطع، رغم علاقة كوشنر القوية بابن سلمان، لأنها وجدت فيه “خطورة” على الصندوق والاستثمارات.

وكان يهدف كوشنر، إلى ربط أموال المملكة والخليج العربي مع الشركات الإسرائيلية، خاصة المتخصصة بقطاع التكنولوجيا، رغم أن السعودية ليس لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وكادت إرادة كوشنر أن تفشل تماما، لولا تدخل ولي العهد بقوة في هذا السجال، وفاز كوشنر في النهاية، وتلقى صهر ترامب على أثره ملياري دولار في صندوقه الخاص.

 

دوافع شخصية

إذا كان الحديث عن سوء إدارة ولي العهد لـ”صناديق الثروة السيادية” نابعة من عدم خبرة وتقديرات جزافية، فإن دخول كوشنر على الخط أكد وجود دوافع ومصالح شخصية بحتة.

ويظهر حصول صهر ترامب على الملياري دولار تحديدا أن علاقته بابن سلمان لم تنته برحيل ترامب عن البيت الأبيض، بل ظلت مستمرة على عدة أوجه.

كما ظهرت فاعلية ابن سلمان في دعم كوشنر ضمن تسريبات عدة جرى تداولها في الآونة الأخيرة.

وهو ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في 15 أبريل/نيسان 2022، إذ وصفت الأمر بـ”الصفقة المريبة” بين “آفنتي بارتنرز”، وهي شركة ملكية خاصة أنشأها كوشنر بعد شهور من مغادرته البيت الأبيض، وبين صندوق الثروة السيادية في السعودية.

وكانت “واشنطن بوست” تحدثت عن أسباب ذلك، ومنها أن “ابن سلمان ممتن لدور كوشنر في التقارب السعودي الأميركي خلال عهد ترامب، والأهم المراهنة على أن الأخير سيعود إلى البيت الأبيض في انتخابات الرئاسة المقبلة”.

كذلك أوضحت الصحيفة أن هناك سببا إضافيا دفع ابن سلمان إلى عدم التردد في دفع هذا المبلغ لكوشنر (من أموال صندوق الثروة السيادي)، وهو مكافأته على دوره في إزاحة ولي العهد السعودي السابق، محمد بن نايف، من طريقه نحو ولاية العهد، ومن ثم حكم المملكة مستقبلا.

من جانبها، نشرت الصحفية الاستقصائية الأميركية، فيكي وارد، في 17 أبريل/نيسان 2022، عبر مدونتها الخاصة، أن “ما يستثمر فيه ابن سلمان حقا ليس مشروعا عقاريا بينه وبين كوشنر، بل المستقبل السياسي لعائلة ترامب على وجه التحديد، أي عودة محتملة إلى البيت الأبيض للرئيس السابق إذا ترشح مرة أخرى، وفاز في انتخابات 2024”.

ورأت “أنها علامة أخرى لكيفية نظر ابن سلمان للعلاقة مع واشنطن، مع رفضه زيادة إنتاج النفط الخام عندما طلبت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن المساعدة في خفض أسعار الغاز”.

وأن “ولي العهد السعودي لا يرى حكومته كحليف للولايات المتحدة، ولكن حلفه مع طرف واحد فقط في السياسة الحزبية المحلية”، في إشارة واضحة منها للحزب الجمهوري.