خمس جولات عسكرية جمعت السعودية وجارتها اليمن على مدى ثمانية عقود؛ منها مواجهات بين الدولتين، أو أخرى تضمنت دعماً سعودياً لطرف في مواجهة يمنية-يمنية، وبالمجمل لم تحسم المملكة سوى واحدة منها.
ثلاث مواجهات عسكرية سعودية-يمنية كانت وجهاً لوجه، الأولى اشتعلت في ثلاثينيات القرن العشرين، وتوّجت باتفاق الطائف 1934، وإقامة علاقات سلمية بين الدولتين، واعتراف كل طرف باستقلال الطرف الآخر وسيادته.
وقد حدثت تلك المواجهة بعد زحف الجيش اليمني إلى العمق السعودي، وتوغل جيش المملكة في محافظة الحُديدة اليمنية على ساحل البحر الأحمر، ما اضطر الطرفين إلى توقيع صلح بينهما.
أما الثانية فسجلت التفوق السعودي اليتيم فيما عُرف بـ”معركة الوديعة”، والتي نشبت بين المملكة وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، بعد أن اشتبكت القوات اليمنية الجنوبية والسعودية في “مركز الوديعة” على حدود البلدين بنوفمبر 1969، وانتهت لمصلحة الرياض.
وكانت الثالثة دفاعية ضد توغل مليشيات الحوثيين المدعومة من إيران في الحدود السعودية عام 2009، وكانت عبارة عن اشتباكات متقطعة، وحرصت المملكة حينها على تأكيد دفاعها عن سيادتها وأراضيها، وهو ما أقرت به الحكومة اليمنية التي يربطها مع الرياض تحالف وثيق خصوصاً بالمجال الأمني والعسكري.
– تدخلات في النزاعات اليمنية
في مناسبتين تدخلت السعودية عسكرياً لدعم طرف يمني بمواجهات داخلية، ولم تحسم أيّاً منهما، ففي ستينيات القرن الماضي حاولت إجهاض ثورة الجمهوريين ضد النظام الإمامي (الزيدي/الإمام يحيى حميد الدين المتوكل) بـ26 سبتمبر 1962.
وآنذاك استغلت الرياض مبرر دعم جمال عبد الناصر للثورة، لكن ثماني سنوات من الحرب انتهت بمصالحة وطنية انتصرت للثورة وقيام دولة الجمهورية لتفشل المساعي السعودية.
أمّا المناسبة الثانية فما زالت نيرانها تتطاير حتى اليوم، حيث أعلنت السعودية تحالفاً يضم تسع دول، وشنت عاصفة الحزم لدعم الشرعية في اليمن، وإنهاء انقلاب مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بناءً على طلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، كما تقول العاصمة الرياض.
وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف على الحرب، تبدو السعودية قائدةُ التحالف غارقة في مستنقع يمني كبير، في ظل تنافس بدأ يتضح مؤخراً بينها وبين حليفتها الإمارات على تقاسم الأراضي اليمنية المحررة.
ورغم أن قوات التحالف استعادت عدداً من المحافظات فإنها أوقعت اليمنيين بأسوأ مأساة إنسانية، فضلاً عن تحولها إلى معيق لعمل الحكومة اليمنية وتحرير بقية الأراضي كما يحدث في تعز.
– التعامل مع الشركاء
وحول هذه التدخلات، يرى العميد الركن اليمني مساعد الحريري، أن “الفشل السعودي العسكري في اليمن رغم العدة والعتاد يعود إلى أن المملكة لا تؤسس تدخلاتها على شراكة حقيقية مع أصحاب الأرض، بل تتعامل مع شركائها بالداخل اليمني بأسلوب الاستعلاء والتكبر والتابع”.
وقال الحريري في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “في الحرب الراهنة، السعودية والتحالف استبعدوا من شاركوا في معارك التحرير من المليشيا الحوثية، وهم الأكثر خبرة بظروفها وشعابها، كما حدث في عدن، ما أدى إلى مرحلة غير مستقرة تعيشها العاصمة المؤقتة رغم تحريرها منذ أكثر من ثلاث سنوات”.
وأضاف: “أيضاً عدم دمج قوات المقاومة في إطار المؤسسة العسكرية والأمنية الرسمية، وما زال إلى الآن أغلب أفراد المقاومة من دون رواتب، ولم تضمهم الشرعية بمؤسساتها العسكرية والأمنية، وحتى الجرحى والشهداء تعاني أسرهم صعوبة استلام رواتبهم بسبب عدم نجاح التحالف والحكومة في تطبيع الأوضاع المعيشية بالمناطق المحررة”.
ووفقاً للحريري فإن من الأسباب التي ساهمت في الفشل السعودي هو “تصفية عدد من قيادات المقاومة الشعبية من أصحاب الانتماء الإسلامي، وتصدير بعض الشخصيات السلفية المشغولة بأولوية بيان خطأ منهج الجماعات الإسلامية الأخرى”.
ازدواجية الأهداف
وأوضح الخبير العسكري اليمني أن “ازدواجية الهدف كان لها دور في التخبط الذي وقعت به السعودية وتحالفها، فالمعلن هو نصرة الشرعية اليمنية وكسر الأصابع الإيرانية التي تستخدم الحوثيين للسيطرة على البلاد وتنفيذ أجنداتها، لكن ذلك لم تؤكده الوقائع”.
ولفت الحريري إلى أنه “لا أحد كان يتمنى أن يتحول اليمن إلى مستنقع كالمستنقع السوري الحافل بالتدخلات، لكن تلافي ذلك يتطلب وقفة حازمة مع النفس للمراجعة والبناء بموضوعية على ما سبق”.
وأكدّ أنه يجب الاعتراف بأن “الواقع اليمني معقد أكثر مما يبدو عليه، وأن الكثيرين لم يكونوا يدركون حجم هذه التعقيدات، ولم يكن- رغم أهميته التاريخية والجغرافية- يثير اهتمام الباحثين أو المراقبين لولا نكبته الأخيرة”.
– الاستراتيجية والمقياس
من جهته قال العميد اليمني داود الصغير: “يجب التفريق بين القوة العسكرية وبين السياسة التي قد تُنجح أو تُفشل أي عمل عسكري، فالفشل السعودي في اليمن يرتبط بالسياسة والاستراتيجية وبيئة المعركة قبل أي شيء آخر وإلا فما فمعنى التعثر بتدخل تدعمه معظم فئات الشعب اليمني”.
وأشار الصغير، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن “فشل التدخل العسكري السعودي باليمن في الستينيات يعود إلى أنه كان مشروعاً ضد تطلعات اليمنيين، أما تدخلها اليوم فأهدافه المعلنة تواكب تطلعات معظم اليمنيين، لذلك فالفشل فيه يعود إلى ممارسات الرياض وأبوظبي على الأرض التي تُخالف أهداف اليمنيين من الحرب”.
وتتمثل أبرز الممارسات التي ضربت شعبية التحالف في اليمن في تنافس السعودية والإمارات على السيطرة على المناطق اليمنية، كما حدث بمدينة المهرة وسقطرى، إضافة إلى عرقلة عمل الحكومة، والإمساك بزمام الموانئ والمطارات، وإنشاء مليشيات خارج سيطرة الدولة، ودعم أصوات الانفصال بالجنوب.
ونبّه الصغير إلى أن “الحكم على التدخل السعودي بالفشل يُقاس بأهدافها المعلنة، أمّا إذا كانت استراتيجيتها تُناقض استعادة الدولة والشرعية وإنهاء الانقلاب فقد نجحت في ذلك”.
ومنذ مارس 2015، تقود السعودية تحالفاً عسكرياً ضد مسلّحي الحوثي؛ لدعم القوات الموالية للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، الذي طرده الحوثيون من السلطة في سبتمبر 2014.
والسعودية إلى جانب الإمارات متهمتان بانتهاكات حقوقية ومدنية ضد المواطنين اليمنيين الذين تضرروا من غارات يشنها التحالف العربي باستمرار على تجمعات الحوثيين.
الخليج أونلاين